وبحسب التقرير، فقد تلقّى مسؤولون إسرائيليون، في الأيام التي تلت هجوم تل أبيب على طهران، سيلاً من الرسائل النصية المشبوهة، التي تحتوي على روابط خبيثة.
وأوضحت الصحيفة أن هوية الفاعل كانت واضحة بالنسبة لهم: طهران، التي تخوض إسرائيل معها منذ سنوات حربًا سيبرانية صامتة، وقد تصاعدت هذه الحرب بالتوازي مع المواجهة العسكرية في شهر يونيو (حزيران) الماضي.
وتراوحت الهجمات الأخيرة بين سرقة من منصة العملات الرقمية الإيرانية "نوبیتكس" إلى زيادة الرسائل الاحتيالية الموجّهة (Phishing) ضد شخصيات إسرائيلية بارزة، والتي قيل- وفق شركة الأمن السيبراني "تشيك بوينت"- إنها أُرسلت على ما يبدو من قِبل دبلوماسيين، وحتى من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
ورغم أن المواجهة العسكرية انتهت بعد 12 يومًا، فإن الحرب الرقمية لم تنتهِ بعد. ونقلت "فايننشال تايمز" عن أحد المسؤولين الإسرائيليين قوله بشأن هذه الرسائل: "هذه الحرب السيبرانية تصاعدت بعد بدء الحرب وما زالت مستمرة. ما زلت أتلقى هذه الرسائل حتى الآن".
وعلى سبيل المثال، قال المدير التنفيذي لشركة "كلير سكاي" الإسرائيلية المتخصصة في معلومات التهديدات السيبرانية، بواز دولِف، إنه منذ وقف إطلاق النار، حاولت مجموعات موالية لإيران استغلال ثغرة تم اكتشافها مؤخرًا في اختراق عالمي لبرنامج خوادم "مايكروسوفت" من أجل مهاجمة شركات إسرائيلية. وأضاف: "رغم أن وقف إطلاق النار قائم في العالم المادي، فإن الهجمات في الفضاء السيبراني لم تتوقف".
وعلى الرغم من أن البلدين لم يشنّا هجمات علنية مباشرة على بعضهما حتى العام الماضي، فإن لإيران وإسرائيل تاريخًا في الهجمات السيبرانية. ويُعتقد أن إسرائيل، إلى جانب الولايات المتحدة، كانت وراء نشر فيروس "ستاكسنت"، الذي دمّر أجهزة الطرد المركزي في منشأة تخصيب "نطنز" النووية عام 2010.
وفي المقابل، يُرجّح أن إيران كانت مسؤولة عن سلسلة هجمات استهدفت البنى التحتية للمياه في إسرائيل عام 2020. وبحسب "فايننشال تايمز"، فإن التفاصيل، التي كُشف عنها بعد حرب يونيو الماضي، تشير إلى أن إسرائيل كانت صاحبة اليد العليا في المعركة السيبرانية.
وقال وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيراني، ستار هاشمي، إن طهران تعرّضت خلال الحرب لأكثر من 20 ألف هجوم سيبراني، في "أوسع" حملة من نوعها في تاريخ البلاد. ومن بين هذه الهجمات، عمليات عطّلت أنظمة الدفاع الجوي الإيراني بالتزامن مع بدء الغارات الجوية الإسرائيلية.
ولكن محللين ومسؤولين إسرائيليين سابقين قالوا إن الدور الأهم الذي لعبه الفضاء الرقمي في تحديد مسار الحرب كان حملة التجسس السيبراني، التي سبقتها، والتي ساعدت إسرائيل في جمع معلومات دقيقة عن العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين، ما مكّنها من تحديد أكثر من 12 منهم، وتصفيتهم في الضربة الأولى.
وذكرت خبيرة الأمن السيبراني التي عملت كضابط أول لأمن المعلومات في أجهزة الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي، منى بارزيلي، أن الهجوم على الدفاعات الجوية الإيرانية كان "تكتيكيًا ومحددًا للغاية لإتاحة الفرصة لإسرائيل لتنفيذ الضربة الأولى"، مضيفة أن جمع المعلومات كان "أكبر عامل مغيّر لقواعد اللعبة".
وفي الأيام الأولى للحرب، أحرق فريق القرصنة "العصفور المفترس"- الذي يُعتبر على نطاق واسع مواليًا لإسرائيل- نحو 90 مليون دولار من أصول منصة "نوبیتكس"، متهمًا إياها بأنها "أداة" للنظام الإيراني، وهو ما نفته المنصة مؤكدة أنها شركة خاصة مستقلة.
كما استهدف الفريق مصرفين إيرانيين كبيرين، معطلاً مجموعة واسعة من خدمات بنك "سبه" الحكومي التابع للقوات المسلحة، وبنك "باسارغاد" الخاص. وقالت شركة "داتين" المزودة لبرمجيات المصرفيين، إن الهجوم ألحق أضرارًا بالأجهزة وعطّل مراكز البيانات الرئيسة والاحتياطية والطوارئ لكلا البنكين.
وفي المقابل، قال دولف إن مجموعات مرتبطة بإيران نفّذت هجمات قرصنة وتسريب بيانات ضد نحو 50 شركة إسرائيلية، ونشرت برمجيات خبيثة بهدف تدمير أنظمة الكمبيوتر الإسرائيلية.
وأضاف أنه يبدو أن هذه المجموعات لم تخترق دفاعات الجيش الإسرائيلي أو الشركات الكبرى، لكنها ركّزت على الشركات الصغيرة في سلاسل الإمداد، والتي كانت أهدافًا أسهل، بما في ذلك شركات لوجستية ووقود وشركات موارد بشرية، حيث كشف القراصنة لاحقًا السير الذاتية لآلاف الإسرائيليين العاملين في قطاعي الدفاع والأمن.
كما أرسل القراصنة آلاف الرسائل المزيّفة، التي بدت كأنها صادرة عن نظام القيادة الداخلية في إسرائيل المسؤول عن إصدار تعليمات السلامة العامة في حالات الطوارئ، وتضمنت تعليمات للناس بالابتعاد عن الملاجئ، وحاولوا أيضًا اختراق كاميرات المراقبة في إسرائيل، وهي تكتيكات يمكن- بحسب مصدر مطّلع- استخدامها لتحديد مواقع سقوط الصواريخ.
وقال المفاوض في إدارة الأزمات والعقيد الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، موتي كريستال، ذو الخبرة الواسعة في التفاوض مع مجموعات طلب الفدية، إنه رغم عدم وجوب الاستهانة بقدرات إيران، فإن أيًا من الهجمات على إسرائيل خلال الحرب لم يكن له أثر "ملحوظ".
وفي المقابل، أثارت اختراقات الدفاعات السيبرانية لنظام طهران القلق، ودعا محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس الإيراني، إلى "تحرك جاد".