"كلنغ غزلا" آخر أوراق إيران في "لعبة النووي الخاسرة"

قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن اتفاق القاهرة لم يعد يمكن أن يكون أساس التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأنه يجب إيجاد آلية جديدة لمواصلة التعامل بين طهران والوكالة.
قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن اتفاق القاهرة لم يعد يمكن أن يكون أساس التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأنه يجب إيجاد آلية جديدة لمواصلة التعامل بين طهران والوكالة.
وقبل التوصل إلى اتفاق القاهرة، كانت طهران تقول إن الظروف استثنائية، وإنه لا بد من صياغة إطار جديد للتعاون.
والحقيقة أن الظروف كانت استثنائية بالفعل؛ فإيران كانت لا تزال ملتزمة بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وكان مفتشو الوكالة يتمتعون بإمكانية الوصول- وإن كانت محدودة- إلى منشآت طهران النووية. لكن بعد ذلك، تعرّض جزء كبير من تلك المنشآت لهجوم من دولة أخرى، وبعض المواقع التي كان من المفترض أن تُدرج في التقارير وتخضع للتفتيش إما دُمّرت بالكامل أو تعرضت لأضرار جسيمة.
ولذلك، كان من المفهوم- لأسباب أمنية وسياسية- أن تسعى إيران إلى صياغة إطار جديد للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لكن هذه المرة، فإن تفعيل آلية الزناد (إعادة فرض العقوبات الدولية) لا يمكن أن يشكّل مبررًا مقبولًا لإيجاد إطار جديد آخر، لأن الظروف الميدانية لم تتغير، وما تقوم به طهران الآن لا يؤدي إلا إلى زيادة التوترات، وتوسيع الخلاف مع الوكالة، والتنصل من التزاماتها بموجب اتفاق الضمانات.
ورغم نبرة التهديد، التي استخدمها عراقجي في تصريحاته الأخيرة تجاه الوكالة، فإنه تحدث أيضًا عن "باب مفتوح للحوار"، غير أن هذا الباب لا يبدو أن أي طرف يرغب حاليًا في العبور منه، باستثناء المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، الذي يتوجب عليه- بحكم موقعه- أن يتصرف وفق طابع مهني غير سياسي.
وهذا الوضع المعقد انعكس أيضًا في تصريحات حميد بعيدي نجاد، أحد الأسماء البارزة في المفاوضات النووية السابقة، إذ قال إن قضية التخصيب ستظل دائمًا محورًا للنقاش، وإن الوصول إلى اتفاق دولي حولها صعب للغاية ويتطلب مفاوضات شاقة وطويلة.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة ليست راغبة في خوض مفاوضات مرهقة من جديد، وربما لا أحد من أطراف الاتفاق النووي السابق (خطة العمل الشاملة المشتركة 2015) لديه الرغبة في إعادة خوض طريقٍ جُرّب سابقًا بالكامل دون نتيجة دائمة.
وفي الوضع الراهن، من الصعب تصور أي مواجهة تفاوضية بين إيران والولايات المتحدة أو الدول الأوروبية.
وفي ظل هذا الجمود، أصبحت التحركات العملية الإيرانية في المجال النووي تحت رقابة دقيقة من الأقمار الصناعية الدولية، واكتسبت أبعادًا جديدة خطيرة وعالية المخاطر. فـمسار الدبلوماسية متوقف حتى إشعار آخر، والدول الغربية ترى أمامها منشآت نووية إيرانية مدمّرة وأجهزة طرد مركزي متوقفة عن الدوران.
وهذا- في نظرها- ما كانت تسعى إليه منذ سنوات طويلة، لكنها نالت ما أرادت دون الحاجة إلى ساعاتٍ طويلة من المفاوضات الشاقة، ولذلك فإن موقفها اليوم يختلف جذريًا عما كان قبل الاتفاق النووي السابق (2015).
ولقد وجدت الدول الغربية تركيبة جديدة ناجحة بالنسبة لها: "الحرب والمفاوضات معًا". لم يعد الأمر ثنائية متناقضة كما كان يُعتقد، ولم يعد شبيهًا بـ "رمي العملة لاختيار أحد الوجهين"، بل أصبحت النتيجة وجهًا مزدوجًا: يظهر فيه كل من "النار والدبلوماسية" في آنٍ واحد.
وهذا الوضع الفريد هو نتيجة لما بعد عملية "طوفان الأقصى" وهجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
ووفقًا لتقارير معهد العلوم والأمن الدولي، فإن الأنشطة بالقرب من موقع تخصيب "نطنز" قد ازدادت، ما يعزز القلق الدولي بشأن نيات طهران.
واليوم، لا تملك إيران شيئًا حقيقيًا لتقدمه، وتكتفي برفع المعاول في جبال "كلنغ غزلا"، الاسم الذي أصبح النجمة الصاعدة للبرنامج النووي الإيراني، وتتابع الأقمار الصناعية العالمية كل حركة وكل معول فيها.
ولكن طهران لا يمكنها أن تواصل الحفر في "كلنغ كزلا" إلى الأبد. فسيأتي يوم يُستكمل فيه البناء، وتتحول "المنشأة قيد الإنشاء" إلى "منشأة جاهزة للتشغيل". وعندما تبدأ عمليات التخصيب وتُركّب المعدات النووية، وفي غياب مسار دبلوماسي واضح، ستجد إيران نفسها مجددًا أمام مشهد تدمير منشآتها النووية، وسـتُجرَح سماء إيران مجددًا بطائرات حربية أجنبية.