"على الأقل لدينا الأمن".. الشعار القديم يتحول إلى نكتة مُرّة في إيران ما بعد الحرب

الحياة في إيران تبدو معلّقة، كثيرون مقتنعون بأن الحرب ستعود، ولا يستطيعون التخطيط للمستقبل إلا بما يتعلق بكيفية تحمّلها حين تقع.
الحياة في إيران تبدو معلّقة، كثيرون مقتنعون بأن الحرب ستعود، ولا يستطيعون التخطيط للمستقبل إلا بما يتعلق بكيفية تحمّلها حين تقع.
في البداية، لم يبدو الأمر حتى كأنه حرب. في اليوم الأول- عندما قُتل قادة في الحرس الثوري وعلماء نوويون في طهران، ودُمّرت عدة مبانٍ- افترض كثيرون أن إسرائيل ضربت ورحلت. ولم يدرك الناس إلا في اليوم الثاني أن الأمر قتال شامل.
وقف إطلاق النار لم يجلب أي ارتياح. قليلون يعتقدون أنه سيستمر، والخوف من جولة أخرى بات يشكّل الحياة اليومية.
معهد "إيسبا" (ISPA)، الذي تديره الدولة وأجري استطلاعات واسعة النطاق، قال في أحدث استطلاع لسكان طهران إن أكثر من 50 في المائة يخشون حرباً أخرى، و15 في المائة يفكرون بمغادرة العاصمة بشكل دائم.
هذا التوقع عمّق حالة عدم الاستقرار التي تثقل حياة الناس أصلاً؛ المشقة الاقتصادية، الضغط الاجتماعي، عدم اليقين القانوني، والآن خطر النزوح المفاجئ أو الموت.
كل من أعرفه، وفقاً لإمكاناته، يبحث عن نوع من الاحتياط. بعضهم يتصور الهجوم الخارجي كوسيلة وحيدة لإنهاء الحكم السلطوي؛ آخرون يعارضون الحرب بسبب دمارها. وفي كلتا الحالتين، يفرض التهديد القائم خياراتهم.
"كيف هيأت نفسك لعودة الحرب مجدداً؟" هذا هو السؤال الذي أطرحه غالباً عندما يُثار الموضوع، والإجابات كاشفة.
أولئك الذين يملكون موارد أكبر يسعون لشراء منزل أو أرض خارج طهران في مناطق أكثر أمناً ليلجؤوا إليها إذا استؤنف القتال.
الوجهات المعتادة- المحافظات الشمالية مازندران وجيلان على شواطئ بحر قزوين- نفدت منها المساكن. المنازل والفلل القائمة أُجّرت بأضعاف أسعارها العادية، تاركة كثيرين من المتأخرين عالقين.
أي مكان عدا طهران
عندما جاء وقف إطلاق النار، بدأت والدة صديقي البالغة 69 عاماً، وهي ميسورة نسبياً، بتفحص إعلانات الإيجار واستأجرت شقة لمدة عام في إحدى قرى جيلان.
قالت إنها لا تريد أبداً أن تعيش يأس تلك الأيام الاثني عشر مجدداً، حين غادر الجميع وبقيت هي وزوجها وأبناؤها في واحدة من أخطر مناطق طهران، بجوار الثكنات والقواعد العسكرية.
لكن آخرين قالوا لي إنه، لعدم قدرتهم على تحمّل كلفة منزل ثانٍ أو إيجار في مكان آخر، لم يكن أمامهم سوى تخزين المواد الغذائية الأساسية.
فريدة، التي تعيش مع زوجها وطفليها في طهران، أبقت حتى الآن الشرائط اللاصقة التي وضعتها على النوافذ لتقليل تحطمها من الضربات الجوية. تقول إنها ستُستخدم مجدداً، وليس بيدها شيء آخر لتفعله.
صابر، 42 عاماً، يعمل في الدعم التقني، أجاب بأنه جهّز حقيبة ظهر فيها خيمة وأكياس نوم ولوازم أساسية حتى يتمكن، عندما تبدأ الحرب، من حملها والفرار إلى أي مكان.
الذين لديهم مكان يقصدونه خارج العاصمة يحافظون على أن يكون خزان وقود سياراتهم ممتلئاً دائماً.
يقول سينا، مدرّب شخصي في نادٍ فاخر: "أملأه قبل أن يصل إلى نصفه". ويضيف: "خلال الحرب، انتظرت ثلاثة أيام للحصول على البنزين ولم أستطع مغادرة طهران. الآن يبدأ القلق يتسلل إليّ مع انخفاض المؤشر".
ويصرخ: "أعرف أن الأمر يبدو جنونياً، لكننا لا نعرف متى قد تضرب إسرائيل، أليس كذلك؟ قد يكون في أي لحظة".
ثم هناك أولئك الذين ليست لديهم أي خطط على الإطلاق. بعضهم لا يحتمل مجرد التفكير بحرب أخرى. يفضّلون ألا يستعدوا لتفادي ضغوط أكبر. آخرون يرون الحرب مدمرة لدرجة تجعل أي احتياط يبدو عبثياً.
لسنوات، كان هناك تعبير كثير التكرار رداً على كل نقص أو احتجاج بشأن الوضع الداخلي للبلاد: "على الأقل لدينا الأمن".
اليوم، تحوّل هذا القول إلى نكتة مُرّة.