وفي قرية "جنارلق" التابعة لمدينة خلخال بمحافظة أردبيل، شمال غرب إيران، يضطر السكان للخروج ليلاً؛ بحثًا عن المياه.
في يوم الجمعة 18 يوليو (تموز)، أكّد مدير إدارة المياه والصرف الصحي في مدينة "خلخال"، ساجد جعفر زاده، أنّ المنطقة تواجه توترًا شديدًا في إمدادات المياه، مشيرًا إلى أن قسمًا من مشروع تزويد المياه لم يكتمل بسبب نقص الميزانية.
وكل ذلك يتزامن مع شحّ غير مسبوق في الأمطار، وانخفاض كبير في منسوب السدود والمياه الجوفية، وعدم وجود سياسات فعالة لترشيد الاستهلاك، وهو ما يرسم مستقبلًا مقلقًا لأزمة المياه في البلاد.
وكان وزير الطاقة الإيراني، عباس علي آبادي، قد أعلن، يوم الأربعاء 16 يوليو (تموز) الجاري، أن طهران دخلت في مفاوضات مع 4 دول لاستيراد المياه.
وقال محافظ خراسان الشمالية، بهمن نوري، إن أزمة المياه تضرب قرى "راز" و"جركلان"، واعدًا بتحسين البنية التحتية، رغم أن تنفيذ أي خطة يتطلب مليارات التومانات.
أما النائب عن مدينة كرج في البرلمان الإيراني، علی رضا عباسی، فأكد في لقاء مع مديري شركة المياه الإقليمية بمحافظة البرز، يوم الخميس 17 يوليو، أن "الهجرة الكثيفة وتنفيذ مشاريع مثل نهضة الإسكان الوطنية تزيد من الضغط على مصادر المياه"، مضيفًا أن "كل مشروع مائي يجب أن يُراعى فيه البُعد السكاني والتنموي".
وشدد عباسي على أنه "رغم أن تأمين مياه الشرب له الأولوية، لكن لا ينبغي التضحية بالأمن الغذائي، فليس هناك دولة تتجاهل أمنها الغذائي حتى لو امتلكت وفرة في المياه".
وذكرت صحيفة "هم میهن" الإيرانية، يوم الخميس 17 يوليو، أن العاصمة طهران تشهد ما يُعرف بـ "تقنين غير معلن"، يتمثل في انخفاض ضغط المياه، والانقطاعات الليلية المتكررة، وتوصيات بشراء خزانات ومضخات مياه.
ورغم إعلان شركة المياه والصرف الصحي في طهران أنها لا تنوي قطع المياه رسميًا، فإن مديرها العام صرّح بأن "على المواطنين التفكير في شراء خزانات ومضخات".
وتزايدت الشكاوى من انقطاع المياه ليلاً، وعدم وصولها إلى الطوابق السفلية، مما أثار احتجاجات، خصوصًا في المناطق الجنوبية والهامشية من طهران، مثل "صالحية"، و"بیشوا"، و"نعمت آباد"، و"شهرك شریعتی".
وفي المقابل، لم تواجه المناطق الشمالية من طهران اضطرابات تُذكر، ما عزز شعور "التمييز" بين سكان جنوب العاصمة.
وأشارت "هم میهن"، نقلاً عن خبراء في قطاع المياه، إلى أن استمرار الاستهلاك على الوضع الحالي، وغياب البنية التحتية المناسبة، قد يؤدي إلى تقنين رسمي للمياه خلال الأسابيع المقبلة.
وصرّح المتحدث باسم قطاع المياه، عیسی بزرك زاده، بأن الأمطار خلال العام المائي الحالي انخفضت بنسبة 40 في المائة، مقارنة بالمتوسطات الطويلة الأجل، حيث تم تسجيل فقط 153 ملليمترًا من الأمطار.
وذكرت صحيفة "اطلاعات" أن ارتفاع درجات الحرارة تسبب في تبخر 75 في المائة من الأمطار، مما جعل جزءًا كبيرًا من المياه السطحية غير صالح للاستفادة.
ووفقًا للتقارير، فإنه من أصل نحو 260 مليار متر مكعب من الأمطار السنوية، لا يتجاوز الحجم القابل للاستخدام 85 مليار متر مكعب فقط. كما انخفض حجم الجريان السطحي في البلاد إلى أقل من 45 مليار متر مكعب، كما انخفضت تغذية المياه الجوفية إلى أقل من 40 مليار متر مكعب.
وأشارت الصحيفة إلى أن 55 في المائة من المياه المستهلكة في البلاد تأتي من المصادر الجوفية، والتي وصل العجز التراكمي فيها إلى نحو 145 مليار متر مكعب، وهو ما تسبب في هبوط الأراضي، والتصحر، وأزمات بيئية متزايدة.
أما السدود، فهي في وضع حرج. ففي طهران، لا تتجاوز نسبة امتلاء السدود 14 في المائة، وسد "لتيان" الذي تبلغ سعته 95 مليون متر مكعب، لا يحتوي إلا على 41 مليون متر مكعب فقط.
وحذّر وزير الطاقة، عباس علي آبادي، يوم الأربعاء 16 يوليو الجاري، من احتمال خروج سدود، مثل "ماملو" و"لتيان" و"لار"، من الخدمة قريبًا.
تداعيات الأزمة
إن انقطاع المياه لا يُؤثر فقط على الأسر، بل قد يؤدي إلى تعطيل المنشآت الإنتاجية، مما يزيد من معدلات البطالة.
كما أن أزمة المياه لها تأثيرات اجتماعية واقتصادية خطيرة؛ إذ تؤدي إلى هجرة سكان الريف، وازدياد النزاعات المحلية على الموارد، وانخفاض الإنتاج الزراعي والصناعي.
ويحذر الخبراء منذ سنوات من أن استمرار هذا المسار قد يجعل العيش في أجزاء كثيرة من إيران شبه مستحيل، ويهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
ويمثل جفاف بحيرات مثل "أرومية"، و"زاینده رود"، و"هور العظیم" تهديدًا بيئيًا حقيقيًا.
ويُهدد انخفاض الجريان السطحي التنوع النباتي والحيواني، ويعرّض الأنظمة البيئية الحساسة للانقراض. ومع استمرار هذا الوضع، ستتسارع وتيرة التصحر، وهبوط الأراضي، وانتشار العواصف الترابية.