منظمة مراسلون بلا حدود: إيران سابع أكبر سجن للصحافيين في العالم

وفقًا للتقرير السنوي الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، تُصنَّف إيران ضمن الدول التي تضم أعلى أعداد من الصحفيين المحتجزين، إذ يوجد فيها 21 صحفيًا سجينًا وصحفي واحد مختفٍ قسريًا.

وفقًا للتقرير السنوي الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، تُصنَّف إيران ضمن الدول التي تضم أعلى أعداد من الصحفيين المحتجزين، إذ يوجد فيها 21 صحفيًا سجينًا وصحفي واحد مختفٍ قسريًا.
وبعد الدول الثلاث: الصين وروسيا وميانمار، التي تتصدر قائمة الدول الحائزة على أكبر عدد من الصحافيين المعتقلين، تأتي بيلاروسيا وفيتنام وجمهورية أذربيجان وإيران على الترتيب في المراتب التالية.
ووصف ثيبوه بروتن، المدير العام لمراسلين بلا حدود، بالتزامن مع نشر التقرير السنوي لهذه المؤسسة يوم الثلاثاء 9 ديسمبر، "الجرائم ضد الصحافيين" بأنها ناجمة عن "تمتع الحكومات بالحصانة من العقاب".
وأضاف: "فشل المنظمات الدولية في ضمان حق حماية الصحافيين في النزاعات المسلحة هو نتيجة انخفاض شجاعة الحكومات في العالم التي يجب أن تطبق سياسات عامة داعمة."
ويتضمن التقرير الجديد لمراسلين بلا حدود أقساماً مخصصة للصحافيين الذين يعملون في مناطق الحرب، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا والسودان وسوريا.
وتحذر المنظمة من أن هذه البيئات أصبحت بشكل متزايد أكثر فتكاً.
وبحسب التقرير، فإن نحو 43% من الصحافيين الذين قُتلوا خلال الأشهر الـ12 الماضية، لقوا حتفهم في غزة على يد القوات المسلحة الإسرائيلية.
وأكد التقرير أيضاً أن الجيش الروسي في أوكرانيا يواصل استهداف الصحافيين الأجانب والأوكرانيين.
كما صُنّف السودان أحد أكثر مناطق النزاعات دموية على الصحافيين والنشطاء الإعلاميين.
الصحافيون المهاجرون
وضعت منظمة مراسلون بلا حدود إيران ضمن قائمة الدول العشر التي تضم أكبر عدد من الصحافيين المنفيين. وتشمل الدول الأخرى في القائمة: أفغانستان وروسيا والسودان وبيلاروسيا وميانمار والسلفادور وقرغيزستان، وتأتي إيران في المرتبة الرابعة من حيث عدد الصحافيين في المنفى.
وجاء في التقرير: "من بين أكثر من 40 مؤسسة إعلامية قدّم مكتب المساعدات التابع للمنظمة الدعم لها خلال الأشهر الـ12 الماضية، هناك 19 مؤسسة تعود لهيئات تحريرية من أفغانستان وروسيا والسودان وإيران وبيلاروسيا وميانمار والسلفادور وقرغيزستان، وتواصل نشاطها الإعلامي في المنفى."
أكثر من نصف الصحافيين الذين تقدّموا بطلب للحصول على مساعدات طارئة من مراسلين بلا حدود في عام 2025 ينتمون إلى 44 دولة مختلفة اضطروا لمغادرتها.
ويخلص التقرير في نهايته إلى أن "عام 2025 سيظل في الذاكرة باعتباره العام الذي تلاشت فيه حرية الصحافة أمام أعيننا."
وطالبت مراسلون بلا حدود بفرض عقوبات محددة على المسؤولين والهيئات التي تشرف على مراقبة وقمع واعتقال الصحافيين.
ماذا يجري في إيران؟
بعد الاحتجاجات الواسعة في عام 2022 في إيران، التي اشتهرت باسم انتفاضة جينا وشكّلت حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، ازداد قمع وسائل الإعلام بشكل أكبر .
ويستمر القمع الاجتماعي وفرض القيود الواسعة على الصحافيين، خصوصاً بعد الحرب الـ12 يوماً التي خاضتها أميركا وإسرائيل ضد إيران، دون ظهور أي مؤشر على انفراج أو تراجع في مستوى القمع.
ودعا خبراء الأمم المتحدة إيران إلى وقف القمع بعد وقف إطلاق النار، محذرين: "يجب ألا تُستغل الظروف التي أعقبت الحرب كفرصة لإسكات الأصوات المعارضة وزيادة القمع."
وخلال العام الماضي، وبعد أحداث مثل الانفجار في ميناء رجائي، والحرب الـ12 يوماً، وتفعيل آلية الزناد ضد إيران، تم استجواب العديد من الصحافيين بسبب نشرهم محتوى على شبكات التواصل الاجتماعي من قبل جهات أمنية عدة، خصوصاً وزارة الاستخبارات ومنظمة استخبارات الحرس الثوري.
في 23 أكتوبر، أفادت صحيفة "هممیهن" باستدعاء عدد من صحافييها إلى منظمة استخبارات الحرس الثوري. وذكرت الصحيفة بعد انتهاء الحرب الـ12 يوماً أن نحو 150 صحافياً فقدوا وظائفهم.
وفي أواخر سبتمبر، أعلن مدعي عام طهران رفع دعوى قضائية ضد المدير المسؤول والقائمين على إعداد تقرير بشأن زيادة أعداد المواليد الذين يولدون باختلالات كروموزومية.
وأصدرت وزارة الصحة والعلاج والتعليم الطبي، بعد نشر هذا التقرير، بياناً أكدت فيه أهمية قانون "دعم الأسرة والشباب" الذي حدّ من إمكانية إجراء الفحوصات للنساء الحوامل، واعتبرت الأرقام المنشورة في تقرير صحيفة "شرق" غير صحيحة.
كما أُعلن يوم أمس (8 ديسمبر)، وبعد نشر تصريحات إسماعيل كهرم، الخبير والناشط البيئي، حول تأثير حرق المازوت على تلوث الهواء، عن رفع دعوى قضائية ضد كهرم ومدير موقع "جماران".
وقد قارن كهرم في أجزاء من حديثه تكلفة تصنيع الصواريخ بالتكاليف اللازمة لحماية البيئة، وقال إنه إذا كانت صحة المواطنين مهمة للمسؤولين، يمكن من خلال ثمن 10 صواريخ جعل المازوت مطابقاً للمعايير البيئية.
يذكر أن سارمانلو، الصحافي ورئيس تحرير مجلة "بجوهش" الدولية، ورضا وليزاده، الصحافي السابق في "راديو فردا"، ومصطفى نعمتي، الصحافي من مدينة آبدانان، من بين الصحافيين المعتقلين في إيران.
هذا وقد نشرت نقابة الصحافيين في محافظة طهران،في 3 نوفمبر، بياناً حذرت فيه من موجة جديدة من التضييق على وسائل الإعلام، ووصفت الوضع بأنه "مقلق".


كشفت نتائج بحث جديد حول تجارب الموظفات في إحدى الجامعات الحكومية الإيرانية أن النساء العاملات، رغم ارتفاع مؤهلاتهن الدراسية، ما زلن يواجهن ظاهرة "السقف الزجاجي" والتمييز الخفي في مسار ارتقائهن الوظيفي.
وقد تناول حسن رضا يوسفوند وعظيمة السادات عبد اللهي، عضوا الهيئة العلمية في قسم علم الاجتماع بجامعة "بیام نور" في طهران، عبري هذا البحث، ظاهرة السقف الزجاجي والعوائق، التي تحول دون ارتقاء النساء مهنيًا في البيئات الأكاديمية، رغم امتلاكهن الخبرة والشهادات نفسها، التي يمتلكها زملاؤهن الرجال.
ويُعرَّف "السقف الزجاجي" بأنه حاجز غير مرئي يقيّد مسار ارتقاء النساء، ويتجلّى عبر معايير خفية في التعيينات وشبكات غير رسمية للنفوذ، وهي عملية تمنع النساء بشكل بنيوي وغير محسوس من الوصول إلى المناصب الإدارية.
وهذا البحث، الذي نُشر في العدد الأخير من مجلة "البحوث الاستراتيجية في القضايا الاجتماعية"، أُنجز اعتمادًا على مقابلات مع موظفات في الهيكل الإداري لجامعة "بیام نور" أصفهان.
المعايير الخفية والشبكات الذكورية غير الرسمية
ذكرت النساء المشاركات في هذا البحث أن "المعايير الخفية في التعيينات" تُعد من أبرز تجليات ظاهرة السقف الزجاجي؛ وهي مؤشرات تتضمن توقعات غير معلنة، مثل البقاء بعد ساعات الدوام أو المشاركة في الاجتماعات غير الرسمية، وهي أمور تصب عمليًا في مصلحة الرجال.
وقالت إحدى المشاركات إنه "على الرغم من أن كل شيء يبدو في الظاهر قائمًا على الاستحقاق، فإن هناك في الواقع معايير أخرى غير مكتوبة؛ مثل القدرة على الحضور في الاجتماعات بعد ساعات الدوام الإداري".
الأنماط الجندرية السائدة وتهميش إنجازات النساء
تشير نتائج البحث إلى أن الأنماط الجاهزة حول "الوظائف النسائية" و"الوظائف الرجالية" ما زالت تلعب دورًا بارزًا في تقسيم المهام الإدارية، ويتم غالبًا النظر إلى النساء على أنهن الأنسب للأعمال الرعائية والداعمة.
ويرى الباحثان أن هذا النهج "يعيد إنتاج الأنماط الجندرية السائدة ويُقصر النساء على مهام (نسائية)، بينما يُعفى الرجال من هذه التوقعات".
ونقلت إحدى الموظفات تجربتها بالقول: "أنا موظفة في العلاقات العامة؛ لكن المثير أنه كلما كان هناك ضيف أو اجتماع، يُتوقع مني القيام بالضيافة وترتيب الغرفة؛ بينما لا يُنتظر ذلك من الزملاء الرجال الذين هم في المنصب نفسه".
ويذكر البحث أن النساء يُتوقع منهن أن يكنّ "داعِمات ولطيفات"، بينما يُنتظر من الرجال "الحزم" و"تحمل المخاطر"؛ وهي عملية تُقصي النساء تلقائيًا من مواقع القيادة الرسمية.
وفي الوقت نفسه، تُهمَّش إنجازات النساء المهنية بشكل غير محسوس؛ فغالبًا ما تُنسب نجاحاتهن إلى "الحظ" أو "العلاقات"، في حين يُنظر إلى الأداء نفسه من جانب الرجال على أنه دليل على "الكفاءة" و"الاستحقاق".
العبء المزدوج بين العمل والأسرة واستنزاف دافعية النساء
تحدثت الموظفات في هذا البحث عن العبء المزدوج للمهام الوظيفية والمسؤوليات الأسرية؛ من ساعات العمل الصارمة إلى غياب إمكانية العمل عن بعد وغياب الخدمات الداعمة، مثل دور الحضانة.
ويقول الباحثان إن بعض المديرين يمنعون ترقية الموظفات بالإشارة إلى دورهن كأمهات، وإيصال رسالة مفادها أن الأسرة يجب أن تكون "أولويتهن".
وبحسب نتائج البحث، فإن أثر هذه الظروف لا يقتصر على إبطاء ارتقاء النساء الوظيفي؛ بل يؤدي إلى "تآكل تدريجي في الدافعية والثقة بالنفس"، ويعزز مشاعر عدم الكفاءة والشك في القدرات.
ضرورة إصلاح الهياكل التنظيمية والثقافية والنفسية
يؤكد الباحثان أن تحقيق المساواة يمر عبر تغيير السياسات البنيوية والثقافية، لا عبر الاعتماد على الجهد الفردي للنساء فقط.
والخطوة الأولى في هذا المسار هي توضيح معايير التعيين والترقية؛ أي أن تُعلن المؤسسات بوضوح الشروط والنقاط والخبرة المطلوبة لكل منصب إداري، وأن تُطبّق هذه المعايير على النساء والرجال بشكل متساوٍ.
ويؤكد البحث ضرورة إصلاح إجراءات التعيين، ودعم التوازن بين المهام الوظيفية والأسرية، وتوفير التدريب على الوعي الجندري.
وبعبارة أخرى، ما دام التعيين يتم بناءً على العلاقات غير الرسمية، وأهواء المديرين الأعلى رتبة، أو المشاركة في دوائر محدودة، ستستمر اللامساواة في مسار الارتقاء الوظيفي للنساء.
كما اعتبر الباحثان أن تطبيق "سياسات مرنة" أمر ضروري؛ مثل إمكانية العمل عن بعد في ظروف معينة، وتوفير خدمات رعاية الأطفال داخل مكان العمل أو بالقرب منه.
والمحور المهم التالي في هذا الطريق هو تدريب المديرين والموظفين على "الوعي الجندري". وتشير نتائج البحث إلى أن كثيرًا من الأنماط والأحكام السلبية حول النساء والأمهات العاملات راسخة في أذهان المديرين والزملاء باعتبارها "معتقدات طبيعية".
واستندت هذه النتائج إلى روايات 13 امرأة يعملن في أقسام مختلفة داخل الإدارة في جامعة "بيام نور" أصفهان.
ويقول الباحثان إن تجارب هؤلاء النساء تعكس الظروف السائدة في جزء كبير من المؤسسات الأكاديمية في إيران؛ فطالما ظل السقف الزجاجي والتمييز الخفي جزءًا من الثقافة التنظيمية، سيبقى مسار الارتقاء الوظيفي المتساوي للنساء مسدودًا.

يبدو أن أهم هدف لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في زيارته المقبلة إلى واشنطن، هو انتزاع الضوء الأخضر من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للمضي قدمًا في "عمله غير المنجز"، أي التدمير الكامل لقدرات النظام الإيراني، وفي النهاية إسقاط النظام نفسه، وصياغة شرق أوسط جديد.
ومنذ عودة ترامب إلى السلطة، أصبح التعاون بينه وبين إسرائيل ضد إيران والقوى التابعة لهه وثيقًا؛ إلى درجة أن نتنياهو كرّر مرارًا أن إسرائيل لم تحظَ أبدًا بصديق مثل ترامب في البيت الأبيض. إن توليفة ترامب- نتنياهو تُعدّ كابوسًا للمرشد الإيراني، علي خامنئي.
وتنشر وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الأيام تقارير واسعة حول الزيارة المرتقبة لنتنياهو إلى أميركا ولقائه الخامس بترامب، منذ عودة الأخير إلى السلطة. ويبدو أن نتنياهو يسعى خلال هذه الزيارة للحصول على موافقة لعدة عمليات عسكرية مهمة: أولًا، الهجوم على حزب الله في لبنان، الذي ترى إسرائيل أنه لم يُنزع سلاحه بعد، وأن الوقت قد حان لتجريده منه بالقوة؛ وثانيًا، شن هجوم أوسع وأثقل ضد إيران، وربما أيضًا هجومًا مفاجئًا على الحشد الشعبي في العراق، وهو قوة أخرى تابعة للنظام الإيراني.
وتؤكد وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو سيتوجّه إلى واشنطن للتشاور والتنسيق مع ترامب بشأن سلسلة من العمليات العسكرية المحتملة، بما في ذلك الهجوم على النظام الإيراني وحتى سيناريو إسقاطه. وقد أظهرت التجارب أنه في كل مرة يلتقي فيها ترامب ونتنياهو، تحدث تغييرات مهمة في الشرق الأوسط.
وعلى خلاف إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، التي منعت مرارًا هجوم إسرائيل على رفح أو حزب الله أو إيران وسعت إلى لجم نتنياهو، أصبحت إسرائيل منذ فوز ترامب في الانتخابات، وحتى قبل عودته رسميًا إلى البيت الأبيض، تتحرك بيد أكثر انطلاقًا ضد النظام الإيراني؛ من أمثلة ذلك هجوم نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي على ما لا يقل عن 20 هدفًا حساسًا داخل إيران، في حين أن إدارة بايدن قبل ذلك بعدة أشهر لم تمنح سوى إذن بضرب موقع واحد لمنظومة "إس-300" في أصفهان.
ولنتنياهو هدف واضح في هذه الزيارة: ما دام ترامب في السلطة، يريد الحصول على أقصى قدر ممكن من التعاون منه لشن هجوم على النظام الإيراني وقواته الوكيلة، بل وحتى التقدّم نحو تغيير النظام نفسه. وهو يدرك أن هذا هو الوقت الأنسب، إذ لا يُعرف ما إذا كان الجمهوريون سيتمكنون من الحفاظ على أغلبيتهم في انتخابات الكونغرس النصفية. ويكمن قلق نتنياهو في أنه إذا استعاد الديمقراطيون الأغلبية، ستُقيّد يد ترامب، وقدرته على التعاون الحر مع إسرائيل ستصبح محدودة. لذلك يسعى نتنياهو إلى حسم التفاهمات المطلوبة من الآن.
ومن وجهة نظر إسرائيل، فإن رفض النظام الإيراني شروط ترامب الثلاثة (وقف التخصيب، تقييد البرنامج الصاروخي، وإنهاء دعم القوى التابعة) يعني أنه لا وجود لأي اتفاق محتمل بين الطرفين، ومِن ثمّ ترتفع احتمالات المواجهة.
وفي هذا السياق، يتوقع نتنياهو أن يُقرّ ترامب خطته بشكل عام، رغم أن واشنطن قد تتباين معه في مسألة الجدولة الزمنية أو بعض التفاصيل. وصحيح أن لدى أميركا أولويات مثل حسم الحرب في أوكرانيا أو ملف فنزويلا، لكن هذه الأولويات لا تعني التخلي عن دعم إسرائيل في مواجهة حزب الله أو النظام الإيراني.
وفي إيران، يبدو أن فهم مسؤولي النظام لطبيعة الحروب الأميركية الجديدة خاطئ من الأساس. فالولايات المتحدة لم تعد راغبة في خوض حروب طويلة على نمط العراق وأفغانستان، لكن ذلك لا يعني امتناعها عن عمليات قصيرة وعالية الوتيرة. وقد أظهرت تجربة الهجوم على منشآت فوردو النووية أن الولايات المتحدة تتجه نحو إجراءات أقرب إلى "عمليات" منها إلى "حروب": ضربات قصيرة، وثقيلة، في معظمها جوية أو صاروخية، دون نشر واسع للقوات البرية.
ومن المحتمل تكرار هذا النموذج في سيناريو الهجوم على فنزويلا: ضغط شديد لتغيير الحكم، وإن لم يُجدِ نفعًا، ضربة قصيرة لكن شديدة لإسقاط مادورو. وعلى المنوال نفسه، إذا وقع صدام بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني، فالأرجح أن نشهد عملية سريعة وعالية الوتيرة، وليس حربًا طويلة.
وفي المقابل، لدى إسرائيل استراتيجية مختلفة: التقدّم التدريجي ولكن المستمر في اتجاه إضعاف النظام الإيراني، ثم إسقاطه في النهاية دون إعلان ذلك رسميًا. تصريحات نتنياهو الأخيرة الموجّهة إلى الشعب الإيراني حين قال: "اخرجوا إلى الشوارع، إسرائيل تقف إلى جانبكم"، تُظهر أن هدفه النهائي هو إسقاط النظام الإيراني، وإن لم تكن إسرائيل تعتزم القيام بذلك مباشرة، إذ تقوم سياستها على توجيه ضربات عسكرية وأمنية تضعف بنية القمع واتخاذ القرار في إيران، بما يمهّد الأرضية لانتفاضة شعبية.
وفي داخل إيران، تظهر مؤشرات واضحة على قلق عميق لدى مسؤولي النظام الإيراني. فكثيرون منهم يتحدثون صراحة عن احتمال استهداف المرشد الإيراني أو انهيار بنية السلطة. كما أن الأجواء الاجتماعية مليئة بأسئلة الناس حول احتمال سقوط النظام، واحتمال هجوم إسرائيلي، وتوقيت الاحتجاجات، وما سيحدث في مرحلة ما بعد النظام الإيراني.
وهذا القدر من التساؤلات يعكس حالة من الاستياء الشديد، والإرهاق العام، والشعور بأن المجتمع يعيش في وضع "ما قبل الانتفاضة"، حيث يمكن لشرارة صغيرة أن تُشعل مستودعات الغضب.
وحاليًا، لدى قسم كبير من المجتمع الإيراني سؤال واحد فقط: "متى سيرحلون؟"، وقد تغيّرت الذائقة الإخبارية للناس؛ حيث بات أغلبهم يتابع الأخبار المتعلقة بمصير النظام السياسي، وحال المرشد الإيراني، وإمكان وقوع احتجاجات، واحتمال هجوم إسرائيلي، ومستقبل إيران بعد النظام الإيراني. إن الإرهاق العام وفقدان الثقة الكامل بالآليات الرسمية جعلا الأخبار السياسية التقليدية غير جذابة للإيرانيين.
ويبدو أن المجتمع الإيراني يعيش في وضعٍ يُخفي الغضب تحت سطح الهدوء الظاهري، لكنه غضب متراكم قد ينفجر في أي لحظة. وفي مثل هذا الواقع، حيث أُغلقت طرق التغيير عبر المسارات الانتخابية، يبدو أن الشعب الإيراني سيتجه عاجلًا أم آجلًا نحو انتفاضة تُسقط النظام الإيراني.

أظهر تحديث منصة "إكس" الجديد بشأن الموقع الجغرافي، أن عددًا من الصحافيين، الذين يسيطرون غالبًا على وسائل الإعلام ويحددون الروايات السائدة في إيران، إضافة إلى بعض السياسيين الذين يُظهرون أنفسهم كمعارضين للنظام، يستخدمون امتياز الإنترنت الطبقي المعروف بـ "شريحة الهاتف البيضاء".
ومنذ 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد أن طرحت منصة "إكس" (تويتر سابقًا) تحديثها الجديد، اندلعت نقاشات واسعة في شبكات التواصل الاجتماعي الإيرانية.
وفي هذا التحديث، يتم إظهار الجهاز المستخدم، وموقع الدخول لحظة إنشاء الحساب، والموقع الجغرافي الذي ينشط منه المستخدم.
وفي إيران، تُحجب منصة "إكس" كما هو الحال مع العديد من المنصات العالمية، ويحتاج المستخدمون لتجاوز الحجب إلى استخدام ""VPN أو ما يُعرف في إيران بـ "فیلترشكن". لذلك، إذا ظهر في التحديث الجديد أنّ موقع المستخدم هو "إيران"، فهذا يعني شيئًا واحدًا: "لديه شريحة هاتف بيضاء ويستخدم إنترنت غير خاضع للحجب".
نعلم الآن أن ما لا يقل عن 16 ألف شخص من سكان إيران البالغ عددهم 85 مليونًا، يتمتعون بامتياز "شريحة الهاتف البيضاء"، في حين أن باقي المواطنين عليهم تجاوز الحجب للوصول إلى الإنترنت الحر.
وأجرت "إيران إنترناشيونال" مقابلات مع صحافيين من داخل إيران، وباحث في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات، وصحافي متخصص في العلوم والتقنية، لكشف أبعاد هذه القضية.
وكشفت هذه المقابلات أن حاملي "الشرائح البيضاء" في غرف تحرير وسائل الإعلام يسيطرون بشكل غير مكتوب على الخطوط العامة للروايات داخل وسائل الإعلام الرسمية، ويمارسون ضغطًا على الصحافيين لإعادة إنتاج هذه الروايات داخل شبكات التواصل الاجتماعي.
وبحسب هذه المعلومات، فإن عددًا من الوجوه المعروفة ممن يمتلكون شرائح بيضاء يستخدمون حتى أدوات "التوظيف" و"الإقالة" كوسيلة تحفيز أو عقاب للصحافيين الآخرين.
لماذا غضب المواطنون؟
كان المواطنون الإيرانيون يدركون، حتى قبل التحديث الجديد لمنصة "إكس"، أن المسؤولين السياسيين يستخدمون إنترنت مختلفًا. وقد جاء التحديث الجديد ليؤكد ذلك. فمن رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، إلى وزراء حكومة الرئيس مسعود بزشکیان، جميعهم يستخدمون إنترنت غير خاضع للحجب.
ولكن صدمة الكثيرين كانت في اتساع دائرة الصحافيين الإصلاحيين والناشطين السياسيين داخل إيران، الذين يستخدمون إنترنت غير خاضع للحجب. إذ يتساءل المنتقدون: كيف يمكن الادعاء بالدفاع عن حرية الإعلام والإنترنت، وفي الوقت نفسه الاستفادة من إمكانية تُحول الإنترنت والوصول إلى المعلومات إلى امتياز طبقي؟
ما الذي حدث؟
في التحديث الجديد لمنصة "إكس"، عندما ينقر المستخدم على خانة تاريخ انضمام حسابٍ ما إلى المنصة، يمكنه رؤية قسم "About This Account" (عن هذا الحساب). وفي هذا القسم، تظهر المعلومات الأساسية التالية:
- طريقة الاتصال:
"Connected via" يوضح ما إذا كان المستخدم متصلاً عبر نسخة الويب، أو تطبيق iOS"" للهواتف الآيفون، أو تطبيق "غوغل بلاي" للهواتف الأندرويد.
وتسجّل هواتف الآيفون، حتى لو اتصلت من داخل إيران، عادةً موقع الولايات المتحدة بسبب العقوبات. أما هواتف الأندرويد فتُظهر المكان الحقيقي إذا كان الاتصال من إيران. أما الاتصال عبر الويب لا يعرض الموقع الجغرافي في هذا القسم.
- البلد الذي يوجد فيه المستخدم:
"Account based in" وهو الجزء الأكثر إثارة للجدل في التحديث الجديد. هذا القسم يوضح موقع نشاط المستخدم. وبالنسبة للمستخدمين الذين اتُّهموا باستخدام شريحة الهاتف البيضاء، ظهر موقعهم على أنه "إيران".
وقد تظهر علامتان إضافيتان في هذا القسم:
علامة الدرع: تظهر عندما يستخدم المستخدم VPN. وتُظهر المنصة أن موقع المستخدم دولة أوروبية أو أميركية بجانبها علامة الدرع. وعلامة (i): وهي خاصة بخوارزميات التعرف على الموقع.
قالت الباحثة في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات، سحر تحويلي، لـ "إيران إنترناشيونال": "هذه العلامة تعني أن منصة إكس تخمّن من خلال الحسابات الخوارزمية أن المستخدم في إيران".
وأما عن علامة الدرع فقالت: "هذه العلامة تعني أن حركة مرور المستخدم مُشفّرة ومحمية، وأن منصة إكس تَعرِف أن المستخدم يستعمل نوعًا من الـVPN أو اتصالاً مُؤمّنًا أو قناة مشفّرة أو خادمًا وسيطًا خاصًا".
هل يمكن لمالكي "شرائح الهاتف البيضاء" إخفاء بطاقة اتصالهم باستخدام برامج فك الحجب؟
بحسب رأي تحويلي، فإن خوارزمية "إكس" تستطيع تشخيص ما إذا كان مستخدمٌ يملك شريحة بيضاء يستخدم الـ"VPN" أم لا. وقالت: "أساس تشخيص هذه الخوارزمية هو النمط السلوكي لـ "الآي بيهات"، وتحليل معدل تأخير "RTT" لتحديد المسافة التقريبية، وبيانات التعريف الخاصة بمشغل الهاتف المحمول، ولغة النظام، والنطاق الزمني لعمل جهاز المستخدم".
وأيّد الصحافي المتخصص في العلم والتكنولوجيا، مهدي صارمي فر، هذا الرأي، في حديثه مع "إيران إنترناشيونال"، وقال إن خوارزمية "إكس" تفحص نمط اتصال المستخدم عبر فترة زمنية طويلة، ولذلك "إذا كان معظم الاتصالات خلال الأشهر والسنوات التالية لإنشاء الحساب تأتي من بلد معيّن، فإن إكس سيعرّف ذلك البلد بوصفه (Account based in)".
وبحسب ما قاله هذان الخبيران، حتى لو استخدم أصحاب الشريحة البيضاء الـ"VPN" بعد الكشف عن امتيازاتهم، فستظلّ مواقعهم الجغرافية تُعرض على أنها إيران.
وقال بعض أصحاب "الشريحة البيضاء"، في ردّهم على الانتقادات، إن "موقعهم الجغرافي عُرض إيران لأنهم يستخدمون إنترنت غير خاضع للحجب في أماكن عملهم".
غير أن الخبراء يقولون إن خوارزمية "إكس" بما أنها تفحص جميع اتصالات المستخدم منذ إنشاء الحساب ولفترة طويلة، فمن غير المرجّح أن يؤدي عدد محدود من الاتصالات من مكان العمل إلى إظهار الحساب على أنه شبيه بحسابات أصحاب الشريحة البيضاء.
كما قال بعض الأشخاص الذين قيل إن لديهم الشريحة البيضاء إن موقعهم الجغرافي يظهر إيران بسبب اتصالهم عبر برنامج "سايفون" لفك الحجب أو بسبب استخدام "ستارلينك”.
وعلى الرغم من أن خبراء هذا المجال يعتقدون أن خوارزميات شبكة "إكس" قد تشهد تغييرات لاحقًا لإصلاح أخطاء ثانوية، فإن احتمال صحّة هاتين الفرضيتين ضعيف للغاية.
وقال خبير في مجال التقنية مرتبط بـ "ستارلينك، طلب عدم كشف اسمه، لـ "إيران إنترناشيونال"، إنه من المستبعد جدًا أن يُعرض الموقع الجغرافي لمستخدمي "ستارلينك" في إيران على أنه إيران.
كما رفض صارمي فر هذا الاحتمال وقال: "ستارلينك لا تعمل رسميًا في إيران، ولذلك يجب على المستخدمين داخل إيران تفعيل الخدمة أولاً في دولة أخرى، ثم استخدامها عبر خاصية التجوال من داخل إيران".
وأوضح هذا الصحافي المتخصص في العلم والتكنولوجيا: "إن الموقع الجغرافي لمستخدمي ستارلينك الإيرانيين يُعرض عادةً على أنه بلغاريا، لأن ستارلينك في وضع التجوال يحصل على أقرب آي بي متاح، وبلغاريا هي أقرب موقع إلى إيران توجد فيه محطة أرضية لستارلينك".
وقد عُرض الموقع الجغرافي لحساب بابك زنجاني، المحكوم في كبرى قضايا الفساد بتاريخ النفط الإيراني، والذي قضى سنوات في السجن، على أنه بلغاريا.
سجين سياسي سابق لديه "شريحة بيضاء"
من بين الأسماء التي طُرحت، ظهر أيضًا بعض الناشطين السياسيين، بل وبعض السجناء السياسيين السابقين.
ويُعد شهريار شمس، الناشط السياسي الذي اعتُقل عام 2017، واحدًا من هذه الحالات، رغم أنه كتب على "إكس" أن موقعه الجغرافي يُعرض في منطقة غرب آسيا بسبب استخدامه "ستارلينك".
كما كان عمادالدين باقي، رئيس ومؤسس "جمعية الدفاع عن حقوق السجناء"، من مستخدمي "الشريحة البيضاء". وكان باقي لسنوات مصدرًا مهمًا للحصول على المعلومات المتعلقة بحقوق الإنسان في إيران.
كما برزت أسماء العديد من السجناء السياسيين السابقين، مثل سعيد شريعتِي، وشهاب الدين طباطبائي، ومهدي طباطبائي وغيرهم، ضمن قائمة مستخدمي الشريحة البيضاء.
الصحافيون الإصلاحيون
لم يلفت استخدامُ الصحافيين العاملين في وسائل الإعلام المقرّبة من التيار الأصولي انتباهَ المستخدمين كثيرًا، لكنّ استخدام الصحافيين المحسوبين على التيار الإصلاحي أثار انتقادات حادّة.
وعددٌ ملحوظ من هؤلاء الصحافيين، الذين كانت أخبار استدعائهم والضغوط عليهم محلّ متابعة من وسائل الإعلام خارج إيران ومن المواطنين، استخدموا الشرائح البيضاء. وبعضهم ممن ردّوا على الانتقادات قالوا إن بطاقات اتصالهم "أصبحت بيضاء" خلال "حرب الـ 12 يومًا".
وكانت فاطمة رجبي، وهي من الصحافيين الذين اعتُقلوا خلال احتجاجات عام 2022، من مستخدمي "الشرائح البيضاء". وقد نالت سابقًا تقديرًا من المستخدمين؛ بسبب تمسّكها بعدم الالتزام بالحجاب الإجباري.
كما تُعدّ الناز محمدي، الصحافية وشقيقة إلهه محمدي التوأم، من مستخدمي "الشرائح البيضاء". وكانت إلهه قد اعتُقلت؛ بسبب إعدادها تقريرًا عن مراسم إحياء ذكرى مهسا أميني، وقضت 17 شهرًا في السجن. كانت الناز نشطة للغاية في متابعة أخبار اعتقال شقيقتها، وقالت إنها حصلت على الشريحة البيضاء خلال "حرب الـ 12 يومًا".
وكتبت أنّها "بضغط جهة أمنية معيّنة" لا تستطيع ذكر اسمها، اضطرت لاستخدام "الإنترنت الأبيض"، موضحة أنها في تلك الظروف كانت بحاجة إلى الإنترنت لمتابعة أوضاع "نازحي الحرب" وعائلاتهم.
مع ذلك، تعرّض هذا الجزء من تبريراتها لانتقادات واسعة. فقد رأى المنتقدون أنه خلال قطع الإنترنت، لم يكن "نازحو الحرب" ولا "عائلات الضحايا" داخل إيران يملكون إنترنت أصلاً، ومِن ثمّ لم يكن بإمكان الشريحة البيضاء الخاصة بمحمدي أن تساعد في جهودها الإعلامية.
ومن اللافت أنّ بعض الصحافيين الذين يملكون "الشريحة البيضاء"، هم من بين الأشخاص الذين كتبوا سابقًا بشكل صريح ضد استخدام تلك الشرائح والإنترنت الطبقي والفلترة.
وعلى سبيل المثال، كتبت الصحافية والناشطة في مجال حقوق المرأة، شبنم رحمتي، في منشور بتاريخ 23 مايو (أيار) 2018: "أنا صحافية لكنني لا أقبل الإنترنت غير المفلتر." وأضافت: "يجب أن يَتّضح في أيّ جانب من الخط نقف".
وقد تبيّن الآن أنها كانت تستخدم الإنترنت غير المفلتر للدخول إلى الشبكة، رغم أنه ليس واضحًا ما إذا كانت قد استخدمت هذا النوع من الاتصال أيضًا حين كتبت ذلك المنشور الانتقادي أم لا.
الدفاع عن "الشرائح البيضاء"
وكانت رئيسة تحرير صحيفة "شرق"، شهرزاد همتي، والتي كان تعيينها في هذا المنصب كصحافية حدثًا لافتًا، من مستخدمي "الشرائح البيضاء". وقد حظي استدعاؤها إلى النيابة العامة في العام الماضي باهتمام إعلامي واسع، وأثار موجة دعم.
وهمتي ليست ناشطة جدًا على شبكة "إكس". وفي نصّ نشرته على حسابها في "إنستغرام"، دافعت عن استخدام الصحافيين الشرائح البيضاء. وكتبت أنها اضطرت إلى الحصول على هذه البطاقة بسبب "حرب الـ 12 يومًا" والهجمات الإسرائيلية، لكنها شددت على أن الشريحة البيضاء الخاصة بها "قُطعت" بعد انتهاء الحرب.
وانتقدت همتي وصف الصحافيين، الذين استخدموا "الشرائح البيضاء" بأنهم "مستفيدون من امتياز غير عادل"، وشبّهت الأمر بالحصول على قرض مصرفي لموظفي البنوك أو حصول سائقي سيارات الأجرة على بنزين إضافي.
وحذّرت من أن الضغط على الصحافيين بشأن استخدام "الشرائح البيضاء" سيؤدي في النهاية إلى أن "تُخمد أصوات هؤلاء (الصحافيين داخل إيران) الذين يستطيعون على الأقل إيصال صوت ما". وهو ما زاد الانتقادات الموجّهة إليها في الفضاء الافتراضي.
وقد نشرت معظم الصحف ووسائل الإعلام الرسمية للنظام الإيراني، خلال الأيام العشرة الماضية، مواد مشابهة للدفاع عن استخدام هذه الشرائح.
ونشر موقع "تابناك" مقالاً بعنوان: "من الضرورة إلى الامتياز غير العادل: القصة المؤلمة للشريحة البيضاء للصحافيين.. الصحافيون الإيرانيون في أتون الفلترة"، تناول فيه هذه القضية. وقد وصف هذا الموقع كشفَ الموقع الجغرافي لمستخدمي شبكة "إكس" بأنه "مؤامرة"، واتهم إيلون ماسك، مالك الشبكة، بتنفيذها بطلب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
ورأى "تابناك" أنّ هدف هذه "المؤامرة" هو "الإضرار بسمعة إيران الإعلامية، وإضعاف ثقة الجمهور بالصحافيين، وخلق فجوة عميقة بين الناس والنخب الإعلامية".
متى بدأت القصة؟
في سبتمبر (أيلول) 2019، قبل شهرين فقط من "نوفمبر (آبان) الدامي" 2019، حضر محمد جواد آذري جهرمي، وزير الاتصالات في حكومة الرئيس الأسبق، حسن روحاني، إلى البرلمان الإيراني.
وفي هذا الاجتماع، تحدث لأول مرة بشكل علني عن موضوع "الإنترنت الطبقي". وقال آذري جهرمي: "لقد قلنا مرارًا في اجتماعات مختلفة (إنه يجب) تصنيف مستويات الوصول. لا يمكن أن يكون مستوى الإنترنت متساويًا للطبيب، أو الأستاذ الجامعي، أو الصحافي، مع طفل عمره ثماني أو تسع سنوات".
كان هذا المقترح من آذري جهرمي، الذي يعرف أيضًا باسم "المحقق الشاب" بسبب وجوده في وزارة الاستخبارات ودوره في تطوير الإنترنت المحلي، قد تم طرحه سابقًا بين الصحافيين الإيرانيين.
وفي ذلك الوقت، كان عدد من الصحافيين، معظمهم من التيار الإصلاحي، يستخدمون هذا الإنترنت غير المفلتر الذي كان يُعرف آنذاك بـ "إنترنت الصحافيين".
وقد ظهر أثر هذا الاستخدام في "نوفمبر الدامي" 2019، حين تم قطع الوصول العام للإنترنت لمدة نحو أسبوع كامل، بينما كان عدد محدود من الصحافيين الإصلاحيين موجودين على تويتر (شبكة إكس الحالية).
ووُصِف هؤلاء الصحافيون المتظاهرين ضد زيادة أسعار البنزين بـ "المتمردين" الذين "نهبوا" المتاجر والبنوك. الصحافيون الذين استخدموا الشريحة البيضاء خلال نوفمبر 2019 لنشر مواد ضد المتظاهرين، اتبعوا نهجًا مشابهًا في أحداث مثل إسقاط الحرس الثوري الطائرة الأوكرانية عمدًا.
ومنذ ذلك الحين، ظلّت شائعات حول استخدام بعض الأشخاص للإنترنت غير المفلتر قائمة، لكن لم يُتوقع أن يكون الانتشار واسعًا بهذا الشكل.
16 ألف شخص لديهم شرائح بيضاء
كشف عباس عبدي، الناشط السياسي وأحد الإداريين الرئيسين لجمعية الصحافيين النقابية، والذي يملك شريحة بيضاء، في تدوينة للدفاع عن استخدام هذه الشرائح، أن 16 ألف شخص في إيران يستخدمون شرائح بيضاء.
وأوضح أيضًا سياق الموضوع وتاريخه، مشيرًا إلى أنه منذ يناير (كانون الثاني) 2018، حين تم حظر تطبيق "تلغرام" في إيران، "وبمتابعة الحكومة، اقتنعت الجهات المعنية بعدم شمول الصحافيين والنشطاء الرقميين بـ القيود". وأكد أن هذا حصل بجهود جمعية الصحافيين النقابية.
دوائر "الشريحة البيضاء" في الصحف الرسمية
أفاد صحفيان من قسمي التحرير لوسائل إعلام إصلاحية، بشرط عدم الكشف عن هويتهما لـ "إيران إنترناشيونال"، بأن بعض الصحافيين الإصلاحيين، وبقربهم من دوائر السلطة، شكلوا مجموعات لتوجيه الرأي العام وأحيانًا للضغط على صحافيين آخرين.
وأشاروا إلى أن مسألة التوظيف والفصل في بعض الوسائل الإعلامية كانت تُدار أحيانًا تحت ضغط هذه المجموعات، والتي عُرفت باسم "الشريحة البيضاء" بسبب وجود معظم أعضائها في قائمة مستخدمي "الشرائح البيضاء".
وقال أحد الصحافيين: "قبل كشف الشرائح البيضاء، كانت هذه المجموعات تتجاوز التعليمات الرسمية، التي تحددها بعض الجهات، مثل المجلس الأعلى للأمن القومي، وتوجه مجرى الأخبار في الوسائل الرسمية وغير الرسمية بطريقة غير مكتوبة".
وأوضح المصدر: "على سبيل المثال، في الدوائر الخاصة والمجموعات الإلكترونية، كانت مواضيع مثل دعم مسعود بزشکیان ووزرائه، والدعوة للمشاركة في الانتخابات، والهجوم على مجموعات ومستخدمي التيار الملكي، من أولويات النقاش".
وأضاف: "خلال حرب الـ 12 يومًا، كانت المناقشات في هذه المجموعات تتمحور حول مقارنة رضا بهلوي بمسعود رجوي، وقد غطت عدة صحف هذا الموضوع في صفحاتها الرئيسة".
وأكد المصدر أن الصحافيين الإصلاحيين القليلين، الذين تلقوا أي إشادة من مؤيدي نظام الشاه السابق، يتعرضون للتهديد غير المباشر والمقاطعة المباشرة من قِبل زملائهم.
الضغط لدعم "الشريحة البيضاء"
قال صحافي آخر لـ "إيران إنترناشيونال": "اليوم، وبعد سنوات، أغلب المجتمع الصحافي الإصلاحي يمتلك شريحة بيضاء. وبعد كشف الموضوع، مورس الضغط غير المباشر على القلة، التي لم تمتلك شريحة بيضاء لدعم الأغلبية داخل أقسام التحرير".
وأضاف أن هذا الصحافي، الذي يعمل الآن موظفًا حرًا في الصحف بسبب ضغوط مجموعات "الشريحة البيضاء"، أن الضغط على منتقدي "الشريحة البيضاء" ليس جديدًا؛ فقد سبق أن طُرد زميل له بسبب جمع توقيعات لرسالة ضد الإنترنت المخصص للصحافيين، وهو يعمل الآن في وظيفة أخرى.
وبخصوص توجيه الصحافيين خلال "حرب الـ 12 يومًا"، قال: "كان يُطلب حتى إذا لم تستطع الدفاع عن الحرس الثوري بسبب ميولك السياسية، أن تدافع عن الجيش وتكتب عن المدنيين القتلى".
وأشار إلى أنه إذا لم يتوافق أحد مع هذه المجموعات، "قد يواجه مشاكل، وإذا تم اعتقاله، تسعى المجموعات نفسها المرتبطة ببعض وسائل الإعلام الخارجية لمنع نشر أخبارهم".
وفيما يتعلق بالأشخاص المؤثرين في هذه المجموعات، قال: "انظروا من لهم تأثير في جمعية الصحافيين، ومن يدير قناة نادي الصحافيين، هؤلاء قادرون على توظيف أو فصل أي شخص".
وشرح طريقة عمل الصحافيين، قائلاً: "قبل حرب الـ 12 يومًا، وخلال انتخابات رئاسة الجمهورية 2024، كانت الوسوم على وسائل التواصل الاجتماعي تبدأ من هذه المجموعات، ثم يُشجع الآخرون على الانضمام عبر الرسائل الخاصة".
وأضاف: "في فترة رئاسة إبراهيم رئيسي، كان الوضع أكثر ودية، لكن بعد فوز مسعود بزشکیان، حصل بعض الزملاء الداعمين في الانتخابات على دعم وظيفي ومشاريع، وهؤلاء الآن يهددون الآخرين".
وأشارت "إيران إنترناشيونال" إلى أنها لا تستطيع تأكيد أو نفي هذه الادعاءات بشكل مستقل.
استخدام الشريحة البيضاء لم يكن أبدًا إجباريًا
أوضح الصحافي الأول لـ "إيران إنترناشيونال" طريقة تخصيص الشريحة البيضاء قائلاً: "عادةً ما يقترح مديرو الصحف من يحصل على الشريحة البيضاء، لكن الزملاء الدائمين وموظفي التحرير يمكنهم تقديم طلب الحصول عليها من أشخاص لديهم صلات".
وأضاف: "استخدام الشريحة البيضاء لم يكن أبدًا إجباريًا، سواء قبل حرب الـ 12 يومًا أو بعدها، الشريحة تُفعل فقط بناءً على طلب الشخص نفسه".
وفيما يخص تفعيل الشريحة البيضاء، قال: "بعد الطلب، الذي يتم عادة عبر مساعد الصحافة بوزارة الثقافة والإرشاد، تُفعّل الشريحة. ولم أسمع أن هناك حاجة لمراجعة بعد عدة أشهر".
وبخصوص الرسوم، أوضح: "أنا متأكد أنه لا توجد تكلفة إضافية، وحتى عندما عُرض علينا، قيل إن سعر الهاتف سيكون ثلث السعر المعتاد".
وأكد الصحافي الآخر أن تكلفة "الشريحة البيضاء" الآن أقل من الشريحة العادية، لكنها كانت مجانية أثناء وزارة آذري جهرمي في حكومة روحاني.
وأفاد المصدران بأن بعض حاملي الشرائح البيضاء اتهموا بـ "الخوف" و"الخيانة" خلال "حرب الـ 12 يومًا"، لمجرد أنهم لم يتوافقوا مع حاملي الشرائح البيضاء الآخرين على إدانة هجوم إسرائيل، أو كتابة تقارير عن "المدنيين القتلى" أو الهجوم على "التيار الملكي".

أظهرت دراسة جديدة أن التضخم المزمن في إيران تجاوز حدود أزمة اقتصادية؛ ليصبح عاملاً محددًا في تحول العلاقات الاجتماعية، وتآكل الثقة العامة، وانتشار الشعور بعدم الأمان النفسي؛ وهي صورة تعكس إعادة إنتاج مستمرة للأضرار الاجتماعية في ظل تقلب الأسعار.
تبحث دراسة جواد أفشاركهَن، ومحمد تقي سبزه اي وإسماعيل بلالي، أعضاء هيئة التدريس في قسم العلوم الاجتماعية بجامعة بوعلي سينا في همدان، في تأثيرات التضخم طويل الأمد على هيكل الحياة الاجتماعية في إيران، وترسم صورة تحذيرية لعواقبه.
وزنُشرت هذه المقالة في أحدث عدد من الدورية نصف السنوية "أبحاث علم الاجتماع المعاصر".
ويعتقد الباحثون أن التضخم في إيران لم يعد ظاهرة اقتصادية فقط، بل أصبح "دورة لإعادة إنتاج القضية الاجتماعية".
واستندت هذه الدراسة إلى الإحصاءات الرسمية ومراجعة عشرات الأبحاث المحلية والدولية، وأظهرت أن خمسة عقود من التضخم المنفلت في إيران لم تضغط فقط على المعيشة والراحة النفسية للمواطنين، بل تآكلت تدريجيًا أسس الثقة الاجتماعية، والعلاقات الجماعية، والشعور بالأمان الوظيفي.
عدم الأمان وعدم الاستقرار.. تجربة مشتركة للجميع
استشهد الباحثون ببيانات البنك المركزي، مذكرين بأن معدل التضخم السنوي في إيران منذ بداية السبعينيات وحتى اليوم كان تقريبًا دائمًا مزدوج الرقم، ووصل في بعض السنوات إلى حدود 50 بالمائة.
وبحسب قولهم، فإن هذا المسار طويل الأمد جعل التضخم يتجاوز كونه مجرد مؤشر اقتصادي، ليصبح "خطرًا اجتماعيًا".
وتشير المقالة إلى أن التضخم "يعبث بأهم المعلومات" في المجتمع، أي الأسعار. وبناءً عليه، عندما يواجه الناس أسعارًا متقلبة يوميًا، يصبح شعور عدم الأمان وعدم الاستقرار تجربة مشتركة للجميع، وتنتشر حالة الغموض في الحياة اليومية.
واستندت هذه الدراسة إلى التحليل النظري والوثائقي، وجمهور الدراسة هو الاقتصاد والمجتمع الإيراني، خلال العقود الأربعة الأخيرة.
وخلال هذه الفترة، جُمعت معدلات التضخم السنوية منذ منتصف السبعينيات وحتى ما بعد عام 2021، إلى جانب مؤشرات مثل الفقر والجريمة وغيرها من الأضرار الاجتماعية.
من مائدة الأسرة إلى رأس المال الاجتماعي
أكد الباحثون عند مراجعة الدراسات الميدانية السابقة أن التضخم لا يقلص فقط مائدة الأسر منخفضة الدخل، بل له آثار نفسية وأخلاقية على الشباب والمتقاعدين والطبقة المتوسطة أيضًا.
وفي إحدى الدراسات المشار إليها، تحدث شباب الطبقة الدنيا عن "عطش المال"، و"الغرق في الغموض"، و"البلوغ المبكر" في ظل ظروف التضخم.
وكتب أفشاركهَن وزميلاه أن التضخم المزمن "يخلق مجموعات رابحة وخاسرة جديدة"، ويزعزع النظام الطبقي في المجتمع.
في هذا السياق، تُدفع الطبقة المتوسطة إلى الأسفل، ويزداد التطرف في الفردية، وتصبح العلاقات الاجتماعية باردة وحسابية. وفي مثل هذا الجو تنهار الثقة العامة، وينتشر "انحدار الأخلاق الجماعية".
الدورة المعيبة للتضخم والمركزية الحكومية
تركز الدراسة على دورة يكون فيها التضخم ليس مجرد نتيجة للسياسات فحسب، بل يسهم أيضًا في إعادة إنتاج تلك السياسات نفسها
وبناءً عليه، يؤدي التضخم المزمن إلى تغيير تفضيلات المواطنين، والتوجه نحو السياسات المرتكزة على الدولة، وفقدان الثقة الجماعية، وفي النهاية انهيار الأخلاق الجماعية؛ وهي دورة تعزز التضخم من جديد.
وتشير نتائج البحث إلى أن التضخم البنيوي على المستوى الفردي يترتب عليه "القلق، والارتباك، وعدم الاستقرار الفردي، وشعور بعدم القدرة على التنبؤ والانهيار الذهني"، وعلى المستوى الاجتماعي يؤدي إلى آثار سلبية مثل "ضعف الروابط الاجتماعية، والرتابة اليومية، وتجاهل الآخر، والتطرف الفردي".
وبحسب قول المؤلفين، فإن "النظام الذهني يكون معرضًا للتآكل، وينتشر الشعور باللا معنى".
وعلى الصعيد الكلي، يضعف التضخم المجتمع، وفي الوقت نفسه يعزز "الوهم" بقوة الدولة بشكل أكبر.
وفي هذا الوضع، يبحث المواطنون في الفراغ الناتج عن عدم الاستقرار عن فاعل قوي قادر على حل المشكلات؛ ما يعزز خطاب "المركزية الحكومية"، حتى وإن كانت الحكومة نفسها جزءًا من المشكلة.
والنتيجة النهائية لهذه العملية ليست مجتمعًا قويًا وحكومة قوية، بل "ثنائية المجتمع الضعيف والدولة الضعيفة"؛ حيث يفقد المواطنون القدرة على إعادة إنتاج النظام الاجتماعي، وفق رغباتهم ومصالحهم، ويقعون في الفقر المعرفي والمعيشي.
ويحذر الباحثون من أن التضخم طويل الأمد في إيران تجاوز كونه ظاهرة اقتصادية، وأن السيطرة عليه لا تتحقق فقط بالأدوات النقدية والمالية.
وبعبارة أخرى، يصبح التضخم بعد انتشاره "ظاهرة غير اقتصادية"، ومن ثم فإن مواجهته تتطلب سياسات تتجاوز المجال الاقتصادي؛ سياسات تستلزم إعادة النظر في العلاقات بين الدولة والمجتمع.

رغم مرور أقل من ستة أشهر فقط على "حرب الـ 12 يومًا" بين إيران وإسرائيل، وتعمّق الفجوة بين الشعب والنظام؛ نتيجة الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية والبيئية، قامت طهران في الأيام الأخيرة مرة أخرى بتنظيم مراسم حكومية لدفن مجموعة من قتلى الحرب مع العراق.
وعلى مدار السنوات الماضية، كانت إقامة مراسم تُعرف باسم "تشييع الشهداء المجهولين" في مختلف أنحاء البلاد جزءًا من جهود النظام الإيراني لدعوة الناس للحضور في الشوارع وإظهار الدعم الشعبي للنظام الحاكم.
وفي أحدث مثال، أشار رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، عبد الرحيم موسوي، عبر رسالة، في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، إلى ما وصفه بـ "الحضور غير المسبوق وغير القابل للوصف للشعب الموالي للنظام في مراسم الاستقبال والوداع والتشييع"، وربط حضور الناس في هذه المراسم السياسية بالامتثال لقيادة النظام.
ويشير مصطلح "الشهيد المجهول"، في خطاب مسؤولي النظام الإيراني، إلى الجثث التي تُدفن دون تحديد هويتها، وتظل في القبور على هذا النحو لاحقًا.
طبيعة الجثث المجهولة
بالنظر إلى مرور أكثر من 36 عامًا على نهاية حرب إيران والعراق، فإن طبيعة ما يتم تشييعه تحت اسم هؤلاء القتلى غير واضحة. فقد أظهرت بعض الصور والتقارير في السنوات الماضية أن ما تحتويه هذه التوابيت غالبًا يكون مجرد بعض قطع العظام.
قال الرئيس السابق لمركز أبحاث التكنولوجيا البيولوجية الحديثة محمود تولائي، في عام 2022، إن "العديد من الجثث بقيت لفترات طويلة في ظروف بيئية غير مناسبة؛ مما قد يجعل بعضها غير صالح للاختبارات، وفي بعض الحالات يعجز عن التعرف عليها".
التأثير النفسي لتكريم الموت على المجتمع
قالت صبا آلاله، محللة نفسية اجتماعية، لـ "إيران إنترناشيونال"، إن "النظام الإيراني طوال هذه السنوات لم يكتفِ بتكريم الموت، بل قام بتضخيمه، وإظهاره كمقدس وبطولي، وذلك للسيطرة على العقل الجمعي للمجتمع".
وأضافت: "يهدف النظام من خلال صور الشهداء والتشييعات المهيبة والروابط العاطفية إلى تحويل الموت إلى قيمة، تعكس الهيكل السياسي وتبرز أن الاستشهاد من أجل النظام علامة على الشرف والتضحية والولاء".
وأوضحت أن الأنظمة الاستبدادية، مثل النظام الإيراني تحتاج دائمًا إلى هذه العروض لإظهار شرعيتها، التي بدأت بالدم واستمرت عبر الدم على مدى هذه السنوات.
وأكدت أن النظام يريد من خلال هذه المراسم خلق شعور بـ "المديونية والذنب والخجل" لدى الناس، وجعلهم يشعرون بأنه إذا اعترضوا فهم يسيئون للشهداء، وهو نوع من السيطرة العاطفية والنفسية لضمان الطاعة.
أهداف النظام الإيراني من هذه المراسم
أشارت آلاله إلى أن أحد أهم أهداف هذه المراسم هو عرض السلطة الرمزية للنظام وتعزيزها باستمرار.
وقالت إن هذه المراسم تساعد في إعادة بناء المعايير الأخلاقية والسلوكية التي كانت قائمة منذ الثورة في 1979.
وأوضحت أن أي معارضة لهذه المراسم يتم تحويلهامن قِبل النظام إلى عدم احترام للتضحيات، ما يضع المعارضين تحت ضغط اجتماعي.
بداية هذه المراسم
بدأ تشييع قتلى حرب إيران والعراق رسميًا في عام 1995 في جزيرة أبو موسى، وقد أصبحت هذه المراسم لاحقًا حركة رمزية حكومية.
ومع مرور الوقت، انتقلت هذه المراسم من المناطق العسكرية إلى المدن والمراكز الإدارية والتعليمية.
عدد القتلى المجهولين
قبل أن تبدأ المراسم الحكومية في السبعينيات، تم دفن عدد من القتلى المجهولين في مقابر إيران أثناء الحرب.
ووفقًا للإحصاءات الرسمية، تم دفن 116 شخصًا فقط باسم مجهول خلال الحرب. ولكن لا توجد إحصاءات دقيقة وموثوقة عن عدد القتلى الذين دُفنوا لاحقًا مجهولين.
وقال علي أصغر جعفري، نائب المنسق لشؤون البرلمان في "مؤسسة حفظ آثار ونشر قيم الدفاع المقدس والمقاومة"، في 26 نوفمبر: "من بين نحو 50 ألف شهيد مجهول، تم التعرف على أكثر من 30 ألفًا وتسليمهم لعائلاتهم".
أماكن الدفن
وفقًا لإحصاءات المسؤولين الإيرانيين، دفن هؤلاء في أكثر من 13 ألف موقع في نحو 1300 نصب تذكاري وما يقارب 3000 مكان دفن.
وتشمل هذه المواقع أماكن حضرية، وجامعات، ومناطق عسكرية، وحوزات علمية، ومراكز بحثية وصناعية ورياضية وفنية، وقرى، ومقابر وأضرحة.
تم تخصيص أكثر من 4000 قبر للقتلى المجهولين في طهران بمقبرة "بهشت زهرا"، ويقول مسؤولو النظام إن إيران تحتل المرتبة الأولى عالميًا من حيث عدد النصب التذكارية لـ "الجندي المجهول".
تفسير وجودها في الأماكن العامة
يبرر النظام الإيراني دفن الجثث في الأماكن العامة، مثل الجامعات، بطلبات من سكان المناطق ومسؤولين محليين لسهولة الوصول إليها.
ولكن المعارضين يرون أن النظام يسعى من خلال ذلك للسيطرة على الفضاءات العامة والخاصة، وكان أحد أبرز الأمثلة على ذلك دفن القتلى المجهولين في الجامعات خلال ولاية الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد.
وقد اعترض الطلاب على ذلك، معتبرين أنه يسهل وصول القوات الأمنية إلى البيئة الجامعية، إلا أن المراسم أُجريت رغم الاحتجاجات.
وكان الناشطون الطلابيون في ذلك الوقت يعتقدون أن الحكومة تسعى إلى تنفيذ مثل هذه الخطة لتسهيل وصول الأفراد النظاميين وقوات الأمن إلى البيئات الجامعية.
ولهذا السبب، رافق دفن الضحايا المجهولين ورموز الحرب العراقية الإيرانية في الساحات الجامعية احتجاجات طلابية في عدة حالات.
في عام 2004، بعد دفن نعشين في جامعة الشهيد رجائي، احتج بعض الطلاب، حتى أن مسؤولي الجامعة وعدوا بوقف المراسم؛ ولكن في النهاية، تم إقامة المراسم.
وفي العام نفسه، دمر طلاب جامعة إيران للعلوم والتكنولوجيا المبنى المركزي لقوات الباسيج في الجامعة احتجاجًا على وجود الباسيج كجزء من مؤسسة عسكرية أمنية.
بعد هذه الحادثة، وبفضل تدخل أعضاء مجلس المدينة، وأحمدي نجاد، والحرس الثوري، تحول موقع مبنى حركة الطلاب الباسيج المدمر إلى مقبرة للقتلى المجهولين في الحرب العراقية الإيرانية.
في مارس/آذار 2005، وفي الوقت الذي تم فيه نقل التوابيت الثلاثة إلى جامعة شريف للتكنولوجيا، أعلنت مجموعة من الطلاب المحتجين، وهم يرددون شعارات مثل "الجامعة ليست مكاناً للشهداء"، معارضتهم للدفن في الحرم الجامعي ودعوا إلى إجراء استفتاء حول هذه المسألة.
وتطورت هذه الاحتجاجات إلى مناوشات لفظية وجسدية بين المؤيدين والمعارضين، لكن في النهاية تم دفن الجثث في مسجد الجامعة، وأصبحت هذه الحادثة واحدة من أكثر الأمثلة المثيرة للجدل في تعامل الطلاب مع قضية الشهداء المجهولين.
بعد ثلاث سنوات، في مارس (آذار) 2006، وخلال جنازة ودفن خمس جثث في جامعة أمير كبير، احتج الطلاب على الدفن في حرم الجامعة، مرددين شعارات وممزقين لافتات تعبيرًا عن معارضتهم. هذه المرة، اندلعت اشتباكات بين المتظاهرين والجماعات الموالية للحكومة، لكن الدفن جرى كما هو مخطط له.
الجهات المسؤولة عن التخطيط والتنفيذ
حتى عام 2018، كانت لجنة البحث عن المفقودين في هيئة الأركان العامة مسؤولة عن جميع مراحل البحث، النقل، التشييع والدفن.
وبعد ذلك العام، تم إنشاء آلية جديدة؛ حيث تولت لجنة متعددة الجهات تحديد مواقع الدفن وتنظيم التشييع والدفن، تضم ممثلين عن منظمة التراث الثقافي، مؤسسة الشهداء، وزارة الداخلية، هيئة الأركان العامة، مؤسسة حفظ آثار الحرب، وعدة جهات أخرى.
وغالبًا ما تُقام هذه المراسم خلال "أيام فاطمية"، لكن يمكن أن تُقام أيضًا في المناسبات الدينية والحكومية.