وفي الوقت نفسه، أفاد مستخدمون على شبكات التواصل الاجتماعي بمشاهدة حافلات شرطة الأخلاق مجددًا في عدد من مناطق طهران، كما وردت تقارير مماثلة من مدينتَي قم وأصفهان.
ورغم تأكيد المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، في مؤتمراتها الصحافية أنه "لم تُخصّص أي ميزانية لهذا المشروع" وأن "تجربة شرطة الأخلاق قد فشلت"، إلا أن روح الله مؤمن نسب، أمين مقر الأمر بالمعروف في طهران، تحدّث عن "مواجهة ذكية متعددة المستويات قائمة على البيانات" تهدف إلى رصد وتحليل السلوك الاجتماعي والإعلامي والافتراضي للمواطنين.
فهل عادت شرطة الأخلاق فعلاً، أم إنها عادت بوجه جديد وتسمية أكثر نعومة؟
القانون معلّق... والمراقبة في الميدان
ما زال القانون الإيراني يفرض الحجاب الإجباري، لكن واقع الشارع يقول شيئًا آخر.
ففي العاصمة، تتجوّل أعداد كبيرة من النساء والفتيات بلباس اختياري، بل إن بعض النساء يمررن عبر نقاط التفتيش في المطارات من دون حجاب من غير أن يتدخل أحد.
لكن هذه الصورة لا تنسحب على جميع المدن. ففي أصفهان لا تزال الرسائل النصية التحذيرية تصل إلى أصحاب السيارات، وفي قم وخراسان رضوي يزور عناصر المقر أماكن عمل النساء لتوجيه "تنبيهات".
ورغم أن قانون العفة والحجاب الجديد الذي أقرّه البرلمان الإيراني قد تمّ تعليقه بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي، فإن أجزاء منه تُنفّذ فعليًا: إغلاق المتاجر، تغريم أصحاب السيارات، طرد الموظفات غير المحجبات، ومنع الفنانين والرياضيين من النشاط العلني.
تعدد الأصوات في السلطة... وصوت واحد في المجتمع
داخل بنية النظام، لا يوجد إجماع حول كيفية التعامل مع مسألة الحجاب. فحكومة مسعود بزشكيان تقول إن "القسر لا يجدي نفعًا"، بينما يتحدث مقرّ الأمر بالمعروف عن "ثمانين ألف عنصر ميداني". أما البرلمان والأئمة فيطالبون بتشديد المواجهة، في حين أن المجتمع اختار طريقه بنفسه.
لقد أصبحت الحرية في اللباس واقعًا لا يمكن إنكاره، والنساء يمارسن نوعًا من العصيان المدني الهادئ، على غرار ما فعلته روزاباركس في حافلة ألاباما: رفضٌ هادئ للفرض والإكراه.
وبسلوكها اليومي، أوجدت النساء في إيران قانونًا غير مكتوب، لا تستطيع "غرفة المراقبة" ولا "شرطة الأخلاق" أن تقيّده.
شرطة الأخلاق لم تختفِ... بل غيّرت شكلها
لم تُلغَ شرطة الأخلاق ولم تعد رسميًا؛ بل أعادت إنتاج نفسها. فلم تعد هناك تلك الحافلات الصاخبة القديمة، بل حلّ محلها نظام أكثر هدوءًا وتخفيًا: إغلاق المحال، إرسال الرسائل، فتح الملفات، وتفعيل شبكات من "الآمرين بالمعروف" الذين لا يتمتعون بوضع قانوني واضح ولا حدود محددة لصلاحياتهم.
كل منظومة تسعى إلى التحكم في الحريات الفردية هي في جوهرها امتداد لشرطة الأخلاق، سواء كانت في الشارع أو خلف مكتب حكومي أو أمام شاشة مراقبة.
شرطة الأخلاق القديمة كانت رمزًا للعنف المكشوف، أما الجديدة فهي رمز للسيطرة الناعمة والمستترة، غير أن خطرها لا يقلّ عن سابقتها.
وبعد ثلاث سنوات على مقتل مهسا أميني، يعود النظام الإيراني إلى نقطة البداية بوجهٍ جديد. غير أن الخطر اليوم أعمق، لأن غموض القوانين يجعل من كل شخص "مأمورًا محتملًا": من الجار وصاحب العمل إلى سائق التاكسي ومستخدم الإنترنت. وعندما يُكلَّف الجميع بالمراقبة، لا يبقى أحد في مأمن.
لكن المجتمع الإيراني تجاوز اليوم مطلب "الحجاب الاختياري"، وأصبح يطالب بـ"اللباس الاختياري" وحرية أسلوب الحياة، وهو حقٌّ لا يمكن لغرفة مراقبة أو آلاف العناصر الميدانية أن تلغيه.
يمكن تعليق القوانين، لكن لا يمكن إيقاف المجتمع. يمكن خلق الخوف، لكن لا يمكن إعادة الناس إلى الوراء.
لم تعد "شرطة الأخلاق" مجرّد جهاز تنفيذي، بل أصبحت رمزًا لصراع بين منطقين: منطق التحكم والسيطرة مقابل منطق الاختيار والحرية.
أحدهما يسعى إلى إحياء الماضي، والآخر يعمل على صنع المستقبل.
وفي هذا الصراع، المنتصر ليس من يملك أدوات القمع الأقوى، بل من لم يفقد بعد إرادة العيش بحرية.