كان غرشت لسنوات طويلة، ليس فقط بصفته ضابطاً في "سي آي إيه"، بل أيضاً بصفته باحثاً في التاريخ، يراقب النظام الإيراني عن كثب، كما دفعه فضوله في إحدى الفترات إلى التوجه سراً إلى إيران لرؤية الحقائق فيها مباشرة.
ويشير إلى ذكرى من أوائل تسعينيات القرن الماضي، إلى زمن لم يمضِ فيه وقت طويل على خروج إيران من الثورة والحرب. ومن أجل فهم أعمق لواقع إيران، ترك غرشت الوكالة خلافاً لتعليماتها، ودخل إيران مختبئاً في صندوق شحن داخل شاحنة عبر الحدود التركية.
ويقول: "لم يسمحوا لي بالذهاب إلى إيران، فقررت أن أفعل ذلك بنفسي". وبناءً على هذه التجربة، توصّل إلى أن: "هؤلاء (حكام إيران) لا ينوون الهروب إلى باريس. سيقاتلون حتى اللحظة الأخيرة".
ويرى غرشت أن النظام الإيراني يعاني "لا استقراراً بنيوياً"، وأن الحرب مع أميركا وإسرائيل في شهر يونيو كانت صدمة كبيرة له، وأنه اليوم شديد الارتياب من مستوى اختراق أجهزته من قبل أعدائه. وأضاف في المقابلة أن الحرب التي استمرت 12 يوماً وجّهت "ضربة قاتلة" للمرشد الإيراني من الناحية النفسية وربما من الناحية الإدارية.
وبحسب توقعات غرشت، فإن مكانة المرشد البالغ 86 عاماً، الذي يصفه بـ"رجل الدين المخضرم"، آخذة في التراجع. وقال: "أشك كثيراً في أن هذا الرجل البالغ 86 عاماً يدير الحكم بنفسه فعلاً".
ويرى غرشت أن النسخ المستنسخة منه داخل النظام هي التي تقوم بذلك: "لقد نجح في استنساخ نفسه داخل بنية النظام".
ويعتقد غرشت أن الضربات الجوية المفاجئة التي نفذتها إسرائيل خلال الحرب كشفت "نطاقاً واسعاً من الإخفاقات الاستخباراتية"، وأودت بحياة مئات العسكريين والمدنيين.
كان غرشت في وكالة الاستخبارات الأميركية مسؤولاً عن "استهداف إيران"، أي تحديد وجذب المواطنين الإيرانيين للتعاون الاستخباراتي. وهو يفسّر فشل الاستخبارات الإيرانية في مواجهة إسرائيل بالقول: "ليس ضرورياً إشراك أعداد كبيرة من العناصر الإسرائيلية لتنفيذ اغتيالات كبار القادة".
اعتماد النظام على الشباب لبقائه
وقال غرشت إنه على الرغم من ادعاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأن ضربات واشنطن "دمرت" البرنامج النووي الإيراني، فإن الجمود النووي لا يزال قائماً.
وفي الوقت الذي دمّرت فيه العقوبات الدولية الاقتصاد، ورفعت تكاليف المعيشة بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وقللت من الدعم الشعبي، رفض خامنئي ومسؤولون كبار في النظام الإيراني شروط الولايات المتحدة لاستئناف المفاوضات.
وبحسب ما أكد عليه غرشت، "يدرك النظام الإيراني أن إعادة البناء والترميم الكاملين لم يعدا ممكنين، ويدرك مدى الكراهية التي يكنّها له جزء كبير من الشعب"، لكنه "يبقى صامداً طالما بقيت لديه مجموعة من الرجال الشباب القادرين على ممارسة العنف والقمع".
ويرى غرشت أن الولايات المتحدة على الأرجح لن تسلك مسار إسقاط النظام الإيراني عبر الضغط. فبحسب رأيه، لا يوجد حالياً ضغط جدي يدفع نحو تغيير النظام، وليس لدى ترامب استراتيجية للانقلاب، كما أن التيارات السياسية في أميركا تعارض نهجاً من هذا النوع كما كانت تفعل سابقاً.
ويؤكد: "لكن الأحداث غير المتوقعة قد تنشأ من أي جهة، وهذه الأحداث غير المتوقعة هي ما يقلق النظام الإيراني". ومن وجهة نظره، بعد نحو نصف قرن على عمر النظام الإيراني، فإن أي تغيير لا بد أن ينشأ من الداخل.
وأشار غرشت إلى القمع العنيف لاحتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، قائلاً: "النساء لا يمكنهن إسقاط النظام الإيراني. هذا الأمر يجب أن يقوم به الرجال الشباب".
التغيير من داخل الأجهزة القمعية
وبحسب قول غرشت، فقد "فقد النظام الحاكم شرعيته، لكنه لم يفقد قدرته على القمع". ويرى أن التغيير الحقيقي لن يحدث عبر الضغط الخارجي ولا من خلال انتقال سلمي للسلطة، بل فقط عندما يتشكل شرخ داخل قوات الأمن الموالية للنظام.
ويستحضر تجربة من موسكو: "في إحدى الحفلات سألتُ عدداً من الضباط السابقين والحاليين في الـKGB: ما أكثر ما كان يزعجكم؟ فقالوا: لقد سئمنا من الكذب الدائم على أطفالنا".
ويقول غرشت إن هذا السؤال قد يتولد يوماً في ذهن عناصر الأمن الإيرانية أيضاً: "وإذا حدث ذلك، قد يشهد النظام الإيراني تغييراً حقيقياً". وحتى ذلك الحين، تبقى إيران، في نظره، بلداً مليئاً بالتناقضات، بحكام ما زالوا مصممين على الحكم بالقوة والقمع.