المرشد الإيراني البالغ من العمر 86 عاماً بات نادراً ما يظهر في العلن، وخطاباته التي كانت يوماً طويلة ومفصلة، تحوّلت إلى كلمات مقتضبة وعامة. هذا الانسحاب التدريجي من المشهد، إلى جانب تصاعد الأزمات الداخلية، دفع المراقبين داخل النظام الإيراني وخارجه إلى التكهن بشأن استمرار قيادته وسيناريوهات خلافته.
تشير" إيكونوميست" إلى أن خامنئي، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي وتجنب المطالب السياسية، يسعى لإعادة تعريف البنية الدينية للنظام عبر غطاء من القومية الإيرانية.
فعلى سبيل المثال، في مراسم عاشوراء في يوليو (تموز) من هذا العام، تم استبدال الأدعية التقليدية ببث نشيد "أي إيران" الذي كان رائجاً قبل الثورة الإيرانية، لكنه ظل ممنوعاً لسنوات طويلة.
من جهة أخرى، عبر التغاضي عن عرض مسلسلات مثل النسخة الإيرانية من "جزيرة الحب"، وتخفيف القيود المفروضة على الحجاب في بعض مناطق العاصمة، يحاول النظام تقديم صورة لتسامح اجتماعي؛ غير أن هذه السياسات لا تعدو كونها أدوات لتقليل المطالب الجوهرية المتعلقة بتغيير بنية السلطة.
في الوقت ذاته، يستمر القمع السياسي: أعداد الإعدامات في ازدياد، والعفو الموعود عن المعتقلين السياسيين لم يُنفّذ.
تلفت المجلة إلى أن خامنئي، خلال الهجمات الإسرائيلية، فوّض عدة مهام حيوية إلى قادة عسكريين في الحرس الثوري، مما فتح الباب لتحول البلاد نحو حكم عسكري فعلي.
لكن الحرس نفسه يعاني من تحديات داخلية، أبرزها الفساد البنيوي والانقسامات الداخلية، بالإضافة إلى تغلغل الاستخبارات الإسرائيلية.
في الوقت ذاته، تحاول بعض الشخصيات مثل مسعود بزشكيان، الرئيس الإيراني، فتح قنوات حوار مع المعارضة وإعادة المنفيين. لكن مكانته الضعيفة داخل النظام، وسخط الشارع من الانقطاعات المتكررة للكهرباء والماء، والانهيار الاقتصادي وسقوط قيمة العملة، أفقدته الصلاحية والشرعية اللازمتين لتحقيق إصلاحات حقيقية.
الرئيسان السابقان محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني يسعيان بدورهما للعودة إلى الساحة السياسية. وتُشير المجلة إلى احتمال أن يكون روحاني يطمح إلى تولي منصب المرشد، بينما يتحرك علي لاريجاني كرئيس تنفيذي محتمل، وقد زار مؤخراً موسكو والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أصوات معارضة.. ضغوط داخلية.. عزلة خارجية
في 11 يوليو (تموز)، أصدر مير حسين موسوي، رئيس الوزراء الأسبق، بياناً دعا فيه إلى صياغة دستور جديد، وقد لاقت هذه الدعوة تأييد مئات المثقفين الإيرانيين. إلا أن شريحة واسعة من الشباب الإيراني تطالب بتغييرات جذرية لا تشمل أياً من وجوه الماضي أو الحاضر، حتى تلك المعارضة منها.
أما في السياسة الخارجية، فقد تخلّى النظام الإيراني عن طموحاته الإقليمية، وركّز على الحفاظ على بقائه. بعض المتشددين يطالبون بالإسراع في إنتاج قنبلة نووية، بينما يعلّق آخرون آمالهم على مساعدات محتملة من الصين أو روسيا؛ مساعدات تبدو إما غير كافية أو متأخرة جداً.
وفي خضمّ ذلك، تبقى أميركا اللاعب الأهم. تقول "إيكونوميست" إن مشاركة دونالد ترامب في الحرب الإسرائيلية ضد النظام الإيراني أثارت قلق طهران وأوقفت مفاوضات الملف النووي. وأعلن عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، أن النظام الإيراني مستعد لاستئناف المفاوضات.
مستقبل بلا قيادة واضحة
وتحذّر" إيكونوميست" في ختام تحليلها من أنه، رغم أن اتفاقاً محتملاً مع أميركا قد يؤدي إلى رفع العقوبات ويفتح الباب أمام عودة الاستثمارات الأجنبية، فإن غياب قيادة قوية ذات رؤية قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية، يضع إيران على أعتاب مرحلة من الارتباك وعدم الاستقرار. فالشعب يريد التغيير، لكن يبدو أن القائد القادر على توجيه هذا التحول لم يعد موجوداً في السلطة.