ولسنوات، كان المسؤولون في الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالولايات المتحدة يعتقدون أن أي هجوم عسكري على إيران سيؤدي إلى وحدة داخلية، وزيادة شرعية الحكم، وإحياء التضامن الشعبي مع القادة الدينيين. لكن ما حدث بعد الهجمات الواسعة، في شهر يونيو (حزيران) الماضي، كان مخالفًا لهذا التصور.
وتشير الصحيفة إلى أنه منذ الثمانينيات، بعد التفجيرات القاتلة ضد القوات الأميركية في بيروت وعمليات حزب الله بتوجيه من طهران، كان الخبراء الأميركيون يرون أي مواجهة مباشرة مع إيران شرارة لحرب لا تنتهي.
وحتى عندما تراجعت شعبية النظام الإيراني في التسعينيات وأوائل الألفية الجديدة، كان الاعتقاد السائد أن التهديد الخارجي سيدفع الناس للدفاع عن النظام.
ولكن خلال الحرب الأخيرة، نجحت إسرائيل في استهداف نحو 30 قائدًا رفيع المستوى في الحرس الثوري، وعدد من العلماء النوويين، وبشكل إجمالي أكثر من 400 مسؤول إيراني رفيع المستوى داخل أراضي إيران. وقد قُتل هؤلاء الأشخاص ليس في ميادين القتال، بل في منازلهم ومكاتبهم.
وقد أثرت القدرة الأمنية والتشغيلية لإسرائيل حتى على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ووفقًا لمصادر مطلعة، فقد شجعت هذه النجاحات ترامب على الانضمام إلى العمليات ضد النظام الإيراني.
وعلى الرغم من الخسائر الواسعة، كان رد الفعل الداخلي للنظام الإيراني مختلفًا جدًا عن الماضي. ففي حين أن النظام تمكن عام 2020، بعد مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، من عرض مشهد الوحدة العامة من خلال إقامة مراسم مليونية، لم يستطع خامنئي هذه المرة تحريك الجماهير بخطاباته، ولم يتمكن المسؤولون الحكوميون من تنظيم أي عرض شعبي واسع.
ووفقًا لـ "وول ستريت جورنال"، فقد قضى مرشد النظام الإيراني معظم فترة الحرب في الملاجئ، وكانت خطاباته القصيرة والضعيفة غير ملهمة حتى لمؤيديه.
وبدلاً من التعبئة العامة، لجأ النظام إلى قمع داخلي واسع. وحسب التقرير، فقد تم اعتقال نحو 20 ألف شخص بتهمة "التعاون مع إسرائيل"، كما أُعدم 262 شخصًا، خلال الأسابيع الأخيرة.
وتؤكد الصحيفة الأميركية أن موجة القمع هذه كانت محاولة لإحداث الرعب في مجتمع لم يستجب للتهديد الخارجي بالوقوف إلى جانب النظام، أكثر من كونها خطوة استخباراتية لمكافحة التجسس.
وأشارت إلى أن قادة النظام أدركوا أن الشعب الإيراني لا يميل للدفاع عن النظام في حال الهجوم الخارجي، بل إن قدرة الدعاية الحكومية على تحويل القتلى إلى "شهداء ملهمين" قد تلاشت أيضًا.
وتم استبدال المراسم الحماسية السابقة بوضع بعض الصور وإصدار بيانات حداد في طهران، وهو حدث يعكس ضعفًا ملحوظًا في قدرة النظام على التعبئة الاجتماعية.
وأضافت "وول ستريت جورنال" أن مزيج "عدم القدرة على التنبؤ بترامب" و"النهج العدواني لنتنياهو" تسبب أكثر من أي وقت مضى في قلق قادة النظام الإيراني.
وفي حين لم يتعافَ الحرس الثوري والمسؤولون الأمنيون بعد من صدمة الضربات الإسرائيلية، يسعى النظام إلى فتح قنوات دبلوماسية، خصوصًا عبر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي لاريجاني؛ لخلق مساحة للتنفس السياسي.
وقال لاريجاني إن مسار التفاوض مع أميركا "لم يُغلق بعد"، كما أعادت السلطات الإيرانية بدء المحادثات مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي.
واستنتجت الصحيفة، في ختام تقريرها، أن النظام الإيراني، على الرغم من حالة الضعف التي انتابته، بجانب أن شرعيته الداخلية أصبحت محل تساؤل أكثر من أي وقت مضى، فإن قادته مازالوا يواصلون عنادهم، ويعتقدون أنهم يعملون وفق مشيئة الله.
ووفقًا لـ "وول ستريت جورنال"، فإن النظام الإيراني اليوم يعيش حالة من الخوف وفقدان الثقة والحيرة، لكنه لا يزال يمثل خطرًا على المنطقة.