وفي تقرير نُشر أمس الأربعاء بعنوان "عرض العقوبات القاسية في العلن"، أوضحت صحيفة "شرق" أنّ محافظات فارس وخراسان وكرمانشاه حظيت بأعلى نسبة من الإعدامات العلنية في البلاد.
ووفق التقرير، كان لمدنٍ أخرى مثل ياسوج وأراك والأهواز ومرودشت وأصفهان نصيب أقل. وأضافت الصحيفة أنّ "الإعدامات العلنية غالبًا ما تُنفَّذ في مراكز المحافظات ذات الكثافة السكانية العالية أو في مناطق شهدت قضايا لاقت تغطية إعلامية واسعة"، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
وبيّنت الصحيفة أنّ ذروة الإعدامات العلنية كانت في السنوات الثلاث الأولى من عقد 2010 حيث تجاوز عددها 30 حالة، قبل أن تبدأ بالانخفاض تدريجيًا، موضحةً أنّه في عام 2021 انخفض عددها إلى الصفر، لكن منذ عام 2022 عادت الأخبار عن الإعدامات العلنية إلى الظهور في وسائل الإعلام.
وأشار التقرير إلى إعدام علني لشخصين بتهمة القتل في أغسطس (آب) 2025 في كلٍّ من محافظة فارس ومحافظة غُلستان.
وأكدت الصحيفة أنّ الإعدامات العلنية لم تُسهم في الحد من الجرائم العنيفة، ونقلت عن خبراء في العلوم الاجتماعية وعلم النفس أنّها تؤدي إلى تطبيع العنف، وأنّ العلنية في العقوبة لا تساهم في الردع ولا في تحقيق السلم الاجتماعي، بل تأتي بنتائج عكسية.
ونقلت "شرق" عن عبد الصمد خرّمشاهي، المحامي والخبير القانوني، قوله إنّ الإعدامات في إيران يجب أن تُنفَّذ عادةً بعيدًا عن العلن.
وأوضح أنّ المادة الرابعة من قانون العقوبات الإسلامي تنص على أنّ تنفيذ الإعدام علنًا لا يجوز إلا في ظروف خاصة، وباقتراح من المدعي العام المنفّذ للحكم وموافقة النائب العام للبلاد.
وشدّد خرّمشاهي على أنّ الإعدامات العلنية قد تخلّف آثارًا نفسية واجتماعية سلبية عميقة، فهي ليست رادعة بل تعزّز السلوكيات العنيفة، وتؤثر سلبًا على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين.
وأضافت الصحيفة أنّه في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد الإعدامات العلنية وسيلة ردع، بل تحوّلت إلى عروض عامة تثير اهتمام جزء من المجتمع بدافع الفضول لا الوعي.
وقال أميرحسين جلالي ندوشن، الطبيب النفسي والاجتماعي، في حديثه للصحيفة، إنّ حضور الجمهور أثناء تنفيذ الإعدام قد يثير مشاعر الخوف والنظام مؤقتًا، لكنه لا يحدّ من العنف على المدى الطويل، لأنه لا يتماشى مع البنية الثقافية للمجتمع الإيراني.
وأضاف أنّ تكرار مشاهد الإعدام يُضعف الحسّ الإنساني العام، ويُنمّي حالة من اللامبالاة العاطفية تجاه الألم البشري، بحيث يصبح العنف أمرًا طبيعيًا في الوعي الجمعي.
وأشار إلى أنّ تحويل العقوبة إلى عرضٍ عام يخلق أنماطًا تقليدية من السلوك العنيف، تنتقل تدريجيًا من الفضاء العام إلى الأسرة والعلاقات الاجتماعية.
ونقلت "شرق" عن علي نجفي توانا، رئيس نقابة المحامين السابق، قوله إنّه رغم العقوبات الصارمة ضد المهرّبين والعصابات والمجرمين، لم ينخفض معدل الجريمة، بل ازداد.
وأشار إلى أنّ السجون مكتظّة، ما يجبر السلطات أحيانًا على الإفراج الدوري عن بعض السجناء لتخفيف الضغط.
وأكد أنّه لا توجد دولة في العالم استطاعت مكافحة الجريمة عبر الإعدام أو العقوبات الجسدية، وأنّ الطريق الحقيقي لمكافحة الجريمة هو الوقاية، واحترام الشعب، وضمان الحقوق المدنية.
وأضاف أنّ خفض معدلات الجريمة يستلزم توفير الحاجات الأساسية للمواطنين، مثل العمل والسكن والزواج والأمن الاجتماعي والطمأنينة النفسية، وأنّ غياب العدالة الاجتماعية والفقر واستئثار النخبة الحاكمة بالثروة يولّد نقمة شعبية تُضعف هيبة القانون وتجعل العقوبة بلا أثر رادع.
28 إعدامًا في 24 ساعة.. والحصيلة الشهرية ترتفع إلى 280
وبالتزامن مع تقرير "شرق"، أعلن مركز حقوق الإنسان في إيران يوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025 أنّه خلال يومَي 21 و22 أكتوبر، نُفّذت أحكام الإعدام بحق 28 سجينًا في مختلف سجون البلاد.
وبذلك، ارتفع العدد الإجمالي لعمليات الإعدام خلال أكتوبر 2025 إلى 280 حالة، أي بمعدل أكثر من 8 إعدامات يوميًا، أي إعدام كل ثلاث ساعات تقريبًا.
وتمّت هذه الإعدامات في سجون بيرجند، شيراز، أصفهان، طهران، كرمانشاه، تايباد، يزد، زنجان، قزوين، قزلحصار (كرج)، غُرغان، وقم.
ووصف المركز هذا الشهر بأنه "الأكثر دموية بالنسبة للسجناء منذ الإعدامات الجماعية عام 1988".
ومن بين المعدومين: إبراهيم عزيزي (سجن بيرجند)، نادر عبدي وعليرضا كاشاورز (سجن عادلآباد شيراز)، سامان طالبي وحبيب حق شناس (سجن دستكرد أصفهان)، ساسان لرستاني وشهرام ميرزايي (سجن ديزل آباد كرمانشاه)، خسرو وفادار (سجن قم)، ومنصور إيرواني (سجن قزلحصار كرج).
وذكرت التقارير أنّ معظم الإعدامات نُفّذت بتهم تتعلق بالمخدرات، وبعضها بتهم القتل، وأنّ من بين المعدومين ثلاثة مواطنين أفغان هم: سراج الدين أبي طالبي، محمد شمس، ومحمد إبراهيمي، وجميعهم أُعدموا بتهم تتعلق بالمخدرات أو القتل.
وأشار مركز حقوق الإنسان إلى أنّ بعض الإعدامات نُفّذت دون إخطار مسبق لعائلات الضحايا ودون السماح بالزيارة الأخيرة.
الأمم المتحدة و"العفو الدولية" تدينان التصعيد
في 21 أكتوبر 2025 حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تقريره المقدم إلى الجمعية العامة، من الارتفاع الكبير في أعداد الإعدامات والتعذيب وقمع الأقليات وتضييق الحريات المدنية في إيران.
وقال إنّه خلال النصف الأول من عام 2025 أُعدم ما لا يقلّ عن 612 شخصًا، بزيادة 119 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024 وأعرب عن أسفه لتجاهل السلطات الإيرانية الدعوات الدولية لوقف الإعدام والحد من الجرائم التي يُعاقب عليها بالموت.
وأكد أنّ الإعدام في العلن يُعدّ انتهاكًا لحظر التعذيب والمعاملة غير الإنسانية.
وفي 16 أكتوبر 2025 أعلنت منظمة العفو الدولية أنّ عدد الإعدامات في إيران منذ مطلع العام تجاوز الألف حالة، وطالبت بوقف فوري لتنفيذ هذه العقوبة.
وأشارت المنظمة إلى أنّ الإعدامات في إيران تُنفّذ بعد محاكمات غير عادلة، وغالبًا ما تُستخدم أداةً لقمع المعارضين والأقليات.
وفي وقتٍ سابق، أفاد موقع "هرانا" الحقوقي، بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام (10 أكتوبر)، أنّه خلال عامٍ واحد فقط أُعدم ما لا يقلّ عن 1537 شخصًا في إيران.
ورغم التبريرات الرسمية، تكشف الأرقام والآراء القانونية والنفسية أنّ الإعدامات العلنية في إيران لم تحقق الردع المنشود، بل أصبحت أداة ترهيب جماعي تُكرّس ثقافة العنف والخوف، في وقتٍ تشهد فيه البلاد ارتفاعًا غير مسبوق في وتيرة الإعدامات منذ عقود.