وذكرت الصحيفة الأميركية، نقلاً عن مسؤولين حاليين وسابقين في عدة دول غربية، بينها الولايات المتحدة، أن النظام القائم بين طهران وبكين، والذي يشبه نظام المقايضة، يعمل على النحو الآتي: "تقوم إيران بإرسال نفطها إلى الصين، وفي المقابل تتولى شركات صينية مدعومة من الحكومة تنفيذ مشاريع بنى تحتية تحتاجها طهران".
وبحسب هؤلاء المسؤولين، فإن شركة تأمين حكومية صينية تصف نفسها بأنها أكبر وكالة ائتمان تصديري في العالم، إلى جانب مؤسسة مالية صينية غامضة، لدرجة أن اسمها لا يرد في أي قائمة علنية للبنوك أو الشركات المالية الصينية، تكملان هذه الحلقة.
وكتبت "وول ستريت جورنال" أن هذا الاتفاق، عبر التفافه على النظام المصرفي الدولي، وفر طوق نجاة للاقتصاد الإيراني، الذي أنهكته العقوبات.
وقال بعض المسؤولين إن ما يصل إلى 8.4 مليار دولار من المدفوعات النفطية، تم تسديدها العام الماضي عبر هذه القناة المالية، مما موّل أنشطة الشركات الصينية في مشاريع بنى تحتية كبرى داخل إيران.
ووفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فقد بلغت صادرات إيران العام الماضي 43 مليار دولار، معظمها من النفط الخام. ويقدّر المسؤولون الغربيون أن نحو 90 في المائة من هذه الصادرات تذهب إلى الصين.
ومنذ عام 2018، عندما انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي، في ولايته الأولى، وأعاد فرض العقوبات الأميركية على طهران، أصبحت الصين المشتري الرئيس للنفط الإيراني.
وعندما عاد ترامب إلى السلطة في بداية هذا العام، أمر بتطبيق سياسة "الضغط الأقصى" لإجبار طهران على تقييد برنامجها النووي ووقف دعمها للميليشيات المتحالفة معها، وكان الهدف من هذه السياسة تصفير صادرات النفط الإيراني.
ومنذ ذلك الحين، فرضت واشنطن عقوبات على أفراد وكيانات صينية، لكن صادرات النفط الإيراني إلى الصين استمرت إلى حد كبير دون تراجع.
كيف يعمل نظام الالتفاف على العقوبات بين إيران والصين؟
بحسب تقرير "وول ستريت جورنال"، فإن النظام، الذي يتم بموجبه مبادلة النفط الخام الإيراني بمشاريع بنى تحتية في إيران يعتمد على طرفين رئيسين، وهما: شركة "سايناشور" (Sinosure)، وهي شركة التأمين الائتماني للتصدير التابعة للحكومة الصينية، وآلية تمويل مقرها الصين يُشار إليها من قِبل المسؤولين باسم "تشوشين" (Chuxin).
وقال بعض المسؤولين للصحيفة إن شركة خاضعة لسيطرة إيران تسجل بيع النفط إلى مشترٍ صيني تديره الشركة الحكومية "تشوهاي جنرونغ"، المدرجة على قائمة العقوبات الأميركية.
وأضاف المسؤولون أن المشتري الصيني يودع في المقابل مئات ملايين الدولارات شهريًا في آلية التمويل "تشوشين". ثم تقوم هذه الآلية بتحويل الأموال إلى المقاولين الصينيين العاملين في مشاريع هندسية داخل إيران، والممولة من "سايناشور" والمؤمّن عليها من قِبلها. في الواقع، تعمل "سايناشور" كحلقة وصل تبقي المشاريع مترابطة.
وأضافت "وول ستريت جورنال" أن اسم "تشوشين" غير مدرج بين نحو 4300 مؤسسة مصرفية مسجلة لدى الهيئة العليا المشرفة على القطاع المصرفي في الصين، ولا يظهر في القوائم الرسمية للشركات المالية المتاحة للعامة.
ووفق الحكومة الأميركية وخبراء صناعة النفط، فإن النفط الخام الإيراني الذي يُصدّر إلى الصين يسلك مسارًا غير مباشر لإخفاء مصدره، يشمل عمليات نقل من سفينة إلى أخرى وخلط النفط مع نفط من دول أخرى.
ما هي "سايناشور"؟
"سايناشور"، التي كان اسمها الرسمي "شركة تأمين الصادرات والائتمان الصينية"، هي أداة مالية تابعة للحكومة المركزية الصينية تدعم أولويات التنمية الدولية لبكين، وهي ذات أهمية خاصة في منطقة حساسة سياسيًا، مثل إيران.
ووفق بيانات الشركة، فقد دعمت، حتى نهاية العام الماضي، أنشطة تجارية واستثمارية حول العالم، بأكثر من 9 تريليونات دولار.
وفي إيران، عادة ما تكون مشاريع البنى التحتية الصينية مشاريع ضخمة حكومية، تشمل مطارات ومصافي نفط ومشاريع نقل، ويديرها أكبر البنوك والمجموعات الهندسية المملوكة للحكومة في الصين.
وبحسب تقرير "إيد داتا" (AidData)، وهو مختبر بحثي في ولاية فيرجينيا الأميركية، فقد قدمت الصين بين عامي 2000 و2023 أكثر من 25 مليار دولار في شكل التزامات مالية لبناء مشاريع بنى تحتية في إيران.
وكانت "سايناشور" طرفًا مباشرًا في 16 من أصل 54 عقدًا موثقًا.
ووفق "وول ستريت جورنال"، فإن واشنطن، التي فرضت عقوبات محددة على شركات صينية، لم تدرج الشركات العاملة في مشاريع مدنية بإيران ضمن قائمتها السوداء، كما لم يُستهدف أي من البنوك الصينية الكبرى بالعقوبات الأميركية.
ولم يُعثر على أي وثائق عامة تربط مباشرة "سايناشور" باتفاق "النفط مقابل البناء" في إيران.
ما موقف طهران وبكين من التقرير؟
قالت وزارة الخارجية الصينية، ردًا على أسئلة "وول ستريت جورنال"، إنها لا علم لها بهذا الاتفاق، مؤكدة معارضتها "للعقوبات الأحادية غير القانونية"، وأن القوانين الدولية تسمح بـ "التعاون الطبيعي" بين الدول.
أما شركتا "تشوهاي جنرونغ" و"سايناشور" فلم تردا على طلبات الصحيفة للتعليق على الاتفاق. كذلك لم يعلّق ممثلو إيران في الأمم المتحدة على آلية الدفع أو شراء الصين للنفط الإيراني.
وقال المدير التنفيذي لـ "إيد داتا"، براد باركس، للصحيفة الأميركية: "إن الإطار الذي تستخدمه الصين لتنفيذ مشاريع بنى تحتية في إيران ربما يعكس اتفاق (سايناشور) المبرم مع العراق، والذي يمتد لعشرين عامًا، ويدعم بموجبه قروضًا صينية لمشاريع مقابل النفط".
وأضاف: "ينبغي أن يخضع كل دائن ومقاول بناء لهذا المظلة".
وكذلك لدى طهران وبكين "اتفاقية التعاون التجاري والاستراتيجي لمدة 25 عامًا"، التي وُقّعت رسميًا في مارس (آذار) 2021 من قِبل وزيري خارجية البلدين.
ومنذ ذلك الحين، لم تُكشف سوى تفاصيل محدودة عن مضمون الاتفاقية والتزامات كل طرف.
وينتقد معارضو الاتفاقية ما يعتبرونه تنازلات مفرطة، مقارنين إياه بـ "معاهدة تركمانجاي"، ويعتبرونها مخالفة لبعض بنود الدستور الإيراني.
وقد تزايدت المشاريع الصينية في إيران منذ توقيع هذه الاتفاقية، وهي مشاريع حيوية للنظام الإيراني، الذي يكافح للحفاظ على الخدمات الأساسية، مثل توفير الماء والكهرباء.
وبحسب تقييم "وول ستريت جورنال"، فإن إيران تستطيع كذلك استعادة جزء من عائدات مبيعات نفطها عبر شراء السلع مباشرة من الصين، فيما يقول المسؤولون الأميركيون إن النظام الإيراني يمكنه أيضًا إعادة جزء من هذه العائدات لاستخدامها داخل المنطقة.
ولم تُدرج "سايناشور" ولا "تشوشين" ضمن الكيانات الخاضعة للعقوبات الأميركية، ورفضت وزارة الخزانة الأميركية التعليق على تفاصيل أنشطة هاتين المؤسستين الصينيتين.