وذكرت مجلة "وورد أند واي" الأميركية أن الرحلة التي أعادت مجموعة من المهاجرين الإيرانيين من الأراضي الأميركية إلى طهران ضمّت عددًا من المتحوّلين إلى المسيحية وأفرادًا من أقليات دينية أخرى، قد يواجهون في حال اعتقالهم داخل إيران التعذيب أو أحكامًا بالسجن الطويل أو حتى الإعدام.
وبحسب تقرير نشره القس الإيراني الأصل آرا توروسيان على صفحته في فيسبوك، كان من بين المرحّلين أربعة أشخاص، بينهم رجل وامرأة يبلغان 72 عامًا، عاشا في الولايات المتحدة لما يقارب خمسة عقود.
توروسيان، الذي يحتج منذ أشهر على اعتقال أعضاء من كنيسته في أميركا، كتب أن "الرحلة ضمت نحو 15 متحوّلًا إيرانيًا، وعددًا من اللاجئين السياسيين والقوميين".
وقد أكّد هذه الرواية أيضًا علي هريسشي، محامي الهجرة المقيم في ولاية ماريلاند، الذي قال لقناة" إيران إنترناشيونال" إن اثنين من موكّليه كانا على متن تلك الرحلة، بينهما امرأة اعتنقت المسيحية لم يُكشف عن اسمها حفاظًا على أمنها. وأضاف أن زوجها أُفرج عنه، لكن العائلة الآن مفصولة قسرًا.
ورغم أن المسيحيين يشكلون أقل من واحد في المائة من سكان إيران، فإنهم يُعتبرون أكبر الأقليات الدينية في البلاد.
ووفق تقرير منظمة "الأبواب المفتوحة" الصادر في يناير (كانون الثاني) 2025، تُعدّ إيران من بين عشر دول في العالم الأكثر اضطهادًا للمسيحيين، متقدمةً على أفغانستان وقريبة في ترتيبها من كوريا الشمالية واليمن.
وفي حين تحظى الكنائس التاريخية مثل الأرمن والآشوريين والكلدان بدعم محدود، فإن الجماعات الإنجيلية والبروتستانتية لا تتمتع بأي حماية رسمية. فالقانون الإيراني يحظر التبشير بالمسيحية أو التحوّل إليها، خصوصًا عندما تُمارس باللغة الفارسية، وقد يُعاقَب المخالفون بالغرامة أو الجلد أو السجن أو حتى الإعدام.
وأشارت منظمة "الأبواب المفتوحة" إلى أن النظام الإيراني يعتبر المتحوّلين إلى المسيحية تهديدًا للأمن الديني والسياسي للدولة، موضحةً أن هؤلاء غالبًا ما يُعتقلون بتهمة "العمل ضد الأمن القومي" ويُحاكمون ويُحكم عليهم بأحكام قاسية.
في السنوات الأخيرة، ازدادت حالات دخول الإيرانيين إلى الولايات المتحدة عبر الحدود الجنوبية. وقد أُنشئت في عهد الرئيس بايدن منصة "CBP One" لتقديم طلبات اللجوء إلكترونيًا، بينما جرى تجاهل العديد من تلك الطلبات خلال إدارة ترامب.
وكتب توروسيان أن بعض المرحّلين كانوا في المراحل النهائية من دعاواهم القضائية للهجرة، بل حصل بعضهم على موافقة مبدئية، لكنهم فوجئوا بنقلهم على متن طائرة أقلعت من أميركا وتوقفت في بورتو ريكو وقطر قبل أن تحط في طهران. ووفق المحامي هريسشي، لم يتمكن بعد ذلك من التواصل مع موكّلته.
وبحسب وكالة "أسوشيتد برس"، جاءت هذه الرحلة نتيجة اتفاق نادر بين إدارة ترامب والنظام الإيراني، رغم استمرار التوتر والعقوبات بين الجانبين. وقال هريسشي إن "الطرفين لم يعلنا أي تفاصيل للرأي العام قبل تنفيذ الاتفاق، وهذا أمر مثير للقلق".
وأضاف: "هذا الحدث قد يفتح الباب أمام عمليات ترحيل أوسع تستهدف الإيرانيين الذين عاشوا لسنوات طويلة في الولايات المتحدة. نحن قلقون لأن هذه البداية فحسب".
ووفق منشور على فيسبوك، كانت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية حاضرة أثناء هبوط الطائرة في طهران. واصطفّ اللاجئون أثناء تفتيشهم وصودرت متعلّقاتهم.
وكتب توروسيان: "أُجبر 10 إلى 15 متحوّلًا دينيا إلى المسيحية على إظهار أناجيلهم وصُلبانهم أمام الكاميرات والإجابة على أسئلة المحققين".
ثم نُقل هؤلاء إلى غرف منفصلة وأُجبروا على تسجيل اعترافات مصوّرة ينكرون فيها إيمانهم، ويتّهمون القساوسة بالخداع، ويقولون إنهم اعتنقوا المسيحية فقط للحصول على اللجوء. ووفق المصدر ذاته، من المتوقع بثّ هذه الاعترافات قريبًا على التلفزيون الإيراني.
وحذّر هريسشي من أن طريقة الترحيل الأميركية فاقمت المخاطر، إذ تُرسل عادةً وثائق الأشخاص، بما في ذلك ملفاتهم القانونية، إلى البلد المقصود قبل وصولهم.
وقال: "إذا كانت هذه الملفات تتضمن مستندات لجوء أو نسخًا من الأناجيل أو دلائل على التحوّل الديني، فقد يستخدمها النظام الإيراني لتوجيه تهم التعاون مع حكومة أجنبية أو العمل ضد الأمن القومي أو الردة؛ وهي تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام".
ويأتي هذا الترحيل بعد أشهر فقط من تصويت الكونغرس الأميركي، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، على قرار يدين اضطهاد المسيحيين في الدول الإسلامية، بما في ذلك إيران.
وختم هريسشي بالقول: "هذا الإجراء يتجاهل الوضع الكارثي لحقوق الإنسان في إيران ويقلل من خطورة المخاطر التي يواجهها اللاجئون السياسيون والدينيون".
واتّهم توروسيان في ختام تصريحاته الحكومة الأميركية بأنها "سلّمت المسنين والنساء واللاجئين الحاصلين على الموافقة إلى نظام معروف بتعذيب المعارضين واضطهاد المتدينين"، مضيفًا أن هذا "ليس فقط عملًا غير إنساني، بل خيانة عميقة لتقليد أميركا العريق في حماية المظلومين".
ونقل توروسيان عن مصدر مجهول قوله: "هؤلاء اللاجئون ليسوا مجرد أرقام. إنهم آباء وأمهات ومؤمنون وناجون. إعادتهم قسرًا إلى إيران تعني تعريضهم للسجن أو التعذيب أو الموت. الصمت على هذه المأساة هو مشاركة فيها".