وقال نعمتي يوم الخميس 11 ديسمبر (كانون الأول): "نحن ملتزمون بقيمنا الأخلاقية والدينية، وحتى لو كان بإمكاننا في عملية ما إلحاق خسائر غير متوقعة بالعدو، فإن هذه القيم لا تسمح لنا بذلك".
وردّ الباحث الأول في شؤون الدفاع والأمن، فرزين نديمي، على تصريحات نعمتي في منشور على منصة "إكس"، قائلاً: "هذا الادعاء غير صحيح. هذا النظام سعى دائمًا إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وحاول على مدى عقود إخفاء هذه الأنشطة خلف أقنعة إنسانية أو دينية".
وأضاف: "هذه مقولات يكررها باستمرار مؤيدو النظام ومنظّروه لتبرير استمرار البرنامج النووي الإيراني، وللتقليل من المخاوف الدولية بشأن أبعاده العسكرية المحتملة".
السعي لامتلاك القنبلة النووية والتهديد بالانسحاب من "NPT"
بحسب وسائل الإعلام الرسمية في إيران، فقد طالب ما لا يقل عن 70 نائبًا في البرلمان، في رسالة وقّعوها في 22 سبتمبر (أيلول)، بإنتاج سلاح نووي. وقالوا إن فتوى المرشد الإيراني، علي خامنئي، تُجيز تصنيع السلاح النووي، لكنها تحرّم استخدامه.
وفي 6 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أنه على الرغم من الضربات الإسرائيلية والأميركية، التي استهدفت منشآت نووية في إيران، فإنها لا تزال تمتلك ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب والمعرفة التقنية اللازمة لصناعة سلاح نووي، ويمكنها إنتاج عدة قنابل نووية في المستقبل القريب.
وقال مصدران دبلوماسيان غربيان لـ "إيران إنترناشيونال" في 31 يوليو (تموز) الماضي، إن مسؤولي النظام الإيراني هددوا، خلال اجتماع في إسطنبول مع ممثلين عن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) في حال تفعيل "آلية الزناد".
ورغم أن هذا التهديد لم يُنفَّذ حتى الآن، فإن مجرد التلويح بإنهاء التزام النظام الإيراني بعدم تصنيع السلاح النووي يعني الاستعداد، ووجود أفق لصناعة سلاح لا وظيفة له سوى القتل الجماعي.
ولا يقتصر سجل النظام الإيراني في السعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل على تخصيب اليورانيوم بمستويات مرتفعة لا استخدام لها سوى تصنيع السلاح النووي.
فبالرجوع إلى أرشيف وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية، يتضح أن محاولات النظام الإيراني لامتلاك أسلحة الدمار الشامل شكّلت عناوين إخبارية متكررة على مدى عقود.
فقد نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، في 10 مايو (أيار) 2021، مقتطفات من تقرير أمني صادر عن ولاية شليسفيغ- هولشتاين الألمانية.
وذكر التقرير، أن النظام الإيراني يواصل مساعيه في أوروبا، ولا سيما في ألمانيا، للحصول على تقنيات مرتبطة بأسلحة الدمار الشامل، ويُخفي هذه الأنشطة عبر شركات واجهة، ووسطاء، وشبكات غير قانونية، ونقل البضائع عبر دول ثالثة.
كما حذّرت هيئة حماية الدستور في ولاية بافاريا الألمانية، في تقرير مفصّل نُشر في 29 مايو 2019، من التهديد الأمني الذي يمثله النظام الإيراني، مشيرة إلى تصميمه على تطوير ترسانته الصاروخية التقليدية بالتوازي مع برامج مرتبطة بأسلحة الدمار الشامل.
إمكانية تصنيع أسلحة بيولوجية
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في تقرير صدر عام 2005، أن طهران بدأت العمل على أسلحة بيولوجية هجومية خلال الحرب مع العراق.
وبحسب التقرير، فإن صناعة التكنولوجيا الحيوية والطب الحيوي في إيران "قادرة بسهولة على إخفاء قدرات إنتاج مخبرية وحتى صناعية لبرنامج محتمل للأسلحة البيولوجية، كما تتيح إخفاء عمليات الحصول على المعدات المرتبطة بذلك".
وأشار التقرير إلى خطاب ألقاه الرئيس الإيراني الأسبق، أكبر هاشمي رفسنجاني، في خريف عام 1988، قال فيه: "علينا أن نجهّز أنفسنا بالكامل لاستخدام الأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية والإشعاعية، سواء لأغراض هجومية أو دفاعية. ومن الآن فصاعدًا، يجب عليكم استغلال الفرصة والقيام بهذا الواجب".
وكان رفسنجاني آنذاك نائب القائد العام للقوات المسلحة ورئيس البرلمان الإيراني.
وأضاف تقرير وزارة الخارجية الأميركية أن "المعلومات المتوفرة حول أنشطة إيران تشير إلى برنامج هجومي آخذ في النضوج ويتطور بسرعة، وقد يشمل قريبًا قدرات إيصال هذه الأسلحة بوسائل متعددة".
شراء مواد أولية للأسلحة الكيميائية
وبحسب تقييم لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، كان النظام الإيراني في أوائل العقد الأول من الألفية الثالثة يعمل بنشاط على توسيع برنامجه للأسلحة الكيميائية، وتلقى لهذا الغرض تكنولوجيا ومعدات وتدريبًا من روسيا والصين.
وأوضح التقرير أن النظام الإيراني استخدم شبكات شراء وهمية للحصول على المواد والمعدات اللازمة لإنتاج غازات الأعصاب وغيرها من العوامل الكيميائية القاتلة.
وخلصت الوكالة إلى أن طهران تمتلك القدرة على إنتاج هذه الأسلحة، ومن المرجح أنها أنتجت وخزّنت كميات منها.
وفي مثال آخر، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، في 27 يونيو (حزيران) 1989، عن مسؤولين أميركيين قولهم: "إن شركة ألمانية مقرها دوسلدورف توسطت في بيع مئات الأطنان من المواد الكيميائية القابلة للاستخدام في إنتاج غاز الخردل لإيران، ولم يكن قد جرى تسليم جزء كبير من هذه الشحنة بعد، فيما كان من المقرر تأمين جزء منها من الهند".
وأعلنت واشنطن حينها أن سعيد كريم علي سبحاني، الدبلوماسي الإيراني في مدينة بون الألمانية، كان منسّق عمليات الشراء السرية لهذه المواد لصالح طهران. وطالبت الولايات المتحدة برلين بطرده، فيما قالت السلطات الألمانية إنها طلبت من طهران "استدعاءه".
وبحسب بعض التقارير، كان سبحاني قد لعب دورًا سابقًا أيضًا في نقل مواد تُستخدم في تصنيع غاز الخردل.
هل يعارض النظام الإيراني تعريض حياة المدنيين للخطر؟
توجد أمثلة لا تُحصى تفنّد تصريحات نائب قائد القوات البرية في الجيش الإيراني بشأن معارضة النظام الإيراني لتعريض حياة المدنيين للخطر في ساحات القتال، ومنها:
حرب الـ 12 يومًا والعقيدة الصاروخية
أفادت مجلة "ذا هيل" الأميركية، عبر تقرير نُشر في يوليو الماضي، بأن البرنامج الصاروخي لطهران صُمّم على نحو لا يهدف إلى امتلاك "سلاح كبير" واحد أو اثنين فقط، بل إلى تمكين آلاف الصواريخ من الإطلاق المتزامن لإغراق أنظمة الدفاع المعقّدة، والوصول من حيث القدرة التدميرية إلى مستوى قريب من قوة الأسلحة النووية.
وفي السياق ذاته، كتب المعهد الإيطالي للدراسات الدولية والسياسية: "إن أحد العناصر الأساسية في العقيدة الصاروخية لإيران هو الإغراق الكثيف؛ أي إنتاج وتكديس أعداد كبيرة من الصواريخ؛ لتمكينها من الضغط على أنظمة الدفاع المعادية عبر الحجم والعدد”.
وأضاف المعهد: "رغم أن الصواريخ الفردية لا تعادل القنبلة النووية من حيث القوة، فإن الهجوم المتزامن بمئات الصواريخ يمكن أن يُحدث أثرًا رمزيًا وتدميريًا بالغًا، يُقارن في بعض السيناريوهات بتأثيرات قريبة من الأسلحة النووية”.
وخلال "حرب الـ 12 يومًا، أطلق النظام الإيراني أكثر من 500 صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل، إضافة إلى استخدام أكثر من ألف طائرة مُسيّرة انتحارية.
وأفادت بعض المصادر بإصابة ما لا يقل عن 50 صاروخًا أهدافًا داخل إسرائيل.
وبحسب التقارير الرسمية، فقد قُتل، خلال تلك الحرب، 31 مدنيًا إسرائيليًا وجندي واحد أثناء الخدمة.
وخلال هذه الفترة، نُشرت صور متعددة لإصابة صواريخ النظام الإيراني مناطق سكنية داخل إسرائيل، وهو ما كان يمكن أن يؤدي، في حال غياب الملاجئ وأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأميركية وحلفائهما، إلى ارتفاع كبير في أعداد الضحايا المدنيين.
وفي مايو 2024، شنّ النظام الإيراني للمرة الأولى هجومًا مباشرًا، أطلق خلاله أكثر من 300 طائرة مسيّرة وصاروخ باتجاه إسرائيل.
وبحسب التقارير الرسمية، كانت الضحية الوحيدة، التي أصيبت بجروح خطيرة في تلك الهجمات فتاة بدوية في السابعة من عمرها تُدعى آمنة حسونة. وقال والدها إن شظية من صاروخ اعتراضي، وبسبب غياب الملاجئ، أصابت خيمتهم وتسببت لها بإصابة خطيرة في الرأس. كما خضع 31 شخصًا آخرين للعلاج بسبب الصدمة أو إصابات طفيفة.
الطائرات المُسيّرة الانتحارية والمدنيون الأوكرانيون
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، استخدم الجيش الروسي مرارًا طائرات مُسيّرة انتحارية إيرانية الصنع، مثل "شاهد-136" و"شاهد-131"، لاستهداف مدن أوكرانية.
وقد استُخدمت هذه الطائرات لمهاجمة مناطق سكنية وبنى تحتية مدنية في مدن مثل: كييف، وأوديسا، وخاركيف، وريجيشيف، ودنيبرو.
وفي هجوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 على كييف، قُتل أربعة مدنيين، من بينهم امرأة حامل. وفي مارس (آذار) 2024، أدى هجوم على أوديسا إلى مقتل 12 شخصًا، من بينهم خمسة أطفال.
كما أُبلغ عن حالات عديدة استُهدفت فيها مبانٍ تعليمية وسكنية، وسقط مدنيون، ولا سيما أطفال، ضحايا لهذه الهجمات.
مدنيّو أربيل
فجر الثلاثاء 16 يناير (كانون الثاني) 2024، أطلق الحرس الثوري الإيراني 11 صاروخًا على أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق.
وبحسب مصادر عراقية وكردية، فقد قُتل في الهجوم أربعة أشخاص، بينهم تاجران، هما بيشرو ديزايي وكرم ميخائيل، ونجل "ديزايي"، الطفل البالغ 11 شهرًا، وامرأة فلبينية كانت في المنزل.
ورغم إعلان الحرس الثوري أنه استهدف "مقرًا تجسسيًا للموساد الإسرائيلي" في الإقليم، فإن المسؤولين العراقيين نفوا ذلك، وأكدوا أن الهدف كان "منزلاً عائليًا لتاجر عراقي".
وبحسب "إيران إنترناشيونال"، فقد استهدف الحرس الثوري في أكتوبر 2022 أيضًا عدة مقار لجماعات كردية معارضة للنظام الإيراني في العراق باستخدام الصواريخ والطائرات المُسيّرة، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 17 شخصًا وإصابة أكثر من 50 آخرين.
وكان من بين الضحايا رضيع أُخرج بعملية جراحية من رحم والدته بعد مقتلها، لكنه تُوفيّ بعد 24 ساعة. كما استهدف الحرس الثوري مدرسة خلال تلك العمليات، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين.
قتل المدنيين في سوريا
منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، تأكد حضور قوات النظام الإيراني إلى جانب الجيش السوري، وفقًا لإقرارات رسمية إيرانية وتقارير دولية.
وقد برر النظام الإيراني هذا الحضور في دعايته الرسمية بـ "الدفاع عن المراقد"، وسعى من خلال إثارة المشاعر الدينية إلى إضفاء الشرعية على دوره في سوريا.
وتتهم تقارير دولية عديدة النظام الإيراني والقوات التابعة له بارتكاب جرائم حرب وعمليات قتل واسعة بحق المدنيين في سوريا.
وفي فبراير (شباط) 2022، أفادت صحيفة "الغارديان" البريطانية بأن مركز توثيق حقوق الإنسان في إيران، ومقره الولايات المتحدة، وبالتعاون مع المحامية الحقوقية في بريطانيا، هايدي دايكستال، قدم طلبًا إلى المحكمة الجنائية الدولية لبدء تحقيقات أولية بشأن دور النظام الإيراني والقوات التابعة له في جرائم الحرب بسوريا.
وبحسب نتائج دراسة نُشرت في تقرير "بوليسي بريف" عام 2024، فإن نظام الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، إلى جانب حليفه النظام الإيراني، يتحملان المسؤولية عن نحو 87 في المائة من وفيات المدنيين في الحرب السورية.
ووفقًا لآخر بيانات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، بلغ العدد الإجمالي لقتلى الحرب السورية حتى أوائل عام 2025 نحو 617 ألفًا و910 أشخاص.
كما تشير تقديرات مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 306 آلاف و887 مدنيًا قُتلوا بين عامي 2011 و2021.
مجزرة "داريا"
وبحسب تقرير أعدّه باحثون سوريون وسوريون- بريطانيون بدعم من "الكونسورتيوم السوري- البريطاني"، ونشرته صحيفة "الغارديان"، فإن قوات النظام الإيراني وحزب الله اللبناني شاركت في مجزرة "داريا"، التي وقعت قبل 13 عامًا في سوريا.
وتمكن معدّو التقرير من التعرف على القوات التابعة للنظام الإيراني وحزب الله من خلال الزي العسكري والشارات والأسلحة.
وبحسب التقرير، قُتل ما لا يقل عن 700 شخص جراء هجوم شنّته قوات موالية للأسد وحلفاؤها في "داريا".
قتل المدنيين داخل البلاد
في الوقت الذي يؤكد فيه نائب قائد القوات البرية في الجيش معارضة النظام الإيراني "لتعريض حياة المدنيين للخطر في الحرب"، يقول نديمي إن "القوات التابعة للنظام استهدفت مرارًا وجوه متظاهرين عُزّل، غالبًا من الشبان والفتيات، بأسلحة خرطوش من مسافات قريبة في الشوارع”.
ودعت منظمة حقوق الإنسان "كارون"، في الذكرى السادسة لقمع احتجاجات نوفمبر "الدامي" 2019 ومجزرة المستنقعات، إلى تشكيل فوري للجنة تحقيق دولية مستقلة للنظر في هذه الأحداث، وطالبت المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات عاجلة لوضع حد لدائرة القمع والعنف والإفلات المنهجي من العقاب في النظام الإيراني.
وفي نوفمبر 2019، أدت الزيادة المفاجئة في أسعار الوقود إلى اندلاع احتجاجات في أنحاء إيران. وبحسب منظمة العفو الدولية، قُتل خلال أربعة أيام فقط، من 15 إلى 19 نوفمبر، ما لا يقل عن 321 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، على يد القوات الأمنية.
وذكرت منظمة حقوق الإنسان "كارون" أن القمع بلغ ذروته في ماهشهر، حيث حاصرت قوات الحرس الثوري والأجهزة الأمنية المنطقة، وطاردت المتظاهرين وأطلقت النار عليهم بنية القتل داخل المستنقعات.
وبحسب التقرير، قُتل في هذه المنطقة ما بين 40 و150 شخصًا. ولم تُسلَّم بعض الجثث إلى العائلات، ودُفن بعضها سرًا، وتعرّضت عائلات كثيرة لتهديدات استمرت شهورًا.
ويبقى السؤال: "كيف يمكن تصديق ادعاءات النظام الإيراني بشأن عدم إيذاء المدنيين غير الإيرانيين، في حين أن إعدام آلاف السجناء والنشطاء السياسيين، وقمع وقتل المتظاهرين السياسيين والمدنيين على نطاق واسع، شكّل جزءًا لا يتجزأ من سياسته داخل البلاد على مدى أربعة عقود؟".