ما مدى جدية احتمال وقوع حرب جديدة؟

في الأيام الأخيرة ظهرت "أجواء الحرب" في وسائل الإعلام بإيران؛ والسؤال هو: إلى أي مدى تعكس هذه الأجواء الواقع؟ هل هناك فعلاً احتمال للعودة إلى الحرب أم إن الأمر مجرد صناعة إعلامية لأجواء الحرب؟
في الأيام الأخيرة ظهرت "أجواء الحرب" في وسائل الإعلام بإيران؛ والسؤال هو: إلى أي مدى تعكس هذه الأجواء الواقع؟ هل هناك فعلاً احتمال للعودة إلى الحرب أم إن الأمر مجرد صناعة إعلامية لأجواء الحرب؟
بالنظر إلى شواهد مثل نقل الطائرات الأميركية المزوِّدة للوقود إلى المنطقة وتصريحات القادة والمسؤولين الإسرائيليين والنظام الإيراني، وكذلك بالاعتماد على مبادئ ومنطق الحرب، أرى أن احتمال وقوع حرب حقيقي وجدي.
المسألة الوحيدة التي تبقى هي توقيت بدئها؛ التصريحات التي يطلقها بعض قادة الحرس الثوري بقولهم "لن تكون هناك حرب" لا ينبغي اعتبارها مؤكَّدة كثيراً، لأن مثل هذه التصريحات قيلت أيضاً قبل حرب الـ12 يوماً وتبيّن أنها خاطئة تماماً.
لفهم التوقيت المحتمل لبدء الحرب يجب أن نجيب عن ثلاثة أسئلة رئيسية:
1- لماذا قد يرغب الطرفان في دخول الحرب؟
2- إلى أي حد يستعدان فعلاً للحرب؟
3- ومتى يريدان الدخول في الاشتباك؟
الإجابة عن هذه الأسئلة توضّح إلى أي مدى ومتى قد تنخرط إسرائيل والنظام الإيراني في حرب جديدة.
قواعد الحرب العامة واضحة: تبدأ الحرب عندما تفشل الدبلوماسية والمفاوضات في حل الخلافات، ويكون أحد الطرفين أو كلاهما غير مستعد لقبول الوضع القائم أو يرى فيه ضرراً عليه. إذا اتخذنا هذه القاعدة أساساً، فإن احتمال الحرب بين إسرائيل وإيران يبدو مبرَّراً، بل وحتمياً.
أسباب هذا الاستدلال كالتالي:
النظام الإيراني يسعى رسمياً وعلنياً إلى تدمير إسرائيل؛ والمجتمع الدولي يشك بأن أهدافه النووية ذات طبيعة عسكرية، كما ينشط في زيادة مدى وقوة صواريخه، بينما فشلت المفاوضات الدولية في إيقاف هذا المسار.
من وجهة نظر إسرائيل، توفر هذه الظروف المنطق اللازم لبدء عملية عسكرية استباقية، لأن المفاوضات إذا لم تتمكن من وقف البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، فقد تستنتج إسرائيل أن خيارها الوحيد للوقاية هو الهجوم العسكري قبل فوات الأوان، أي قبل أن يصبح النظام الإيراني مجهزاً بسلاح نووي محمول على صواريخ بعيدة المدى.
بعبارة أخرى، فإن منطق إسرائيل هو: بما أن النظام الإيراني يسعى لامتلاك القدرة النووية وزيادة إمكانياته الصاروخية، وبما أن مفاوضات الغرب (أوروبا وأميركا) فشلت، فقد ترى إسرائيل أن عليها أن توقف هذا المسار بنفسها.
بعض المحللين يرون حتى أن هدف إسرائيل قد يتجاوز تدمير البرنامجين النووي والصاروخي للنظام الإيراني إلى التفكير في إسقاط النظام ذاته، إذ من منظور كثير من النخب الإسرائيلية، فإن بقاء النظام الإيراني – حتى وهو ضعيف – يعني عودة التهديد في وقت لاحق، خاصة إذا تغيرت الظروف الدولية ورفعت العقوبات.
أما بالنسبة للنظام الإيراني، فهناك دافع قوي للاستمرار في برنامجه الصاروخي والنووي؛ فالصواريخ الباليستية القوية وبعيدة المدى هي الأداة الفعّالة الوحيدة التي يمتلكها في مواجهة إسرائيل. لذلك سيتجه النظام الإيراني بطبيعته إلى زيادة إنتاج وتنويع الصواريخ.
وتشير التقارير والتكهنات إلى أنه بعد حرب الـ12 يوماً جرى تخصيص ميزانية إضافية لزيادة القدرات الصاروخية للحرس الثوري. وقد أظهرت تجربة الحرب السابقة أن إسرائيل تعرضت خلالها لهجمات صاروخية ملحوظة، ومن المنطقي عسكرياً أن لا تسمح تل أبيب بزيادة سريعة في مخزون الصواريخ وقدرات إنتاج النظام الإيراني.
وعليه، من المنظور العسكري أمام إسرائيل خياران أساسيان:
1- استهداف إنتاج وتخزين الصواريخ بعمليات تخريبية أو غارات جوية.
2- أو الانخراط في تعزيز واسع النطاق لأنظمة الدفاع.
كلا المسارين له تكاليفه وقيوده الفنية واللوجستية؛ فمثلاً، تأمين الصواريخ الدفاعية المعقدة والغالية له قيوده الخاصة. وبالتالي، هناك سباق تسلح غير مرئي بين الحرس الثوري من جهة، وأميركا وإسرائيل من جهة أخرى؛ يسعى الحرس لبناء مزيد من الصواريخ الأقوى القادرة على تجاوز دفاعات إسرائيل، بينما يسعى الطرف المقابل لتعزيز مخزونه الدفاعي الصاروخي والاستعداد للهجوم المضاد.
هذا السباق يمكن أن يكون سبباً في قرب وقوع الحرب، لأن الطرفين يسرّعان استعداداتهما، والسؤال الرئيسي هو: أي طرف سيتخذ القرار العسكري أولاً وبأي تقييم؟
بعض التطورات قد تقدّم أو تؤخر توقيت الحرب:
نهاية الحرب في غزة: إذا انتهت حرب غزة، فإن القدرات العسكرية والموارد الإسرائيلية ستتحرر، ما يزيد من قدرة إسرائيل على التحرك ضد النظام الإيراني. كما أن خروج حماس (بوصفها وكيلاً لإيران) من المعادلة الإقليمية يقلل من قدرة النظام الإيراني.
عودة العقوبات: إن عودة العقوبات الدولية على النظام الإيراني تضع إسرائيل سياسياً في موقع أفضل، وتزيد اقتصادياً الضغط على إيران، ما قد يقلل قدراتها المالية واللوجستية لتغطية تكاليف الحرب المحتملة.
في الوقت نفسه، قد ترغب إسرائيل في رؤية أثر هذه العقوبات قبل أن تهاجم، وبالتالي تؤخر الضربة. لكن من ناحية أخرى، إذا أصبح مسار إنتاج الصواريخ في إيران مقلقاً، فقد تقدّم إسرائيل موعد الهجوم. هذه القرارات تعتمد على اعتبارات عدة، بينها التنسيق مع أميركا وتقدير الوضع الداخلي والدولي.
مؤشرات على التحضير للاشتباك
يمكن رصد بعض المؤشرات من الطرفين التي تدل على الاستعداد للمواجهة:
-نقل عدد من الطائرات الأميركية المزوِّدة للوقود إلى المنطقة، ومنها إلى قطر؛ ومن الناحية العملياتية يمكن اعتبار هذه الخطوة مؤشراً على الاستعداد لعمليات جوية كبيرة، إذ إن هذه الطائرات ضرورية عادة لتنفيذ العمليات بعيدة المدى ودعم المقاتلات.
-تكثيف زيارات كبار القادة العسكريين في النظام الإيراني للوحدات والمقرات العملياتية خصوصاً في الجنوب وحول مضيق هرمز؛ إذ غالباً ما تتزامن هذه الزيارات مع الاستعدادات العملياتية.
وفي النهاية، يمكن القول إن احتمال وقوع حرب بين إسرائيل وإيران جدي. الأسباب الرئيسية لذلك هي: التناقض الجذري بين الأهداف الأمنية للطرفين، وفشل الأدوات الدبلوماسية في وقف برامج النظام الإيراني النووية والصاروخية، وتصاعد الاستعدادات العسكرية لدى الطرفين.
توقيت اندلاع المواجهة لم يُحسم بعد، وهو مرتبط بعدة عوامل؛ منها سرعة تطوير البرنامج الصاروخي الإيراني، وتقدير إسرائيل لكلفة وفائدة الهجوم، وقرارات وتعاون الولايات المتحدة، والتأثيرات الاقتصادية والسياسية لعودة العقوبات.