هل يمكن لطهران أن تنجو من "اليوم صفر المائي" بتبني نموذج كيب تاون؟

بينما تعيش العاصمة الإيرانية طهران أسوأ أزمة مياه في ذاكرتها الحية، لا توجد حالات عالمية حديثة تقدّم دروسًا أوضح من تجربة مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا عام 2018.

بينما تعيش العاصمة الإيرانية طهران أسوأ أزمة مياه في ذاكرتها الحية، لا توجد حالات عالمية حديثة تقدّم دروسًا أوضح من تجربة مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا عام 2018.
فإنّ النجاة الضيقة التي حققتها كيب تاون من "اليوم صفر" تقدّم نموذجًا عمليًا حول كيف يمكن لطهران أن تتجنب انهيارًا مشابهًا لما يهددها الآن.
وقد شدّد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأسبوع الماضي على خطورة الوضع من خلال أحد أكثر التحذيرات صراحةً التي صدرت عن أي زعيم إيراني، إذ قال: "من دون أمطار، قد تضطر طهران في يوم من الأيام إلى الإخلاء الكامل".
وعادةً ما تتلقى طهران ما بين 50 إلى 60 مليمترًا من الأمطار في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، لكن هذا العام لم تهطل أي أمطار، والتوقعات الجوية لا تبعث على الأمل.
وقد وصف مسؤولو المرافق هذا النقص بأنه "غير مسبوق"، مؤكدين أن تحذير الرئيس "جاد"، وأن المدينة "لم يعد لديها أي فائض مائي للاستهلاك الزائد".
الصورة قاتمة: مدينة ضخمة تدخل فصل الشتاء من دون هطول أمطار يُذكر، ومستويات المياه الجوفية في هبوط حر، وأنماط استهلاك تتجاوز الحدود البيئية بكثير.
كيف نجت كيب تاون من حافة الهاوية
واجهت كيب تاون، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة، أسوأ جفاف خلال أربعة قرون بدءًا من عام 2015، حين انخفضت أمطار الشتاء إلى أقل من نصف متوسطها طويل الأمد لثلاث سنوات متتالية.
وبحلول عام 2018، حذّر المسؤولون من "اليوم صفر"- اللحظة التي تنخفض فيها مستويات الخزانات إلى درجة لا تسمح بضخ المياه في الأنابيب.
انتشر الخوف بسرعة: طوابير لشراء المياه المعبأة، وارتفاع حاد في أسعار صهاريج المياه، وتوترات اجتماعية متزايدة. لكن بدلًا من فقدان السيطرة، استجابت سلطات المدينة باستراتيجية منضبطة بشكل غير اعتيادي، اعتمدت على تقليص صارم للطلب وشفافية كاملة.
الإجراءات التي اتُخذت شملت:
فرض حد يومي قدره 50 لترًا للفرد الواحد.
زيادة حادة في التعريفات، بحيث يدفع أصحاب الاستهلاك العالي ما يصل إلى عشرة أضعاف أكثر من غيرهم.
إطلاق حملة عامة تحت شعار "كل قطرة مهمة".
نشر مستويات الخزانات وتاريخ "اليوم صفر" المتوقع عبر الإنترنت يوميًا.
إنشاء وحدات تحلية صغيرة، وتوسيع نطاق إعادة استخدام مياه الصرف، واستخراج محدود للمياه الجوفية كمصادر بديلة.
تقديم إعانات إضافية للأسر ذات الدخل المنخفض لضمان العدالة.
وكان التأثير مذهلًا: انخفض استهلاك المياه بأكثر من 55 في المائة خلال أقل من عامين، من 1.2 مليار لتر يوميًا إلى نحو 500 مليون لتر.
وحين عادت الأمطار أخيرًا عام 2018، امتلأت الخزانات مجددًا. لكن الدرس الأعمق بقي راسخًا: العمل الجماعي الشفاف يمكن أن يغيّر السلوكيات على نطاق واسع.
استهلاك مرتفع وتسرب واسع
يبلغ متوسط استهلاك المياه في المنازل بطهران ما بين 250 إلى 300 لتر للفرد يوميًا- أي ضعف ما هو عليه في العديد من الدول المتقدمة تقريبًا. كما أن نحو ثلث مياه المدينة يتسرب عبر شبكة الأنابيب المتهالكة.
ومع ذلك، ما تزال السياسات تركز على مشاريع نقل المياه واسعة النطاق التي تؤجل الأزمة بدلًا من حلها.
وقد أدى الإفراط في ضخ المياه لعقود إلى عجز سنوي في خزانات المياه الجوفية لطهران يبلغ نحو 130 مليون متر مكعب، مع خسائر تراكمية خلال أربعين عامًا تقارب 5 مليارات متر مكعب.
وتواجه المناطق الجنوبية من المدينة الآن تسارعًا في ظاهرة هبوط الأرض، التي حذّرت هيئة المسح الجيولوجي الإيرانية من أنها تشكل "تهديدًا مباشرًا" للبنية التحتية في العاصمة. ومتى ما انهارت الطبقات الجوفية، لا يمكن استعادتها.
ما الذي يمكن فعله؟
حوّلت كيب تاون الخوف إلى نقطة تحول. أما طهران فلم تبدأ بعد مثل هذا النقاش الصادق. فسنوات من انعدام الثقة بين الدولة والمجتمع جعلت من الصعب جدًا تعبئة التعاون العام.
وبالاستناد إلى تجربة كيب تاون، تبرز خمسة إجراءات قابلة للتنفيذ فورًا لطهران:
الطلب قبل الإمداد: يجب أن تأتي صيانة الشبكة، والتسعير الواقعي، وتثقيف الجمهور في مرتبة أعلى من مشاريع نقل المياه الجديدة.
الشفافية تبني الثقة: يحتاج المواطنون إلى بيانات واضحة ومنتظمة حول مستويات الخزانات ومعدلات الاستهلاك.
توسيع نطاق إعادة التدوير: يمكن لمياه الصرف المعالجة المنزلية والصناعية أن تلبي جزءًا كبيرًا من الطلب.
حماية الفئات الضعيفة: يجب أن تراعي سياسات التسعير والتقنين الأسر منخفضة الدخل لتجنّب تحميلها أعباء غير عادلة.
توحيد الإدارة: إنّ تشتت الصلاحيات هو العقبة الأكبر؛ تحتاج طهران إلى هيكل قيادة موحد.