وتُعد طهران اليوم مزيجًا من ازدحام مروري خانق، وموقع جبلي مغلق، وشتاء بارد، وظاهرة الاحتباس الحراري، وانبعاثات ملوِّثة غير مُسيطر عليها؛ وهذه العوامل تجعلها واحدة من أكثر العواصم تلوثًا في العالم. فهل تمكنت مدينة بهذه الخصائص من تجاوز الأزمة؟
وتمكنت عدة مدن كبرى، كانت حالتها أسوأ من طهران، من تغيير مسارها. فأزمة تلوث الهواء ليست "مشكلة غير قابلة للحل"، بل "مشكلة غياب الإرادة السياسية".
سيول.. مدينة شبيهة بطهران
سيول، مدينة محاطة بالجبال ومزدحمة وباردة، كان مستوى جودة الهواء فيها قبل عشر سنوات مشابهًا لطهران اليوم. إلا أن حكومة كوريا الجنوبية رأت أن الأزمة "قابلة للسيطرة" ووضعت برنامجًا بنيويًا واسعًا بدلاً من الإنكار.
أُخرجت السيارات المتهالكة من الخدمة ضمن جدول زمني محدد. وقد جعلت الحوافز المالية الكبيرة شراء السيارات الاقتصادية والكهربائية أمرًا ممكنًا وجذابًا للناس. كما توسعت شبكة النقل العام لتصبح خيارًا موثوقًا حقًا.
وعلى مستوى البنية التحتية، جرى تحويل وقود محطات الطاقة من الفحم والمازوت إلى الغاز الطبيعي.
ولكن نقطة التحول كانت الشفافية: نظام يُظهر للمواطنين لحظة بلحظة حجم انبعاثات المصانع. ونتيجة هذه السياسات كانت انخفاضًا بأكثر من 40 في المئة في التلوث خلال أقل من عشر سنوات، وهذا دليل واضح على أن الأزمة خاضعة لإرادة الحكم، لا لقدَر الجغرافيا.
مكسيكو سيتي.. خروج من القائمة السوداء
في تسعينيات القرن الماضي كانت مكسيكو سيتي واحدة من أكثر المدن تلوثًا في العالم: محاصرة بالجبال، مكتظة، وغارقة في "حبس الهواء".
ومع ذلك، بدلًا من تطبيع الأزمة، بدأت الحكومة إصلاحًا بنيويًا. فطبقت برنامج "يوم بلا سيارة"، وتغيّرت أنماط استهلاك الوقود. كما أمرت بإخراج عشرات الآلاف من سيارات الأجرة والحافلات المتهالكة من الخدمة بشكل إلزامي.
وألزمت الحكومة المصافي بإنتاج وقود نظيف، وتوسّعت شبكة المترو بوتيرة غير مسبوقة. كما ساعد تطوير المساحات الخضراء في تحسين جودة الهواء في الأحياء.
وفي أقل من عشر سنوات خرجت مكسيكو سيتي بالكامل من قائمة المدن الملوّثة، وهو مثال يثبت أن أزمة التلوث قابلة للحل حين تتوفر الإرادة التنفيذية.
بكين.. إعادة كتابة مصير العاصمة
كانت بكين لسنوات رمزًا للتلوث الشديد، لكن الحكومة الصينية طبقت سلسلة إجراءات صارمة وشفافة. فأغلقت آلاف المصانع الملوِّثة أو نقلتها إلى أطراف المدينة، وتحول الوقود الصناعي والمنزلي من الفحم إلى الغاز الطبيعي. كما جرى تشغيل أسطول النقل العام بالكهرباء على نطاق واسع.
وفي الوقت نفسه، أعيد فتح مسارات الرياح الطبيعية في بكين، وهي المسارات التي كانت قد سُدّت في طهران بسبب البناءات العشوائية.
وأما نظام المراقبة على مدار 24 ساعة فوضع البيانات أمام الشعب الصيني وعزز الرقابة الاجتماعية. وكانت النتيجة انخفاضًا بنحو 50 في المائة في التلوث بين عامَي 2013 و2020، وهو تغيّر ناتج عن الإرادة والقدرة والتخطيط.
طهران.. الحل موجود إذا أرادوا
إن أزمة تلوث الهواء ليست معقّدة ولا مستحيلة؛ المشكلة في غياب الإرادة السياسية.
ويُعد تغيير وقود محطات الطاقة ووقف استخدام المازوت، وتحديث الأسطول المتهالك من السيارات والحافلات، وتطوير شبكة نقل عام واسعة ورخيصة، وتشديد الرقابة على الصناعات الملوِّثة، ومنع البناء في مسارات الرياح، ونشر بيانات حقيقية وشفافة.. جميعها إجراءات مُجرّبة وناجحة.
وهذه ليست وصفات خيالية أو غير قابلة للتنفيذ، بل تجارب طبّقتها مدن شبيهة ونجحت. ويمكن لطهران أيضًا الخروج من هذه الدائرة القاتلة، إذا كانت صحة الناس- لا الاعتبارات السياسية والأمنية- تحتل أولوية لدى النظام الإيراني.