وقالت "رويترز" في تقريرها التحليلي الصادر اليوم الخميس 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، إنّ شوارع طهران اليوم تُظهر مشهداً مختلفاً عن السنوات السابقة، حيث النساء غير المحجّبات يسِرن بحرية أكبر، والشباب يرتادون المقاهي دون تشدّد، وتُقام حفلات موسيقية محدودة، ما يعكس صورة متغيّرة نسبياً عن الماضي.
وفي هذا السياق، أقيم مساء 7 نوفمبر في طهران حفل رسمي لإزاحة الستار عن تمثال جديد في ميدان انقلاب تحت عنوان "ستركعون أمام الإيرانيين مجدداً"، من دون فرض قيود تتعلّق باللباس أو الحجاب الإجباري على المشاركين في الفعالية.
لكن في الوقت ذاته، يتواصل على نطاق واسع اعتقال واستدعاء وتهديد الصحافيين والطلاب والمحامين والناشطين المدنيين.
وقال محمد خاتمي، رئيس الحكومة الإصلاحية الأسبق، في هذا الشأن مؤخراً: "بعد الحرب التي استمرّت 12 يوماً، كان متوقعاً أن تُتخذ خطوات لتقدير صمود الشعب من خلال انفتاح أكبر، لكن في كل هذه المجالات، إن لم يكن الوضع قد ازداد سوءاً، فهو لم يتحسن بالتأكيد".
وأضاف خاتمي: "عمليات الاستدعاء والتحقيق وحتى محاكمة العديد من السياسيين وأصحاب الفكر والإعلاميين والشخصيات البارزة، ازدادت بشكل لافت".
وأبلغ أربعة ناشطين داخل إيران وكالة "رويترز" أنّ هدف النظام من هذه الإجراءات هو "زرع الخوف ومنع تشكّل احتجاجات جديدة".
كما نقلت الوكالة عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين ومسؤول إصلاحي رفيع سابق قولهم إنّ هذا النمط المزدوج "محسوب بدقة"، إذ يجمع بين تخفيف الضغط الاجتماعي لتهدئة الرأي العام في ظل الأزمة الاقتصادية، وزيادة الضغط السياسي لمنع أيّ موجة غضب شعبية في الشارع.
وقال ألكس وطن خاه، مدير برنامج إيران في معهد "ميدل إيست إنستيتيوت": "هذا التناقض مقصود؛ إنه نوع من صمام الأمان الاجتماعي مع وضع سقف صلب فوق أي شكل من أشكال المعارضة الحقيقية".
وبحسب تقرير "رويترز"، فإنّ النظام الإيراني، بعد الهجمات التي شنّتها إسرائيل والولايات المتحدة خلال الحرب التي استمرّت 12 يوماً، يواجه واحدة من أكثر الفترات تعقيداً منذ ثورة عام 1979.
ففي تلك الحرب، تعرّضت عدة مواقع نووية وعسكرية لأضرار جسيمة، كما ضعفت شبكة الجماعات المدعومة من إيران في المنطقة من غزّة إلى لبنان والعراق.
وفي الوقت ذاته، أدى انهيار قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدّلات التضخم، ونقص الطاقة، إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.
وقد أوقفت الحكومة الإيرانية تنفيذ قانون "الحجاب والعفاف" الذي أقرّته سابقاً التيارات المتشدّدة، وقالت مصادر مطلعة إنّ الأجهزة الأمنية وافقت على هذه التغييرات الاجتماعية باعتبارها "إدارة لحالة السخط الشعبي".
لكن في المقابل، وصلت عمليات الإعدام في إيران إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1989.
وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إنّه حتى 21 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2025، جرى تنفيذ ما لا يقل عن 1176 حكماً بالإعدام في إيران، أي بمعدل أربع حالات يومياً.
ونقلت "رويترز" عن ناشط مدني اعتُقل في احتجاجات عام 2019 قوله: "الضغوط ازدادت، وتهديد العائلات واستدعاء النشطاء واعتقال الطلاب ما زال مستمراً. النظام يريد إسكات أي صوت معارض".
وبعد الحرب التي استمرّت 12 يوماً، بدأت السلطة القضائية بمحاكمات سريعة للمتهمين بـ"التعاون مع إسرائيل"، فيما أقرّ البرلمان قوانين جديدة لزيادة العقوبات المتعلقة بالتجسّس والأنشطة الإلكترونية.
وقال مسؤول إصلاحي سابق قضى سنوات في السجن بتهمة "العمل ضد الأمن القومي": "النظام يخشى فقدان السيطرة على السلطة، وهو يشعر في الوقت نفسه بضغط داخلي وخارجي متزايد".
وأشار التقرير إلى أنّ أكثر من 21 ألف شخص اعتُقلوا خلال الحرب وبعدها، من بينهم صحافيون وناشطون مدنيون وأفراد من الأقليات القومية والدينية.
كما أفادت تقارير حقوقية بأنّ أفراداً من المجتمع البهائي اعتُقلوا بتهم تتعلق بـ"التجسّس لصالح إسرائيل"، وصودرت ممتلكات بعضهم خلال المداهمات الأمنية.
ومع استمرار الجمود في المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة وعودة عقوبات مجلس الأمن، يخشى المسؤولون الإيرانيون من أن يؤدي فشل الدبلوماسية إلى هجوم إسرائيلي جديد.
وبحسب قول وطن خاه، فإنّ استراتيجية المرشد الإيراني، تقوم على "الإبقاء على باب الدبلوماسية موارباً في الخارج، وفي الداخل توسيع هامش الحرية الاجتماعية المحدودة والمراقَبة مقابل تشديد القمع السياسي".
ويرى محللون أن "الهدوء الاجتماعي" الحالي قد يكون مؤقتاً، لكن القمع السياسي يزداد عمقاً يوماً بعد يوم، وهو التناقض الذي تصفه "رويترز" بأنه "وجه إيران الراهن تحت حكم النظام الإيراني".