"الحب الأبدي".. برنامج مواعدة إيراني شهير يتحدّى "القيود الثقافية"

ساهمت القيود الثقافية الصارمة التي يفرضها النظام الإيراني، من دون قصد، في النجاح الكبير الذي حققه برنامج يحمل اسم "الحب الأبدي"؛ وهو برنامج جريء من نوع برامج المواعدة، يتم تصويره في تركيا، وقد وصل إلى بيوت الإيرانيين عبر موقع "يوتيوب".

هذا البرنامج الواقعي، الذي انطلق في أبريل (نيسان) الماضي، يصور مجموعة من الشباب الإيرانيين العازبين في فيلا فاخرة، يتنافسون من أجل الحب والمال. إنتاج وعرض مثل هذه البرامج ممنوع في ظل النظام الإيراني، لكنها تزدهر اليوم خارج الحدود وتحظى بترحيب داخل إيران أيضًا.

وقد شنّ المحافظون انتقادات لاذعة ضد هذا البرنامج. حيث قال الناقد السينمائي مسعود فراستي، المقرب من الدوائر الرسمية: "هذا البرنامج بشع إلى درجة تخجل من مشاهدته. الحب الأبدي إهانة للإيرانيين وللمرأة".

وتم تصوير "الحب الأبدي" في بودروم التركية، وهو مليء بمشاهد من الاختلاط الحر، وشرب الكحول، وملابس الماركات، والتلامس الجسدي بين الشباب والفتيات؛ وهي أمور تخضع لرقابة صارمة في الإعلام الإيراني الرسمي. حتى مشاهد الرقص، أو المشروبات، أو العلاقات العاطفية في حدود ضيقة، كانت سببًا في منع أو رقابة العديد من الأعمال داخل إيران.

مقدمة البرنامج برستو صالحي، ذكرت في بث مباشر عبر "إنستغرام" شركة تدعى "Yapım"، إلا أن هذه الكلمة تعني ببساطة "إنتاج" بالتركية، ولم يُعلن بعد عن اسم الشركة المنتجة الفعلية. لكن وجود ممثلين إيرانيين في تركيا يشير إلى أن شركة تركية متخصصة في برامج الواقع هي التي تنتج هذا العمل.

خطوط حمراء دفعت بالمنتجين إلى الخارج

وتحظر إيران منذ سنوات برامج المواعدة، والقصص العاطفية، والعلاقات خارج الزواج. هذه الخطوط الحمراء أدّت إلى حذف جزء كبير من واقع الحياة اليومية، خصوصًا حياة الشباب، من الإعلام الرسمي.

يوضح مثالان حديثان هذا الواقع:

* مسلسل "تاسيان" عُلّق بسبب مشاهد من الرقص وشرب الكحول.

* اقتباس مرئي لرواية "سوشون" للكاتبة سيمين دانشور حُذف من منصة محلية بعد عرض مشاهد رقص وتلامس جسدي بين النساء والرجال في الحلقة الأولى.

بعض المتابعين يرون أن هذا القمع هو السبب في شعبية "الحب الأبدي". كتب أحد المستخدمين في منصة "X": "عندما يتم حظر مسلسل بسبب ثوانٍ من الرقص، يتجه الناس لمشاهدة "الحب الأبدي"، حيث لا توجد رقابة على الأقل".

صحيفة "فراز" الإلكترونية كتبت تحت عنوان: "من حظر سوشون إلى صعود الحب الأبدي؛ الرقابة في عصر الاختيار": "الحظر المفاجئ لمسلسل سوشون في وقت تزايد فيه شعبية الحب الأبدي بشكل لا يمكن إنكاره على يوتيوب، فرصة لفهم الطريقة التي يتعامل بها النظام الرسمي مع الموضوعات الاجتماعية والعاطفية والثقافية".

ويضيف التقرير: "المتلقي اليوم لم يعد ينتظر مصادقة الهيئات الرقابية؛ إنه يختار ما يريده، ويتابعه في بيئة تنسجم مع لغة وإيقاع واقعه الاجتماعي. في مثل هذه الظروف، تصبح الرقابة أحيانًا وسيلة جذب غير مقصودة، بل وحتى دعاية غير مباشرة. ربما آن الأوان لنبدأ نقاشًا حقيقيًا حول وظيفة الإعلام في العصر الرقمي، نقاش يعترف بالمشاهد كفاعل نشط، لا مجرد موضوع للرقابة".

مخاوف وإشادات

مع ذلك، يحذّر بعض المحللين من العواقب الثقافية لهذه الظاهرة. قال علي رضا شريفي يزدي، عالم اجتماع، لصحيفة "همشهري": "الحب الأبدي على يوتيوب ضرب مجددًا نقاط الضعف في البناء الثقافي الإيراني، وركب موجة من الوهم ليعرض نفسه على المنصات الاجتماعية".

في المقابل، يرى بعض المتابعين المسألة بنظرة أكثر ليونة. كتب أحد مستخدمي "إنستغرام": "ربما يكون سطحيًا، لكنه على الأقل يُظهر شيئًا موجودًا فعلاً في المجتمع، شيئًا لا يجرؤ أحد على الحديث عنه".

الإعلام الرسمي صامت... لكن الناس لا يصمتون

رغم صمت الإعلام الرسمي، فقد انتشر "الحب الأبدي" بسرعة كبيرة. في الأسابيع الأولى فقط، تصدّر قائمة البرامج الفارسية الأكثر مشاهدة على يوتيوب.

برستو صالحي، التي كانت سابقًا وجهًا معروفًا في التلفزيون الإيراني الرسمي، قالت في بث مباشر: "عندما تقمع شيئًا، يرغب الناس أكثر في مشاهدته".

وأضافت: "ليست لي علاقة بهيكل البرنامج أو باختيار المشاركين. أنا فقط أظهر وأتحدث. لست أخصائية نفسية، فقط أُكثِر من الكلام".

لكن الانتقادات لم تتوقف. الممثلة شهره سلطاني اعتبرت اسم البرنامج إهانة لمعنى الحب، وقالت في إشارة إلى شخصيات أدبية كلاسيكية مثل ليلى ومجنون: "تسمية هذا العرض بـالحب الأبدي إهانة للقيمة السامية للحب".

صحيفة "فرهیخكان" كتبت تحت عنوان "حب من الوحل": "الحب الأبدي يبدو ظاهريًا كمنصة للتعارف والحوار بين الشباب، لكنه في الحقيقة ليس سوى ابتذال مغلف ببريق زائف. أجواء البرنامج ليست ساحة لحوار صادق وعميق، بل منافسة من أجل الظهور وجذب الانتباه".

كما قالت مجلة "كزارش 24" في افتتاحيتها: "الحب الأبدي يروّج في قالب سطحي ومبتذل لقيم تتعارض مع الأعراف الثقافية والتقاليد الإيرانية، وله تأثير سلبي على سلوك الشباب ومواقفهم. ومع ذلك، فإن عدد المشاهدات بالملايين والنمو السريع لحسابات البرنامج يُظهران أن هذا النوع من المحتوى، رغم سلبياته، قد استقطب اهتمامًا واسعًا".

حتى 3 يونيو (حزيران) الجاري، تم نشر 27 حلقة من "الحب الأبدي" على يوتيوب. الحلقة الأولى حصدت حوالي 7 ملايين مشاهدة، والحلقات الأخرى تراوحت بين 3 إلى 4.5 ملايين مشاهدة.

على يوتيوب، تبلغ الأرباح لكل ألف مشاهدة (CPM) ما بين 2 إلى 12 دولارًا، لكن نظرًا لأن عددًا كبيرًا من المستخدمين يدخلون من إيران عبر VPN، فإن العوائد تكون أقل بسبب ضعف استهداف الإعلانات وتراجع ثقة الشركات.

وبعد اقتطاع "يوتيوب" 45 في المائة من الأرباح، يتبقى للمنتجين حوالي 55 في المائة. وتشير التقديرات المتحفظة إلى أن الدخل الإجمالي للبرنامج من يوتيوب يتراوح بين 210,000 إلى 520,000 دولار؛ وهو رقم أدنى بكثير من التخمينات غير المستندة لمصادر التي تتحدث عن مليون دولار.

مرآة لجيل مقموع

في النهاية، الحب الأبدي – رغم ما يقال عن سطحيته – يقدّم، بحسب بعض المنتقدين، شيئًا يعكس جزءًا من الواقع المعاش لجيل تربى تحت وطأة الرقابة؛ حتى وإن كان ذلك بطريقة مبالغ فيها واستعراضية.

هذا المحتوى لا يمثل فقط تهديدًا للنظام الرسمي، بل يشكل مرآة لجيل تم تجاهله.

كتب أحد مستخدمي "إكس": "هناك رغبة كبيرة في تصوير الواقع، وإذا لم يكن بالإمكان إنتاج هذه البرامج داخل إيران، فسيتم إنتاجها في الخارج".

يبقى السؤال ما إذا كان الحب الأبدي انعكاسًا لواقع اجتماعي أم مجرد عرض تسويقي للترفيه، لكن صعوده بلا شك يعكس تحولًا كبيرًا.

ففي محاولته لإسكات روايات عن الحب وأنماط الحياة، لم يقم نظام الجمهورية الإسلامية بإلغائها، بل خسرها لصالح برامج يتم تصويرها في الخارج بدعم مالي غامض، وتشق طريقها إلى البيوت الإيرانية عبر "VPN".