ووفقًا للتقرير، فقد لمس الإيرانيون لأول مرة ضعف النظام خلال الغارات الجوية الإسرائيلية في يونيو (حزيران) الماضي، حين استهدفت المقاتلات "منشآت حيوية للنظام"، لتظهر أن الحكام عاجزون عن حماية المواطنين.
وعلى مدى 12 يومًا، غرقت البلاد في حالة من الصدمة والرعب؛ فبعض الشباب صعدوا إلى الأسطح وهتفوا، وآخرون لجأوا إلى الأنفاق، فيما حاول البعض الاحتفال للحظات لتجاوز إحساسهم بالعجز.
وأضاف التقرير أن النظام نشر نحو 50 ألف عنصر أمني، بما في ذلك دوريات الحجاب، لملء الشوارع. فبينما كانت مهمتهم سابقًا مطاردة النساء غير المحجبات، انحصر اهتمامهم الآن في "مطاردة الجواسيس".
وهاجم مسلحون بدراجات نارية وبلباس مدني المتظاهرين بهراوات وقفازات حديدية، وكثير من المعتقلين لم يعودوا إلى منازلهم قط.
قمع وخوف جديدان
أضاف التقرير أن نساء كثيرات يقدن سياراتهن، أو يظهرن في الشوارع بلا حجاب، وهو ما كان يعرّضهن سابقًا للاعتقال الفوري. لكن اليوم لم يعد لدى السلطات وقت لمثل هذه الملاحقات "لأن النظام غارق في هواجس الخوف والارتياب من اختراق إسرائيلي".
ومنذ بداية الحرب، سُجن المئات بتهمة التجسس وأُعدم العشرات. وكتب التقرير: "القصف لم يُخِف الناس، بل منحهم الأمل؛ إنما العنف في الشوارع هو الذي أرعب الجميع".
نشطاء معارضون اعترفوا بوجود تناقض داخلي: فبينما يُؤلمهم قصف أرض وطنهم، إلا أن ذلك كشف عن ضعف النظام أمامهم. وقالوا: "لولا أوضاع غزة وسقوط المدنيين هناك، لربما أبدينا تعاطفًا أكبر مع عمليات إسرائيل".
الإعدامات العلنية والاعتقالات الجماعية
بحسب التقرير، قُتل أكثر من 30 قائدًا كبيرًا في الحرس الثوري وعدة علماء نوويين، ليصل مجموع كبار المسؤولين القتلى إلى أكثر من 400. لكن هذه المرة فشل النظام في حشد الجماهير بجنازات ضخمة.
وقضى المرشد الإيراني، علي خامنئي، معظم الحرب في الملاجئ، وخطاباته القصيرة والمتقطعة لم تُنعش معنويات مؤيديه. وفي المقابل، أطلق النظام موجة من الإعدامات العلنية والاعتقالات الجماعية لبث الرعب.
وأكد "واي. نت" أن كثيرًا من الإيرانيين أدركوا لأول مرة أن الموت قد يطرق بابهم فقط لأنهم جيران لأحد القادة العسكريين. وهو ما عمّق فجوة الثقة بين الشعب والنظام.
أزمات معيشية وعودة مهاجرين
ذكر التقرير أن موجة نادرة من المهاجرين الإيرانيين في الخارج عادت إلى البلاد لإظهار التضامن مع عائلاتهم. وفي الوقت نفسه، أدت أزمة المياه، وانقطاعات الكهرباء الطويلة، والحر الشديد إلى خروج الناس إلى الشوارع؛ في البداية بحثًا عن الظل والبرودة، ثم في احتجاجات متفرقة. هذه التحركات لا تزال غير منظمة لكنها تكشف عن بلوغ الغضب الشعبي مستوى جديدًا.
وأضاف أن الإيرانيين الآن يريدون "الكهرباء والماء والأمن" أكثر من أي شعارات أيديولوجية. أما ملصقات النظام الجديدة التي تقول: "لا أحد إلى جانبنا، لذا علينا أن نقف معًا"، فلم تُخفِ اليأس والإحباط العام.
الفن في مواجهة القمع
أشار جزء آخر من التقرير إلى أن الفن بقي ساحة مقاومة: فقد فاز المخرج جعفر بناهي هذا العام بـ "سعفة كان الذهبية" عن فيلم ينتقد للنظام.
كما عُرضت مسرحية سرية في طهران حول امرأتين مثليتين، خاطر ممثلوها بتعرضهم لـ 100 جلدة، وغطّوا وجوههم في عروض خارجية كي لا يُكشفوا عند عودتهم.
وهذه المقاومة الثقافية، وفقًا للتقرير، تذكّر المجتمع بأن تحدي الخطوط الحمراء ممكن حتى في ذروة القمع.
ومخاوف جديدة
تطرق "واي نت" أيضًا إلى مسألة خلافة المرشد الإيراني، علي خامنئي، مشيرة إلى أن خامنئي لم يحضر حتى جنازات الجنرالات الذين قُتلوا، خوفًا من الغارات. هذا الغياب كان لافتًا وأثار تساؤلات. كثيرون يعتقدون أن النظام يمهّد الطريق لابنه كي يخلفه، رغم افتقاره للشرعية الدينية مثل والده.
العلاقات الخارجية ومستقبل غامض
أفاد التقرير بأن النظام الإيراني اضطُر للتفاوض بشأن الملف النووي من موقع دفاعي، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سيكون أكثر مرونة. فقد يسعى بدلًا من ذلك إلى تعزيز تحالفاته مع روسيا والصين أو حتى شن هجوم ضد إسرائيل إذا شعر قادته بأن بقاءهم مهدد.
وبينما ترى إسرائيل والمعارضون الإيرانيون أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي يعمل داخل إيران بحرية تقريبًا، يواصل النظام تنفيذ إعدامات جماعية بتهمة "التجسس".
طهران بعد الحرب
أنهى "واي نت" تقريره بوصف طهران بأنها "مدينة غارقة في الغبار والموت والحزن". فالشوارع شبه خالية، والمطاعم والمقاهي فارغة، والأسواق راكدة. والبطالة والفقر يتصاعدان، والناس يعيشون في خوف دائم.
ورغم أن النظام يتحدث عن استمرار البرنامج النووي، فإن المواطنين لا يفكرون إلا في أن إسرائيل لم تُنهِ عملها بعد، وأن جولة جديدة من الحرب وشيكة.
وأكد التقرير أن الأمل في إيران في أدنى مستوياته، لكن الغضب المتراكم قد ينفجر في أي لحظة. الجميع يدرك أن حربًا أخرى قادمة؛ وحده توقيتها مجهول.