هجوم دبلوماسي أميركي أوروبي على النظام الإيراني

من أبرز ملامح جلسة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخيرة بشأن الملف النووي الإيراني؛ التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة بقيادة ترامب وثلاث قوى أوروبية هي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. هذا التعاون يتشكل في مواجهة النظام الإيراني.
في تقريرها الشامل ضد النظام الإيراني، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لا تتعاون بالشكل اللازم مع مفتشي الوكالة، مما يجعل من غير الممكن للوكالة أن تؤكد أن برنامج النظام الإيراني النووي ذو طبيعة سلمية.
من الناحية الفنية، وفّر هذا التقرير الأساس اللازم لتصعيد الضغط السياسي الشديد من قِبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث.
وقد صرّح رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة، أن النظام الإيراني يقوم بعمليات تخصيب على مستوى قريب للغاية من المستوى المطلوب لصنع قنبلة نووية.
وأضافت الوكالة أنها غير قادرة على تأكيد سلمية البرنامج النووي للنظام الإيراني لأن إيران لم ترد على الأسئلة المتعلقة ببعض الأنشطة المشبوهة. علاوة على ذلك، هناك دلائل على أن النظام الإيراني، إلى جانب برنامجه النووي العلني، كان يمتلك برنامجًا سريًا آخر لم يكشف عن تفاصيله وأبعاده.
يأتي هذا الوضع في وقت وصلت فيه المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة إلى طريق مسدود، ولم يتبقَ سوى يومين على الموعد النهائي الذي حدده ترامب للتوصل إلى اتفاق.
وقد صرّح النظام الإيراني بأنه يعمل على إعداد مقترح للولايات المتحدة، لم تُكشف تفاصيله بعد. غير أن إسرائيل ترى أن النظام الإيراني يماطل، وأن الوقت المتاح لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي بات ينفد.
وتؤكد إسرائيل أن السبيل لمنع النظام الإيراني من الحصول على سلاح نووي يجب أن يكون إمّا من خلال اتفاق صارم للغاية أو عبر عمل عسكري.
وفي آخر تصريحاته، أبدى رافائيل غروسي تفهّمه لمخاوف إسرائيل بشأن البرنامج النووي الإيراني.
ومن المقرر أن يُطرح خلال اجتماع مجلس المحافظين مشروع قرار ضد النظام الإيراني تقدمت به ألمانيا وفرنسا وبريطانيا للتصويت. وهناك احتمال كبير لاعتماد هذا القرار، ومن المرجح أن تدعمه الولايات المتحدة.
كما أنه من المحتمل أن يحيل مجلس المحافظين خلال هذه الجلسة أو في الجلسة القادمة، الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي حال حدوث ذلك، فإن فرض العقوبات على إيران قد يُستأنف.
من جهة أخرى، ستنتهي الصفة القانونية للاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، مما يزيد من احتمالات تفعيل آلية "العودة السريعة للعقوبات" (آلية الزناد) من قِبل بريطانيا وفرنسا.
واللافت في هذه الآلية هو أن حتى الصين وروسيا، اللتين تُعدّان حليفَين للنظام الإيراني، لا تستطيعان مساعدة طهران في هذا الشأن.
وفي حال إحالة الملف إلى مجلس الأمن، ستُطرح مسألة استمرار الاتفاق النووي واستمرار تعليق العقوبات للتصويت، وإذا امتنعت إحدى الدول الثلاث (بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة) عن التصويت لصالحه أو قامت باستخدام حق النقض (الفيتو)، فإن العقوبات ستُفعَّل تلقائيًا.
وقد أشار بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في آخر مقابلاته إلى هذا الأمر، قائلًا إن الصين وروسيا لا تستطيعان في هذا الشأن تقديم المساعدة لإيران.
ومن النقاط المهمة الأخرى في تصريحات غروسي بشأن البرنامج النووي للنظام الإيراني، قوله إن ما تدعيه إيران بأن الوكالة لا تفتش المنشآت النووية الإسرائيلية ليس صحيحًا، إذ تقوم الوكالة بزيارة أحد المراكز البحثية الإسرائيلية.
وأوضح غروسي أن الوثائق التي يدعي النظام الإيراني الحصول عليها من إسرائيل قد تكون متعلقة بالمركز البحثي نفسه الذي قامت الوكالة بتفتيشه، ولا يوجد هناك أي أمر سري. ويقع هذا المركز البحثي النووي على بُعد 20 كيلومترًا جنوب تل أبيب، وهو مختبر وطني للأبحاث النووية أُسّس عام 1958.
وجاءت تصريحات غروسي ردًا على تصريحات وزير استخبارات النظام الإيراني الأخيرة، الذي قال إن بلاده حصلت على العديد من الوثائق المتعلقة بالبرنامج النووي الإسرائيلي وتعتزم نشرها.
ويأتي هذا الادعاء بعد أن قامت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في عام 2018 بالسطو على مستودع وثائق نووية للنظام الإيراني في جنوب طهران وسرقت أكثر من 55 ألف وثيقة، عرضها نتنياهو لاحقًا.
ومنذ ذلك الحين، يسعى النظام الإيراني إلى إظهار قدرته على تنفيذ عمليات مماثلة. والآن، يقول وزير الاستخبارات إنهم نفذوا عملية مشابهة، غير أنه حتى يتم الكشف عن تفاصيل هذه العملية، لا يمكن الجزم بصحة هذا الادعاء.
ويبقى أن نرى ما الذي يقصده وزير الاستخبارات تحديدًا بهذا "الإنجاز الاستخباراتي الكبير". علمًا بأن الوزير نفسه سبق أن تحدث في مناسبات عديدة عن "إنجازات أمنية واستخباراتية كبيرة" تبيّن لاحقًا عدم صحتها.
فعلى سبيل المثال، خلال مراسم تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان في العام الماضي، تعرّض إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس، الذي كان موجودًا في طهران، لعملية اغتيال في واحد من أكثر الأيام والأماكن تحصينًا.
جاء ذلك في الوقت الذي كان فيه وزير الاستخبارات، إسماعيل خطيب، قد صرّح قبيل الحادث مباشرةً، ردًا على سؤال أحد الصحفيين حول أهم إنجاز له، قائلًا: "تفكيك شبكة التجسس الإسرائيلية في إيران".
لكن، بعد ساعات قليلة فقط من هذا التصريح، تعرّض إسماعيل هنية في طهران للاغتيال.