لماذا اختبر النظام الإيراني صاروخ "قاصد" في مهمة شبه مدارية؟

أعلنت منظمة الفضاء الإيرانية عن إجراء اختبار شبه مداري لصاروخ حامل الأقمار الصناعية "قاصد"، وحددت هدفه بتقييم بعض التقنيات الجديدة التي يتم تطويرها في صناعة الفضاء.
أعلنت منظمة الفضاء الإيرانية عن إجراء اختبار شبه مداري لصاروخ حامل الأقمار الصناعية "قاصد"، وحددت هدفه بتقييم بعض التقنيات الجديدة التي يتم تطويرها في صناعة الفضاء.
حاول فريق التحقق في "إيران إنترناشيونال" في هذا التقرير الإجابة على بعض الأسئلة حول أبعاد هذا الإطلاق شبه المداري.
وكان إجراء مثل هذا الاختبار في الأيام التالية للحرب التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، وقبل بدء جولة جديدة من المحادثات بين طهران والغرب، زاد من أهمية الأبعاد الفنية والسياسية والعسكرية والأمنية لهذا الاختبار.
أعلن إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية في النظام الإيراني، يوم 21 يوليو (تموز) أن المفاوضات النووية مع الدول الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا ستُستأنف يوم الجمعة 25 يوليو (تموز) في إسطنبول على مستوى نواب وزراء الخارجية.
نشرت منظمة الفضاء الإيرانية خبر اختبار صاروخ "قاصد" شبه المداري، بينما نعلم أن هذه المنظمة تعتمد حتى الآن على أنظمة وزارة الدفاع لإجراء عمليات الإطلاق التجريبية والمدارية.
صاروخ "قاصد"، الذي أُطلق إلى الفضاء في الذكرى السنوية لتأسيس الحرس الثوري في 22 أبريل (نيسان) 2020، هو من إنتاج القوة الجوفضائية للحرس الثوري، التي بدأت أنشطتها الفضائية بشكل مستقل منذ عام 2016.
يُعد "قاصد" أول صاروخ حامل أقمار صناعية إيراني يُطلق من خارج قاعدة الإمام الخميني الفضائية.
صُمم هذا الصاروخ الحامل للأقمار الصناعية ليتم إطلاقه من منصات متحركة، وهي خاصية تجعله بارزًا من الناحية العسكرية، لأنها تتيح الإطلاق من مواقع غير ثابتة ومموهة.
لم يُعلن عن موقع هذا الإطلاق، لكن القوة الجوفضائية للحرس الثوري عادةً ما تجري عمليات إطلاقها من قاعدة في جنوب شرق شاهرود، وهي منطقة تم الإبلاغ عن استهدافها خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا.
كما تجري وزارة الدفاع عمليات الإطلاق المتعلقة بمنظمة الفضاء الإيرانية من موقع الخميني الصاروخي بمحافظة سمنان.
ما هو الاختبار شبه المداري؟
الاختبار شبه المداري هو إطلاق يرتفع فيه صاروخ أو حامل أقمار صناعية إلى ارتفاع معين دون الوصول إلى السرعة الكافية لدخول المدار، ثم يسقط بعد فترة.
في البرامج الفضائية، يُعتبر الاختبار شبه المداري مرحلة منطقية وأقل تكلفة مقارنة بالإطلاق المداري الكامل.
تشمل الأهداف المحتملة لهذه الاختبارات اختبار محركات جديدة، خاصة محركات الوقود الصلب أو المراحل المحسنة، ودراسة سلوك الصاروخ في مراحل الطيران المختلفة (مثل فصل المراحل)، واختبار أنظمة الملاحة أو الاتصالات أو الإلكترونيات الجديدة.
وقد أفادت وكالة "أسوشيتد برس" في 26 أبريل (نيسان)، نقلاً عن شركة "أمبري" للأمن البحري، أن الانفجارات في ميناء رجائي في بندر عباس نجمت عن سوء التعامل مع شحنة من الوقود الصلب المستخدم في الصواريخ الباليستية.
ماذا نعرف عن حامل الأقمار الصناعية "قاصد"؟
حتى اليوم، تم تسجيل ثلاث عمليات إطلاق مدارية ناجحة لهذا الصاروخ الحامل، حيث وضعت أقمار "نور 1" و"نور 2" و"نور 3" في مدارات على ارتفاعات 425 و500 و450 كيلومترًا عن الأرض على التوالي.
صُمم "قاصد" بتصميم مركب ثلاثي المراحل، ويستخدم الصاروخ الباليستي "قدر" كأساس لمرحلته الأولى. استخدم النظام الإيراني النسخة "قدر إتش" (H) من هذا الصاروخ في الأيام الأخيرة من الحرب التي استمرت 12 يومًا.
المرحلة الأولى تحتوي على محرك يعمل بالوقود السائل بارتفاع حوالي 13 مترًا. أما المرحلة الثانية فتستخدم محركًا يعمل بالوقود الصلب يُعرف بـ"سلمان"، مزوّد بنظام توجيه يمكنه تعديل مسار الطيران.
أما المرحلة الثالثة فهي محرك يعمل بالوقود السائل يقوم بإدخال الحمولة النهائية إلى المدار.
ومع ذلك، فإن "قاصد" محدود للغاية من حيث قدرة الحمولة. تم الإبلاغ عن أن سعته تصل إلى حوالي 45 إلى 50 كيلوغرامًا للمدارات المنخفضة للأرض، وهو مصمم لإطلاق أقمار صناعية صغيرة.
عادةً، يجب أن تكون سعة حمولة الصواريخ المصممة لنقل رؤوس نووية بين 150 و500 كيلوغرام.
لم يتمكن النظام الإيراني حتى الآن من إرسال حزم أقمار صناعية تتجاوز 50 كيلوغرامًا إلى مدار الأرض، ولهذا السبب استفاد من صاروخ "سويوز" الروسي لوضع بعض أقماره الصناعية.
ركز تصميم "قاصد" قبل اختبار 21 يوليو (تموز) على مهام الاستطلاع والقياس والاتصالات بحمولات صغيرة، ولم يُسجل حتى الآن أي دليل على تحويله مباشرة إلى صاروخ هجومي، على الرغم من أن هذا التحويل ممكن من الناحية الفنية.
في السيناريوهات العسكرية الافتراضية، إذا تمت إزالة المرحلة الثالثة واستبدالها برأس حربي، يمكن تحويل "قاصد" إلى صاروخ باليستي بمدى يتراوح بين بضع مئات إلى ألف وخمسمائة كيلومتر، قادر على حمل رأس حربي تقليدي أو رأس نووي صغير؛ في حال توفره.
على مستوى استراتيجي أكثر، يمكن أن يكون تطوير وتكرار إطلاقات "قاصد" جزءًا من مشروع طويل الأمد لبناء أنظمة أقمار صناعية عسكرية.
يمكن للنظام الإيراني، باستخدام عشرات الأقمار الصناعية الصغيرة التي يتم إطلاقها عبر "قاصد" إلى مدارات منخفضة، إنشاء شبكة اتصالات أو استطلاع عسكرية دائمة في المدار، مما يقلل من اعتماده على الأنظمة الفضائية الأجنبية.
على الرغم من أن صاروخ "قاصد" حقق مهامًا ناجحة سابقًا، فإن إجراء اختبار شبه مداري بنفس المنصة قد يكون له أسباب فنية وعملياتية وحتى سياسية.
من الناحية الفنية، قد يكون الاختبار شبه المداري جزءًا من عملية تحديث أو تحسين أحد مكونات صاروخ "قاصد".
بالنظر إلى أن "قاصد" يجمع بين محركات الوقود السائل والصلب، فإن التغيير في إحدى هذه المراحل، مثل تحسين محرك المرحلة الثانية أو تعديل نظام التوجيه والتحكم، يتطلب إطلاقًا تجريبيًا.
في مثل هذه الحالات، يتم اختبار أداء مرحلة أو مرحلتين فقط في رحلة شبه مدارية لتقليل مخاطر الإطلاق المداري.
كانت مكونات القوة الجوفضائية للحرس الثوري، من القادة إلى ورش تصنيع قطع الصواريخ، من بين الأهداف الرئيسية للهجمات الإسرائيلية خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران. لذا، من الناحية العملياتية واللوجستية، قد تكون أهداف هذا الإطلاق تتعلق بتقييم جاهزية أنظمة الدعم، والمنصات المتحركة، والبنية التحتية الفضائية والصاروخية المتضررة.
من الناحية السياسية والأمنية، تثير الإطلاقات المدارية عادةً حساسيات واهتمامًا دوليًا أكبر، لأن دخول جسم إلى مدار الأرض يتم تسجيله على المستوى العالمي ويثير ردود فعل دولية.
لكن اختبارات النظام الإيراني شبه المدارية تُعتبر من وجهة نظر بعض الدول، خاصة الولايات المتحدة، ذات أهمية تتجاوز الجانب الفني.
القلق الرئيسي للغرب هو أن التقنيات المستخدمة في هذه الاختبارات- خاصة الوقود الصلب، والمراحل المتعددة، والتوجيه الدقيق، والمنصات المتحركة- مماثلة تمامًا لتقنيات الصواريخ الباليستية، حتى لو كان الهدف ظاهريًا فضائيًا.
من الناحية القانونية الدولية، الاختبار شبه المداري بحد ذاته ليس مخالفًا للقوانين الدولية. لا توجد معاهدة تحظر الإطلاق شبه المداري.
لكن قرار مجلس الأمن رقم 2231 (الصادر بعد الاتفاق النووي)، "يحض" إيران على الامتناع عن تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
هذا التعبير ليس ملزمًا، لكن الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، تعتبر أي إطلاق بتقنيات الصواريخ الباليستية- حتى لو لم يصل إلى المدار- انتهاكًا لروح القرار.
في مثل هذه الظروف، إذا أجريت هذه الاختبارات من قبل القوة الجوفضائية للحرس الثوري، فإن الحساسية السياسية ستتضاعف، لأن أي نشاط صاروخي أو فضائي لهذه المؤسسة يُعتبر جزءًا من برنامجها الصاروخي، وليس مجرد برنامج فضائي.
هل "قاصد" صاروخ عابر للقارات؟
لا، حامل الأقمار الصناعية "قاصد" ليس صاروخًا عابرًا للقارات (ICBM). صُمم هذا الصاروخ لإطلاق أقمار صناعية خفيفة إلى مدارات منخفضة للأرض، وكما ذُكر، يمكنه نقل ما يصل إلى حوالي 50 كيلوغرامًا من الحمولة إلى المدار.
مداه العملياتي، في حال تحويله إلى صاروخ عسكري، من المحتمل ألا يتجاوز ألفًا أو ألفًا وخمسمائة كيلومتر، بينما يجب أن تكون الصواريخ العابرة للقارات قادرة على قطع مسافات تزيد عن خمسة آلاف و500 كيلومتر وأن تكون قادرة على حمل حمولات تزن بضع مئات من الكيلوغرامات.