ومنذ 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد أن طرحت منصة "إكس" (تويتر سابقًا) تحديثها الجديد، اندلعت نقاشات واسعة في شبكات التواصل الاجتماعي الإيرانية.
وفي هذا التحديث، يتم إظهار الجهاز المستخدم، وموقع الدخول لحظة إنشاء الحساب، والموقع الجغرافي الذي ينشط منه المستخدم.
وفي إيران، تُحجب منصة "إكس" كما هو الحال مع العديد من المنصات العالمية، ويحتاج المستخدمون لتجاوز الحجب إلى استخدام ""VPN أو ما يُعرف في إيران بـ "فیلترشكن". لذلك، إذا ظهر في التحديث الجديد أنّ موقع المستخدم هو "إيران"، فهذا يعني شيئًا واحدًا: "لديه شريحة هاتف بيضاء ويستخدم إنترنت غير خاضع للحجب".
نعلم الآن أن ما لا يقل عن 16 ألف شخص من سكان إيران البالغ عددهم 85 مليونًا، يتمتعون بامتياز "شريحة الهاتف البيضاء"، في حين أن باقي المواطنين عليهم تجاوز الحجب للوصول إلى الإنترنت الحر.
وأجرت "إيران إنترناشيونال" مقابلات مع صحافيين من داخل إيران، وباحث في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات، وصحافي متخصص في العلوم والتقنية، لكشف أبعاد هذه القضية.
وكشفت هذه المقابلات أن حاملي "الشرائح البيضاء" في غرف تحرير وسائل الإعلام يسيطرون بشكل غير مكتوب على الخطوط العامة للروايات داخل وسائل الإعلام الرسمية، ويمارسون ضغطًا على الصحافيين لإعادة إنتاج هذه الروايات داخل شبكات التواصل الاجتماعي.
وبحسب هذه المعلومات، فإن عددًا من الوجوه المعروفة ممن يمتلكون شرائح بيضاء يستخدمون حتى أدوات "التوظيف" و"الإقالة" كوسيلة تحفيز أو عقاب للصحافيين الآخرين.
لماذا غضب المواطنون؟
كان المواطنون الإيرانيون يدركون، حتى قبل التحديث الجديد لمنصة "إكس"، أن المسؤولين السياسيين يستخدمون إنترنت مختلفًا. وقد جاء التحديث الجديد ليؤكد ذلك. فمن رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، إلى وزراء حكومة الرئيس مسعود بزشکیان، جميعهم يستخدمون إنترنت غير خاضع للحجب.
ولكن صدمة الكثيرين كانت في اتساع دائرة الصحافيين الإصلاحيين والناشطين السياسيين داخل إيران، الذين يستخدمون إنترنت غير خاضع للحجب. إذ يتساءل المنتقدون: كيف يمكن الادعاء بالدفاع عن حرية الإعلام والإنترنت، وفي الوقت نفسه الاستفادة من إمكانية تُحول الإنترنت والوصول إلى المعلومات إلى امتياز طبقي؟
ما الذي حدث؟
في التحديث الجديد لمنصة "إكس"، عندما ينقر المستخدم على خانة تاريخ انضمام حسابٍ ما إلى المنصة، يمكنه رؤية قسم "About This Account" (عن هذا الحساب). وفي هذا القسم، تظهر المعلومات الأساسية التالية:
- طريقة الاتصال:
"Connected via" يوضح ما إذا كان المستخدم متصلاً عبر نسخة الويب، أو تطبيق iOS"" للهواتف الآيفون، أو تطبيق "غوغل بلاي" للهواتف الأندرويد.
وتسجّل هواتف الآيفون، حتى لو اتصلت من داخل إيران، عادةً موقع الولايات المتحدة بسبب العقوبات. أما هواتف الأندرويد فتُظهر المكان الحقيقي إذا كان الاتصال من إيران. أما الاتصال عبر الويب لا يعرض الموقع الجغرافي في هذا القسم.
- البلد الذي يوجد فيه المستخدم:
"Account based in" وهو الجزء الأكثر إثارة للجدل في التحديث الجديد. هذا القسم يوضح موقع نشاط المستخدم. وبالنسبة للمستخدمين الذين اتُّهموا باستخدام شريحة الهاتف البيضاء، ظهر موقعهم على أنه "إيران".
وقد تظهر علامتان إضافيتان في هذا القسم:
علامة الدرع: تظهر عندما يستخدم المستخدم VPN. وتُظهر المنصة أن موقع المستخدم دولة أوروبية أو أميركية بجانبها علامة الدرع. وعلامة (i): وهي خاصة بخوارزميات التعرف على الموقع.
قالت الباحثة في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات، سحر تحويلي، لـ "إيران إنترناشيونال": "هذه العلامة تعني أن منصة إكس تخمّن من خلال الحسابات الخوارزمية أن المستخدم في إيران".
وأما عن علامة الدرع فقالت: "هذه العلامة تعني أن حركة مرور المستخدم مُشفّرة ومحمية، وأن منصة إكس تَعرِف أن المستخدم يستعمل نوعًا من الـVPN أو اتصالاً مُؤمّنًا أو قناة مشفّرة أو خادمًا وسيطًا خاصًا".
هل يمكن لمالكي "شرائح الهاتف البيضاء" إخفاء بطاقة اتصالهم باستخدام برامج فك الحجب؟
بحسب رأي تحويلي، فإن خوارزمية "إكس" تستطيع تشخيص ما إذا كان مستخدمٌ يملك شريحة بيضاء يستخدم الـ"VPN" أم لا. وقالت: "أساس تشخيص هذه الخوارزمية هو النمط السلوكي لـ "الآي بيهات"، وتحليل معدل تأخير "RTT" لتحديد المسافة التقريبية، وبيانات التعريف الخاصة بمشغل الهاتف المحمول، ولغة النظام، والنطاق الزمني لعمل جهاز المستخدم".
وأيّد الصحافي المتخصص في العلم والتكنولوجيا، مهدي صارمي فر، هذا الرأي، في حديثه مع "إيران إنترناشيونال"، وقال إن خوارزمية "إكس" تفحص نمط اتصال المستخدم عبر فترة زمنية طويلة، ولذلك "إذا كان معظم الاتصالات خلال الأشهر والسنوات التالية لإنشاء الحساب تأتي من بلد معيّن، فإن إكس سيعرّف ذلك البلد بوصفه (Account based in)".
وبحسب ما قاله هذان الخبيران، حتى لو استخدم أصحاب الشريحة البيضاء الـ"VPN" بعد الكشف عن امتيازاتهم، فستظلّ مواقعهم الجغرافية تُعرض على أنها إيران.
وقال بعض أصحاب "الشريحة البيضاء"، في ردّهم على الانتقادات، إن "موقعهم الجغرافي عُرض إيران لأنهم يستخدمون إنترنت غير خاضع للحجب في أماكن عملهم".
غير أن الخبراء يقولون إن خوارزمية "إكس" بما أنها تفحص جميع اتصالات المستخدم منذ إنشاء الحساب ولفترة طويلة، فمن غير المرجّح أن يؤدي عدد محدود من الاتصالات من مكان العمل إلى إظهار الحساب على أنه شبيه بحسابات أصحاب الشريحة البيضاء.
كما قال بعض الأشخاص الذين قيل إن لديهم الشريحة البيضاء إن موقعهم الجغرافي يظهر إيران بسبب اتصالهم عبر برنامج "سايفون" لفك الحجب أو بسبب استخدام "ستارلينك”.
وعلى الرغم من أن خبراء هذا المجال يعتقدون أن خوارزميات شبكة "إكس" قد تشهد تغييرات لاحقًا لإصلاح أخطاء ثانوية، فإن احتمال صحّة هاتين الفرضيتين ضعيف للغاية.
وقال خبير في مجال التقنية مرتبط بـ "ستارلينك، طلب عدم كشف اسمه، لـ "إيران إنترناشيونال"، إنه من المستبعد جدًا أن يُعرض الموقع الجغرافي لمستخدمي "ستارلينك" في إيران على أنه إيران.
كما رفض صارمي فر هذا الاحتمال وقال: "ستارلينك لا تعمل رسميًا في إيران، ولذلك يجب على المستخدمين داخل إيران تفعيل الخدمة أولاً في دولة أخرى، ثم استخدامها عبر خاصية التجوال من داخل إيران".
وأوضح هذا الصحافي المتخصص في العلم والتكنولوجيا: "إن الموقع الجغرافي لمستخدمي ستارلينك الإيرانيين يُعرض عادةً على أنه بلغاريا، لأن ستارلينك في وضع التجوال يحصل على أقرب آي بي متاح، وبلغاريا هي أقرب موقع إلى إيران توجد فيه محطة أرضية لستارلينك".
وقد عُرض الموقع الجغرافي لحساب بابك زنجاني، المحكوم في كبرى قضايا الفساد بتاريخ النفط الإيراني، والذي قضى سنوات في السجن، على أنه بلغاريا.
سجين سياسي سابق لديه "شريحة بيضاء"
من بين الأسماء التي طُرحت، ظهر أيضًا بعض الناشطين السياسيين، بل وبعض السجناء السياسيين السابقين.
ويُعد شهريار شمس، الناشط السياسي الذي اعتُقل عام 2017، واحدًا من هذه الحالات، رغم أنه كتب على "إكس" أن موقعه الجغرافي يُعرض في منطقة غرب آسيا بسبب استخدامه "ستارلينك".
كما كان عمادالدين باقي، رئيس ومؤسس "جمعية الدفاع عن حقوق السجناء"، من مستخدمي "الشريحة البيضاء". وكان باقي لسنوات مصدرًا مهمًا للحصول على المعلومات المتعلقة بحقوق الإنسان في إيران.
كما برزت أسماء العديد من السجناء السياسيين السابقين، مثل سعيد شريعتِي، وشهاب الدين طباطبائي، ومهدي طباطبائي وغيرهم، ضمن قائمة مستخدمي الشريحة البيضاء.
الصحافيون الإصلاحيون
لم يلفت استخدامُ الصحافيين العاملين في وسائل الإعلام المقرّبة من التيار الأصولي انتباهَ المستخدمين كثيرًا، لكنّ استخدام الصحافيين المحسوبين على التيار الإصلاحي أثار انتقادات حادّة.
وعددٌ ملحوظ من هؤلاء الصحافيين، الذين كانت أخبار استدعائهم والضغوط عليهم محلّ متابعة من وسائل الإعلام خارج إيران ومن المواطنين، استخدموا الشرائح البيضاء. وبعضهم ممن ردّوا على الانتقادات قالوا إن بطاقات اتصالهم "أصبحت بيضاء" خلال "حرب الـ 12 يومًا".
وكانت فاطمة رجبي، وهي من الصحافيين الذين اعتُقلوا خلال احتجاجات عام 2022، من مستخدمي "الشرائح البيضاء". وقد نالت سابقًا تقديرًا من المستخدمين؛ بسبب تمسّكها بعدم الالتزام بالحجاب الإجباري.
كما تُعدّ الناز محمدي، الصحافية وشقيقة إلهه محمدي التوأم، من مستخدمي "الشرائح البيضاء". وكانت إلهه قد اعتُقلت؛ بسبب إعدادها تقريرًا عن مراسم إحياء ذكرى مهسا أميني، وقضت 17 شهرًا في السجن. كانت الناز نشطة للغاية في متابعة أخبار اعتقال شقيقتها، وقالت إنها حصلت على الشريحة البيضاء خلال "حرب الـ 12 يومًا".
وكتبت أنّها "بضغط جهة أمنية معيّنة" لا تستطيع ذكر اسمها، اضطرت لاستخدام "الإنترنت الأبيض"، موضحة أنها في تلك الظروف كانت بحاجة إلى الإنترنت لمتابعة أوضاع "نازحي الحرب" وعائلاتهم.
مع ذلك، تعرّض هذا الجزء من تبريراتها لانتقادات واسعة. فقد رأى المنتقدون أنه خلال قطع الإنترنت، لم يكن "نازحو الحرب" ولا "عائلات الضحايا" داخل إيران يملكون إنترنت أصلاً، ومِن ثمّ لم يكن بإمكان الشريحة البيضاء الخاصة بمحمدي أن تساعد في جهودها الإعلامية.
ومن اللافت أنّ بعض الصحافيين الذين يملكون "الشريحة البيضاء"، هم من بين الأشخاص الذين كتبوا سابقًا بشكل صريح ضد استخدام تلك الشرائح والإنترنت الطبقي والفلترة.
وعلى سبيل المثال، كتبت الصحافية والناشطة في مجال حقوق المرأة، شبنم رحمتي، في منشور بتاريخ 23 مايو (أيار) 2018: "أنا صحافية لكنني لا أقبل الإنترنت غير المفلتر." وأضافت: "يجب أن يَتّضح في أيّ جانب من الخط نقف".
وقد تبيّن الآن أنها كانت تستخدم الإنترنت غير المفلتر للدخول إلى الشبكة، رغم أنه ليس واضحًا ما إذا كانت قد استخدمت هذا النوع من الاتصال أيضًا حين كتبت ذلك المنشور الانتقادي أم لا.
الدفاع عن "الشرائح البيضاء"
وكانت رئيسة تحرير صحيفة "شرق"، شهرزاد همتي، والتي كان تعيينها في هذا المنصب كصحافية حدثًا لافتًا، من مستخدمي "الشرائح البيضاء". وقد حظي استدعاؤها إلى النيابة العامة في العام الماضي باهتمام إعلامي واسع، وأثار موجة دعم.
وهمتي ليست ناشطة جدًا على شبكة "إكس". وفي نصّ نشرته على حسابها في "إنستغرام"، دافعت عن استخدام الصحافيين الشرائح البيضاء. وكتبت أنها اضطرت إلى الحصول على هذه البطاقة بسبب "حرب الـ 12 يومًا" والهجمات الإسرائيلية، لكنها شددت على أن الشريحة البيضاء الخاصة بها "قُطعت" بعد انتهاء الحرب.
وانتقدت همتي وصف الصحافيين، الذين استخدموا "الشرائح البيضاء" بأنهم "مستفيدون من امتياز غير عادل"، وشبّهت الأمر بالحصول على قرض مصرفي لموظفي البنوك أو حصول سائقي سيارات الأجرة على بنزين إضافي.
وحذّرت من أن الضغط على الصحافيين بشأن استخدام "الشرائح البيضاء" سيؤدي في النهاية إلى أن "تُخمد أصوات هؤلاء (الصحافيين داخل إيران) الذين يستطيعون على الأقل إيصال صوت ما". وهو ما زاد الانتقادات الموجّهة إليها في الفضاء الافتراضي.
وقد نشرت معظم الصحف ووسائل الإعلام الرسمية للنظام الإيراني، خلال الأيام العشرة الماضية، مواد مشابهة للدفاع عن استخدام هذه الشرائح.
ونشر موقع "تابناك" مقالاً بعنوان: "من الضرورة إلى الامتياز غير العادل: القصة المؤلمة للشريحة البيضاء للصحافيين.. الصحافيون الإيرانيون في أتون الفلترة"، تناول فيه هذه القضية. وقد وصف هذا الموقع كشفَ الموقع الجغرافي لمستخدمي شبكة "إكس" بأنه "مؤامرة"، واتهم إيلون ماسك، مالك الشبكة، بتنفيذها بطلب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
ورأى "تابناك" أنّ هدف هذه "المؤامرة" هو "الإضرار بسمعة إيران الإعلامية، وإضعاف ثقة الجمهور بالصحافيين، وخلق فجوة عميقة بين الناس والنخب الإعلامية".
متى بدأت القصة؟
في سبتمبر (أيلول) 2019، قبل شهرين فقط من "نوفمبر (آبان) الدامي" 2019، حضر محمد جواد آذري جهرمي، وزير الاتصالات في حكومة الرئيس الأسبق، حسن روحاني، إلى البرلمان الإيراني.
وفي هذا الاجتماع، تحدث لأول مرة بشكل علني عن موضوع "الإنترنت الطبقي". وقال آذري جهرمي: "لقد قلنا مرارًا في اجتماعات مختلفة (إنه يجب) تصنيف مستويات الوصول. لا يمكن أن يكون مستوى الإنترنت متساويًا للطبيب، أو الأستاذ الجامعي، أو الصحافي، مع طفل عمره ثماني أو تسع سنوات".
كان هذا المقترح من آذري جهرمي، الذي يعرف أيضًا باسم "المحقق الشاب" بسبب وجوده في وزارة الاستخبارات ودوره في تطوير الإنترنت المحلي، قد تم طرحه سابقًا بين الصحافيين الإيرانيين.
وفي ذلك الوقت، كان عدد من الصحافيين، معظمهم من التيار الإصلاحي، يستخدمون هذا الإنترنت غير المفلتر الذي كان يُعرف آنذاك بـ "إنترنت الصحافيين".
وقد ظهر أثر هذا الاستخدام في "نوفمبر الدامي" 2019، حين تم قطع الوصول العام للإنترنت لمدة نحو أسبوع كامل، بينما كان عدد محدود من الصحافيين الإصلاحيين موجودين على تويتر (شبكة إكس الحالية).
ووُصِف هؤلاء الصحافيون المتظاهرين ضد زيادة أسعار البنزين بـ "المتمردين" الذين "نهبوا" المتاجر والبنوك. الصحافيون الذين استخدموا الشريحة البيضاء خلال نوفمبر 2019 لنشر مواد ضد المتظاهرين، اتبعوا نهجًا مشابهًا في أحداث مثل إسقاط الحرس الثوري الطائرة الأوكرانية عمدًا.
ومنذ ذلك الحين، ظلّت شائعات حول استخدام بعض الأشخاص للإنترنت غير المفلتر قائمة، لكن لم يُتوقع أن يكون الانتشار واسعًا بهذا الشكل.
16 ألف شخص لديهم شرائح بيضاء
كشف عباس عبدي، الناشط السياسي وأحد الإداريين الرئيسين لجمعية الصحافيين النقابية، والذي يملك شريحة بيضاء، في تدوينة للدفاع عن استخدام هذه الشرائح، أن 16 ألف شخص في إيران يستخدمون شرائح بيضاء.
وأوضح أيضًا سياق الموضوع وتاريخه، مشيرًا إلى أنه منذ يناير (كانون الثاني) 2018، حين تم حظر تطبيق "تلغرام" في إيران، "وبمتابعة الحكومة، اقتنعت الجهات المعنية بعدم شمول الصحافيين والنشطاء الرقميين بـ القيود". وأكد أن هذا حصل بجهود جمعية الصحافيين النقابية.
دوائر "الشريحة البيضاء" في الصحف الرسمية
أفاد صحفيان من قسمي التحرير لوسائل إعلام إصلاحية، بشرط عدم الكشف عن هويتهما لـ "إيران إنترناشيونال"، بأن بعض الصحافيين الإصلاحيين، وبقربهم من دوائر السلطة، شكلوا مجموعات لتوجيه الرأي العام وأحيانًا للضغط على صحافيين آخرين.
وأشاروا إلى أن مسألة التوظيف والفصل في بعض الوسائل الإعلامية كانت تُدار أحيانًا تحت ضغط هذه المجموعات، والتي عُرفت باسم "الشريحة البيضاء" بسبب وجود معظم أعضائها في قائمة مستخدمي "الشرائح البيضاء".
وقال أحد الصحافيين: "قبل كشف الشرائح البيضاء، كانت هذه المجموعات تتجاوز التعليمات الرسمية، التي تحددها بعض الجهات، مثل المجلس الأعلى للأمن القومي، وتوجه مجرى الأخبار في الوسائل الرسمية وغير الرسمية بطريقة غير مكتوبة".
وأوضح المصدر: "على سبيل المثال، في الدوائر الخاصة والمجموعات الإلكترونية، كانت مواضيع مثل دعم مسعود بزشکیان ووزرائه، والدعوة للمشاركة في الانتخابات، والهجوم على مجموعات ومستخدمي التيار الملكي، من أولويات النقاش".
وأضاف: "خلال حرب الـ 12 يومًا، كانت المناقشات في هذه المجموعات تتمحور حول مقارنة رضا بهلوي بمسعود رجوي، وقد غطت عدة صحف هذا الموضوع في صفحاتها الرئيسة".
وأكد المصدر أن الصحافيين الإصلاحيين القليلين، الذين تلقوا أي إشادة من مؤيدي نظام الشاه السابق، يتعرضون للتهديد غير المباشر والمقاطعة المباشرة من قِبل زملائهم.
الضغط لدعم "الشريحة البيضاء"
قال صحافي آخر لـ "إيران إنترناشيونال": "اليوم، وبعد سنوات، أغلب المجتمع الصحافي الإصلاحي يمتلك شريحة بيضاء. وبعد كشف الموضوع، مورس الضغط غير المباشر على القلة، التي لم تمتلك شريحة بيضاء لدعم الأغلبية داخل أقسام التحرير".
وأضاف أن هذا الصحافي، الذي يعمل الآن موظفًا حرًا في الصحف بسبب ضغوط مجموعات "الشريحة البيضاء"، أن الضغط على منتقدي "الشريحة البيضاء" ليس جديدًا؛ فقد سبق أن طُرد زميل له بسبب جمع توقيعات لرسالة ضد الإنترنت المخصص للصحافيين، وهو يعمل الآن في وظيفة أخرى.
وبخصوص توجيه الصحافيين خلال "حرب الـ 12 يومًا"، قال: "كان يُطلب حتى إذا لم تستطع الدفاع عن الحرس الثوري بسبب ميولك السياسية، أن تدافع عن الجيش وتكتب عن المدنيين القتلى".
وأشار إلى أنه إذا لم يتوافق أحد مع هذه المجموعات، "قد يواجه مشاكل، وإذا تم اعتقاله، تسعى المجموعات نفسها المرتبطة ببعض وسائل الإعلام الخارجية لمنع نشر أخبارهم".
وفيما يتعلق بالأشخاص المؤثرين في هذه المجموعات، قال: "انظروا من لهم تأثير في جمعية الصحافيين، ومن يدير قناة نادي الصحافيين، هؤلاء قادرون على توظيف أو فصل أي شخص".
وشرح طريقة عمل الصحافيين، قائلاً: "قبل حرب الـ 12 يومًا، وخلال انتخابات رئاسة الجمهورية 2024، كانت الوسوم على وسائل التواصل الاجتماعي تبدأ من هذه المجموعات، ثم يُشجع الآخرون على الانضمام عبر الرسائل الخاصة".
وأضاف: "في فترة رئاسة إبراهيم رئيسي، كان الوضع أكثر ودية، لكن بعد فوز مسعود بزشکیان، حصل بعض الزملاء الداعمين في الانتخابات على دعم وظيفي ومشاريع، وهؤلاء الآن يهددون الآخرين".
وأشارت "إيران إنترناشيونال" إلى أنها لا تستطيع تأكيد أو نفي هذه الادعاءات بشكل مستقل.
استخدام الشريحة البيضاء لم يكن أبدًا إجباريًا
أوضح الصحافي الأول لـ "إيران إنترناشيونال" طريقة تخصيص الشريحة البيضاء قائلاً: "عادةً ما يقترح مديرو الصحف من يحصل على الشريحة البيضاء، لكن الزملاء الدائمين وموظفي التحرير يمكنهم تقديم طلب الحصول عليها من أشخاص لديهم صلات".
وأضاف: "استخدام الشريحة البيضاء لم يكن أبدًا إجباريًا، سواء قبل حرب الـ 12 يومًا أو بعدها، الشريحة تُفعل فقط بناءً على طلب الشخص نفسه".
وفيما يخص تفعيل الشريحة البيضاء، قال: "بعد الطلب، الذي يتم عادة عبر مساعد الصحافة بوزارة الثقافة والإرشاد، تُفعّل الشريحة. ولم أسمع أن هناك حاجة لمراجعة بعد عدة أشهر".
وبخصوص الرسوم، أوضح: "أنا متأكد أنه لا توجد تكلفة إضافية، وحتى عندما عُرض علينا، قيل إن سعر الهاتف سيكون ثلث السعر المعتاد".
وأكد الصحافي الآخر أن تكلفة "الشريحة البيضاء" الآن أقل من الشريحة العادية، لكنها كانت مجانية أثناء وزارة آذري جهرمي في حكومة روحاني.
وأفاد المصدران بأن بعض حاملي الشرائح البيضاء اتهموا بـ "الخوف" و"الخيانة" خلال "حرب الـ 12 يومًا"، لمجرد أنهم لم يتوافقوا مع حاملي الشرائح البيضاء الآخرين على إدانة هجوم إسرائيل، أو كتابة تقارير عن "المدنيين القتلى" أو الهجوم على "التيار الملكي".