كانت هذه الجملة لحظة نادرة من الصراحة، واستعارة واضحة عن ضعفٍ عميقٍ في الصحافة الغربية.
منذ عقود، يخلط العديد من الصحافيين الغربيين بين "الوصول إلى إيران" و"فهم إيران"، ويعتبرون "الإذن الرسمي" من المسؤولين الإيرانيين بمثابة "مصداقية مهنية".
كثير من التقارير الغربية تُعزز الوهم القائل إن هناك داخل النظام الإيراني جناحًا "معتدلًا" أو "إصلاحيًا" مستعدًّا لانتهاج سياسة أكثر ودية تجاه الغرب، بشرط أن تُظهر الولايات المتحدة وحلفاؤها بعض الليونة.
لكن تغطية وسائل الإعلام الغربية تتجاهل حقيقة جوهرية، وهي أن في إيران نشأ جيلٌ شابٌّ عالميّ الفكر، علمانيٌّ بوضوح، لم يعد يريد العيش تحت سلطة دكتاتورية دينية.
الصحافيون الأجانب العاملون في إيران مضطرون إلى العمل تحت إشراف مباشر للسلطات الإيرانية.. والمنسقون والمساعدون المحليون الذين يعملون معهم غالبًا ما يكونون عملاء معتمدين من النظام.
وفي الواقع، الحكومة هي التي تحدد مع من يُسمح للصحافيين الغربيين بالتحدث، وأي الشوارع يمكنهم دخولها، وأي القصص يمكنهم سردها. أما تكلفة العصيان، فهي الطرد الفوري من البلاد.
لذلك، يفضّل معظم الصحافيين الغربيين البقاء في إيران والالتزام بالتعليمات التي تُفرض عليهم. والنتيجة هي شكل من أشكال الصحافة التي تنقل الأخبار من خلال عدسة النظام الإيراني؛ وتغطية إعلامية تعكس الرواية الرسمية وتتجاهل تناقضات النظام الداخلية.
عندما دعت إيران مؤخرًا وسائل الإعلام الغربية لتغطية تبعات الحرب التي استمرت 12 يومًا، قبل العديد من المؤسسات الكبرى الدعوة.
ومع ذلك، لم تُشر أيٌّ منها إلى المشهد الأبرز في شوارع طهران: النساء اللواتي يخرجن بشجاعة في الأماكن العامة دون الحجاب الإجباري متحديات القانون وتهديدات النظام.
اقتصرت تقارير تلك الوسائل على إحصاءات الضحايا المدنيين، وأجرت مقابلات مع شهود اختارهم النظام بنفسه، ثم أعادت نشر الرواية الرسمية نفسها، بعبارات مختلفة قليلًا.
وهكذا حافظ الصحافيون على إمكانية دخولهم إيران، لكن حقائق المجتمع الإيراني غابت عن تقاريرهم.
منذ ثورة عام 1979، كانت التغطية الغربية متأخرة دائمًا عن الواقع الإيراني بعقدٍ كامل.
في السنوات الأولى بعد الثورة، صوّر الصحافيون الأجانب شعبًا موحّدًا خلف روح الله الخميني، متجاهلين الليبراليين والقوميين والمتدينين الذين عارضوه.
وبعد عقدين، قدّموا فوز محمد خاتمي في انتخابات عام 1997 على أنه ولادة "الإصلاحيين داخل النظام"، بينما كانت الحقيقة أن فوزه تعبير عن احتجاج شعبي من الأسفل إلى الأعلى، وليس مشروعًا للإصلاح من داخل النظام.
ومنذ ذلك الحين، استمر الصحافيون في تكرار السيناريو الوهمي نفسه عن "المعتدلين" في مواجهة "المتشددين".
وحتى اليوم، لا يزالون يصفون كل انتخابات صورية في إيران بأنها "معركة مصيرية من أجل مستقبل إيران"، في حين أن جميع المرشحين يخضعون لحدود صارمة رسمها علي خامنئي.
حين وُقّع الاتفاق النووي في عهد حسن روحاني، وصفته وسائل الإعلام الغربية بأنه انتصار للاعتدال، بينما كان الاتفاق في الواقع مشروعًا صاغه ووافق عليه خامنئي نفسه.
وبينما ينشغل الصحافيون الغربيون بتغطية الصراعات الشكلية بين أجنحة النظام، فإن المجتمع الإيراني نفسه قد تغيّر: جيلٌ شابّ، منفتح عالميًا، علمانيّ بوضوح، رفض سلطة رجال الدين على حياته.
إن انتفاضة النساء الإيرانيات- من حركة "المرأة، الحياة، الحرية"عام 2022، إلى المقاومة اليومية ضد الحجاب الإجباري-
تشكل أطول تحدٍّ مستمرٍّ ضد النظام منذ تأسيسه. ومع ذلك، نادرًا ما تُروى هذه القصص في الإعلام الغربي. فالاهتمام الغربي يتجدد فقط عند ذروة الاحتجاجات، لكن ما إن تُخمد بفعل القمع الدموي، حتى تعود وسائل الإعلام إلى روايتها القديمة عن "المعتدلين" المزعومين.
عندما تظهر الصحافيات الغربيات في طهران بالحجاب الإجباري على الهواء مباشرة، يسمين ذلك "احترامًا للثقافة المحلية"،
لكن الحقيقة هي أنه لا يمكن تبرير الإكراه بأي ذريعة ثقافية.
ملايين النساء الإيرانيات يخاطرن بالسجن لمجرد رفض الحجاب الإجباري، بينما تتواطأ الصحافيات الأجنبيات مع النظام بقبولهن الانصياع له.
بالطبع، هناك استثناءات نادرة. فالمراسلة إيزابيل يونغ من قناة "فايس نيوز"، في فيلمها الوثائقي عن إيران بعد وفاة مهسا أميني عام 2023، اختارت الصدق على حساب "الوصول"، فطُردت من إيران في منتصف عملها.
لكن عدا هذه الحالات، يقبل معظم الصحافيين الغربيين القيود التي يفرضها النظام الإيراني.
والمفارقة أن المؤسسات نفسها التي احتجّت بشدة على قيود إدارة دونالد ترامب في المؤتمرات الصحافية بالبيت الأبيض،
تخضع بكل طواعية لرقابة النظام الإيراني.
وهذا لا يُعدّ مجرد خطأ مهني صحافي، بل فشل استراتيجي أيضًا. فالسياسيون الغربيون يعتمدون على التقارير الإعلامية لتشكيل فهمهم لما يجري داخل إيران. وعندما تُسيء وسائل الإعلام تفسير الواقع الإيراني، تُخطئ الحكومات الغربية في سياساتها أيضًا.
لقد راهنت الولايات المتحدة وأوروبا لسنوات على "إصلاحيين" أو "معتدلين" لا وجود لهم، وتفاوضت مع رؤساء بلا سلطة حقيقية، وتجاهلت احتمال انهيار النظام من الداخل. وفي النهاية، الإيرانيون هم من يدفعون ثمن هذه الأخطاء.
ينبغي أن تُعلّق جملة جون سنو: "هم يُصفّرون، ونحن نذهب" على مدخل كل غرفة أخبار تغطي الشأن الإيراني. فهي تلخص الانحراف الأخلاقي في صحافة الوصول: كلما صفّر النظام أكثر، هرولت وسائل الإعلام أسرع.
إيران اليوم ليست كما تصفها وسائل الإعلام الغربية. إنها بلدٌ يعيش فيه ملايين الناس ثورة صامتة يوميًا، نساءٌ يتحدّين الحجاب الإجباري بجرأة، في قيادة ثورة أخلاقية، ونظامٌ دينيٌّ لا يبقى إلا لأنه يقمع معارضيه بالرصاص. وفي الوقت نفسه، المراقبون الخارجيون يردّدون صدى الرواية الرسمية للنظام.
الخيار أمام الصحافيين الغربيين واضح: إما أن يستمروا في الركض كلما صَفّر النظام، وإما أن يبدأوا أخيرًا بالاستماع إلى أصوات الناس في الشوارع.