حكام إيران لا يبالون بغرق البلاد فَعائلاتهم قد فرّت وبنَت مستقبلها في الخارج

يبني أبناء الطبقة الحاكمة صاحبة الامتياز في إيران مستقبلهم في الخارج؛ ذلك المستقبل نفسه الذي حرم منه آباؤهم ملايين الإيرانيين لما يقرب من نصف قرن.

يبني أبناء الطبقة الحاكمة صاحبة الامتياز في إيران مستقبلهم في الخارج؛ ذلك المستقبل نفسه الذي حرم منه آباؤهم ملايين الإيرانيين لما يقرب من نصف قرن.
إن كل مجتمع لديه طبقته صاحبة الامتياز، لكن قلّما يتجلى الشرخ بين الحاكمين والمحكومين بوضوح كما هو الحال في إيران.
فلا يزال قادة طهران يصرّون على أن النظام الذي شُيّد بعد ثورة عام 1979 نظامٌ نزيه ومستقل وأخلاقيًا أرقى من الغرب. ويؤكدون أن إيران مكتفية ذاتيًا ومحصّنة ثقافيًا ضد النفوذ الأجنبي، وأن على المواطنين العاديين البقاء أوفياء وتحمل المشقة والنظر إلى العزلة كفضيلة. لكن هذه الرواية تسقط سريعًا عندما يتعلّق الأمر بأسرهم هم أنفسهم.
فأبناء أقوى الشخصيات السياسية والعسكرية والدينية في إيران يختارون، في الغالبية الساحقة، العيش خارج البلاد؛ في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وأستراليا. يدرسون في جامعات غربية، يعملون في مؤسسات غربية، ويتمتعون بالحريات الغربية.
هذا ليس حدثًا عابرًا ولا استثناءً؛ بل نمط متكرر حتى أن الإيرانيين صاغوا له تسمية خاصة: "دياسبوراي الامتياز" — أي شتات أبناء النخبة الحاكمة الذين يبنون مستقبلهم خارج البلاد، بينما يبقى معظم الشعب الإيراني محاصرًا داخلها.
قائمة تطول بلا نهاية
انظر مثلًا إلى عائلة لاريجاني؛ إحدى العائلات التي كانت لسنوات طويلة في قلب هندسة السلطة داخل النظام.
فعلي لاريجاني — الذي شغل مناصب رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون، والمفاوض النووي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، ورئيس البرلمان — حذّر الإيرانيين مرارًا من "خطر النفوذ الأميركي".
ومع ذلك، تعيش ابنته، وهي طبيبة، في ولاية أوهایو حيث تمارس مهنتها في البلد الذي كان والدها يصفه بأنه "تهديد لوجود" إيران.
مثال آخر: يحيى رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري وأحد أبرز مستشاري المرشد، ومن مهندسي مفهوم "المقاومة الثقافية" والمشرفين على تطبيق "الحجاب الإجباري".
ابنته اليوم تعيش بحرية في أستراليا، وتتمتع بالخيارات نفسها التي حُرمت منها النساء الإيرانيات لعقود.
حتى العائلات المصنّفة ضمن "التيار المعتدل" أو "الإصلاحي" تسلك المسار ذاته.
فقد غادرت ابنتا الرئيس الأسبق محمد خاتمي إلى الخارج للدراسة وعاشتا طويلًا هناك. وكذلك فعلت ابنة أخت حسن روحاني، الموصوفة بـ"ابنة أحد كبار المفاوضين النوويين". وعندما تلوح الفرص الخارجية، تتلاشى الخلافات بين التيارات.
ويتكرر النمط نفسه في حالات أخرى: معصومة ابتكار — أحد وجوه احتلال السفارة الأميركية عام 1979 — أرسلت ابنها بعد عقود إلى لوس أنجلوس للدراسة؛ المدينة التي صُوِّرت لجيلها يومًا بأنها رمز "الفساد والانحطاط".
وسلك شقيقا نوبخت، الطبيبان البارزان في مؤسسات أميركية مرموقة، المسار ذاته، رغم أن والدهما وعمهما ساهموا في صياغة السياسات الاقتصادية التي أفقرت المستشفيات الإيرانية.
حتى أحفاد أعلى رجال الدين جزء من هذا الخروج.
فهذه زهرا تخشيد، حفيدة محمد رضا مهدوي كني — الرئيس الأسبق لمجلس خبراء القيادة و"حارس الطهارة الأيديولوجية" — تُدرّس اليوم القانون في جامعة أميركية، وتعمل على قضايا الحريات الرقمية؛ وهي موضوعات تُواجَه بالقمع داخل إيران.
هجرة قائمة على صفقة
تُظهر هذه الأمثلة جميعها حقيقة يعجز النظام عن إخفائها: حكام إيران لا يثقون بالنظام الذي فرضوه على شعبهم.
فلو كانوا يثقون به، لبقي أبناؤهم في الداخل، ودرسوا في جامعاته، واعتمدوا على مستشفياته، وبنوا مستقبلهم في المجتمع الذي يحكمه آباؤهم. لكنهم يغادرون، بهدوء وباستمرار.
هذه الهجرة ليست أيديولوجية؛ بل قائمة على صفقة.
فالقرب من السلطة يفتح أبواب العالم: جوازات سفر غربية، تأشيرات طويلة، شهادات رفيعة، ووظائف ذات دخل عالٍ.
بينما يواجه المواطنون العاديون العقوبات والتضخم والبطالة وقيود السفر.
هذا ليس نمط الهجرة المفروضة على الناس بسبب القمع أو الانهيار الاقتصادي؛ بل هجرة أبناء الطبقة الحاكمة، وهي ابنة الامتياز والتناقض.
أعلى صوتًا من أي شعار
من حق أبناء هذه الطبقة أن يعيشوا حيث يشاؤون، لكن اختياراتهم — هذا الخروج الصامت — تقول الكثير.
فعندما يفضّل أبناء الوزراء والقادة ورؤساء البرلمان وشخصيات الثورة لوس أنجلوس على طهران، وكليفلاند على قم، وملبورن على مشهد، وواشنطن على أصفهان، فإنهم يصدرون حكمًا أوضح من أي بيان للمعارضة:
هذا النظام غير كافٍ حتى لِمُهندسيه.
النظام يطلب الولاء من الشعب، بينما لا يريد ورثته العيش تحت الشروط نفسها. وهذا هو جوهر النفاق السياسي: التقييد على الإيرانيين العاديين، والحرية ميراث حصري لأبناء النخبة.
ولا يمكن لنظام يهرب أبناؤه من أيديولوجيته أن يدّعي الشرعية.
ولا لثورة تخلّى عنها ورثتها أن تدّعي النجاح.
ونظام يصدّر أبناء طبقته صاحبة الامتياز إلى الغرب بينما يبقي شعبه محاصرًا، ليس نموذجًا؛ بل تناقضًا ينهار تحت ثقل أكاذيبه.