وتسبب سوء إدارة النظام الحاكم، إلى جانب تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، في إرباك نظام التعليم في إيران، وظهور تحديات، منها ارتفاع معدل التسرب المدرسي بين الطلاب، وتصاعد الفقر التعليمي، واستمرار استياء المعلمين، وتزايد عدم المساواة في الوصول إلى الموارد التعليمية.
رئيس جمعية الأخصائيين الاجتماعيين في إيران، حسن موسوي جلك، سبق وأن أشار إلى انقطاع الطلاب عن الدراسة، قائلاً: "الأسر أصبحت غير قادرة على تغطية تكاليف تعليم أبنائها".
وأضاف: "حتى في حال توفر التعليم في المدارس الحكومية، فإن التكاليف غير المباشرة تُشكّل عبئًا كبيرًا على الأسر".
الخبير الاقتصادي على إرشادي، قال في حوار مع صحيفة "اسكناس" الاقتصادية في 17 سبتمبر (أيلول)، إن ارتفاع أسعار الأدوات التعليمية تسبب في انخفاض معدلات الإقبال والشراء، ومن جهة أخرى إلى اتساع الفجوة التعليمية العميقة بين أطفال الأسر ذات الدخل المحدود.
كان رئيس منظمة "المدارس غير الحكومية" في إيران، أحمد محمود زاده، قد أعلن في أغسطس (آب) الماضي أن رسوم العام الدراسي الجديد تبلغ 145 مليون تومان للمرحلة الثانوية العليا، و95 مليون تومان للمرحلة الثانوية الأولى، و91 مليون تومان للمرحلة الابتدائية.
وأضاف أن هذه الرسوم لا تشمل تكاليف الطعام، أو الزي المدرسي، أو النقل.
وقال محمود زاده، "إن التكاليف الأخرى، بما في ذلك الخدمات المدرسية، والطعام، والنقل، والزي المدرسي، ليست جزءًا من الرسوم الرسمية، ويجب أن تُحصّل في حدود المعقول، ووفقًا لسعر السوق".
وتأتي هذه التصريحات في وقت أفادت فيه تقارير بأن بعض المدارس غير الحكومية تطلب مبالغ فلكية من الأسر مقابل تسجيل أبنائهم.
ولفت المدير العام للتعليم في طهران مجيد بارسا إلى وجود مخالفات في المدارس أثناء التسجيل، وأكد أن معظم هذه المخالفات تتعلق بفرض رسوم إضافية في المدارس الحكومية وغير الحكومية، وأضاف أن أحد قرارات الاجتماع الأخير لمجلس الإشراف على المدارس كان "إعادة أصل الرسوم الزائدة إلى الطلاب وأسرهم".
وذكرت وكالة أنباء "تسنيم"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، أن الإعلان الرسمي عن تعرفة المدارس غير الحكومية "عمليًا لا جدوى منه"؛ لأن الرسوم المحددة "تختلف كثيرًا عن المبالغ الفعلية التي تُحصّل"، إذ إن كثيرًا من هذه المدارس تطلب من الأسر مبالغ باهظة تحت مسمى "الخدمات الإضافية، وهو ما يفرض ضغطًا اقتصاديًا شديدًا على الأسر التي لم تعد محصورة في الطبقات الميسورة فقط".
ازدحام كثيف
وفي السنوات الأخيرة، أدى تدهور جودة التعليم ونقص الإمكانات في المدارس الحكومية، إلى جانب الازدحام الشديد للطلاب، إلى استياء الأسر.
وفي 11 أغسطس (آب) الماضي أشار مدير عام التعليم في طهران، مجيد بارسا، إلى الازدحام الكثيف للطلاب في مدارس العاصمة الإيرانية، مؤكدًا أنها بحاجة إلى أكثر من سبعة آلاف فصل جديد لتوفير ظروف تعليمية مناسبة، والوصول إلى المستوى القياسي. وأضاف أن 804 مدارس يجب هدمها وإعادة بنائها.
وقال بارسا "إن متوسط كثافة الطلاب في طهران 33 طالبًا، ومتوسط الكثافة على المستوى الوطني 26 طالبًا. وللوصول إلى المستوى المعياري نحتاج إلى أكثر من سبعة آلاف فصل دراسي".
وأضاف: "لدينا 804 مدارس تحتاج إلى الهدم وإعادة البناء، لكن هذا لا يعني أن هذه المدارس غير مستخدمة أو لا تصلح للاستخدام؛ فمؤسسة تجديد المباني أكدت صلابة هذه المباني، واتخذت إجراءات لتعزيز مقاومة بعضها، لكن على المدى الطويل نحن بحاجة إلى هدمها وإعادة بنائها".
هذه الكثافة تنعكس على العملية التعليمية، حيث سبق وأكد عضو الهيئة العلمية لمعهد أبحاث التربية والتعليم في إيران، مسعود كبيري أن "اثنين من كل خمسة تلاميذ إيرانيين لا يتعلمان أي شيء على الإطلاق، و70 في المائة من طلاب المدارس الريفية للبنين لا يصلون إلى الحد الأدنى من التعلم".
وأضاف في تصريح له في يناير (كانون الثاني) الماضي: "بشكل عام، 41 بالمائة من الطلاب الإيرانيين لا يحصلون على أدنى مستوى من التعليم".
وأوضح أن كثيرين يحصلون على درجات منخفضة في اختبار "TIMSS" البسيط للغاية، ويشمل أسئلة أساسية مثل إجراء العمليات الحسابية الأربع وقراءة رسم بياني بسيط.
وأضاف أنه في عام 2023، لم يتمكن حوالي نصف الطلاب من الإجابة على سؤال يسير مثل "1000-403 كم يساوي؟".
يُذكر أن اختبار "TIMSS" يجرى بشكل دوري كل أربع سنوات منذ عام 1995 بمشاركة ما يقرب من 100 دولة على مستوى الصفين الرابع والثامن.
ووفقًا لتقرير صحيفة "شرق"، فقد شارك في اختبار "TIMSS" لعام 2023 نحو 360 ألف ولي أمر، و660 ألف طالب، و20 ألف مدير مدرسة، و29 ألف معلم من 65 دولة و6 ولايات.
وقد سجلت إيران أداءً متراجعًا في هذا الاختبار، بينما حققت دول مثل تركيا والإمارات وأرمينيا تقدمًا ملحوظًا.
انتشار الأمية
هذا التراجع في المستوى الدراسي أو انقطاع الطلاب عن الدراسة بسبب الفقر أدى لانتشار الأمية، حيث أعلن رئيس منظمة محو الأمية في إيران، عبد الرضا فولادوند، أن هناك 18 مليون إيراني يعانون من الأمية أو شبه الأمية، منهم نحو 7.5 مليون شخص يعانون من الأمية المطلقة.
وتشير الإحصاءات التي قدمها رئيس منظمة محو الأمية في ديسمبر (كانون الثاني) الماضي إلى أن حوالي 20 في المائة من سكان إيران أميون أو شبه أميين.
ومنذ فترة طويلة، يتم تقديم أرقام تتراوح بين 17 و18 مليون شخص أمي أو شبه أمي من قبل المسؤولين في مجال التعليم.
ووفقاً للتعريف الذي قدمته وزارة التعليم ومنظمة محو الأمية، يُطلق مصطلح "شبه أمي" على الأشخاص الذين لم يكملوا تعليمهم الثانوي.
أما بالنسبة لعدد الأميين المطلقين، فهناك اختلاف في الإحصائيات. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2023، قال علي رضا عبدي، رئيس منظمة محو الأمية آنذاك، إن هناك 7.4 مليون أمي مطلق في إيران.
وبافتراض أن عدد الأميين المطلقين لم يتغير، فإن عدد الأشخاص "شبه الأميين" أو الذين لم يكملوا تعليمهم الثانوي يقدر بحوالي 10.6 مليون شخص.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، صرح غلام علي أفروز، الأستاذ في جامعة طهران، أن 70 في المائة فقط من الطلاب الإيرانيين الذين يلتحقون بالمرحلة الابتدائية يكملون تعليمهم الثانوي، وأن 30 في المائة من الطلاب في إيران لا يحصلون على شهادة الثانوية العامة وينضمون إلى سوق العمل.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي كشف فرشاد إبراهيم بور، عضو لجنة التعليم في البرلمان الإيراني، لموقع "دیده بان إيران" أن حوالي مليوني طالب لم يتم تسجيلهم في العام الدراسي.
وأرجع السبب إلى المشكلات الاقتصادية التي دفعت الأهالي والطلاب إلى التخلي عن التسجيل في المدارس.
وأشار موقع "تجارت نيوز" الإيراني، في تقرير له، 13 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إلى أن زيادة الفقر في الأسر وتلاشي الطبقة المتوسطة يزيد من العقبات، التي تعترض الطلاب في سبيل مواصلة تعليمهم.
وأوضح التقرير أن هذه الظروف أدت إلى انخفاض الأداء الأكاديمي وتراجع المعدلات الدراسية للطلاب في المراحل الثانوية، وأكد أن الفقر، أينما وجد، يترك أثره على المجتمع بأسره بطرق مختلفة.
وصرّح الأمين العام لبيت التعاون، علي حسين شهريور، بأن الفقر والتسرب من التعليم ظاهرتان مترابطتان، مضيفًا أن الشباب بين 15 و17 عامًا كانوا الفئة الأكثر تسربًا من التعليم خلال العام الماضي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التحذير من موجة تسرب الأطفال والمراهقين الإيرانيين من التعليم؛ بسبب المشاكل الاقتصادية التي تواجه أسرهم.
وأوضحت الخبيرة التعليمية فرشته ميرزايي، أن انخفاض حصة التعليم في ميزانية الأسر ليس بسبب عدم رغبة الأهالي، بل لأن تكاليف المعيشة ارتفعت إلى درجة لم تعد تترك مجالاً لزيادة الإنفاق على التعليم. وأكدت أن تجاهل العدالة التعليمية والتعليم المجاني أدى إلى جعل تعليم الأطفال ضحية للمشكلات المعيشية والفقر في المجتمع.