ويرتبط الجدل بالحجاب، الذي يعدّه المحافظون رمزًا مقدّسًا لهوية النظام الإسلامي في إيران ووسيلة لفرض القيم الدينية على المجتمع، ما كشف عن عمق الانقسام الثقافي والسياسي داخل البلاد.
الصورة التي استخدمتها الصحيفة كانت رمزية لتمثيل الضحية المفترضة، لكنها أثارت غضب التيار المحافظ، الذي اتّهم الصحيفة بإهانة القيم الإسلامية والإساءة إلى الحجاب.
مقدّم برامج التلفزيون الحكومي محمد رضا شهبازي هاجم اختيار الصورة بشدة قائلًا: "النساء العفيفات المحجّبات أطهر من القذارة التي تسبحون فيها ليلًا ونهارًا، والتي تفوح رائحتها الكريهة أحيانًا في مثل هذه القضايا (الاغتصاب). ضعوا صورة من نوعكم بدلًا من ذلك".
رئيس تحرير الصحيفة محمد جواد روح أوضح أن الضحية المفترضة لم ترغب في الكشف عن هويتها، وأن استخدام صورة امرأة غير محجّبة كرمز غير ممكن في ظل القيود الإعلامية المفروضة في النظام الإيراني.
وقال روح: "لم نتحدث ضد الحجاب، ولم تكن لدينا أي نية لإثارة الجدل"، مضيفًا أن الصحيفة أدّت واجبها المهني بنشر تقرير "متوازن ومهني" تضمن مقابلات مع المشتكية ومحامي المتهم.
موقع "مشرق نيوز" المقرّب من الحرس الثوري زعم، نقلًا عن مصدر مطّلع، أن هيئة الإشراف على الصحافة في إيران وجّهت ثلاثة إنذارات رسمية إلى صحيفة "هم میهن" خلال الأشهر الأخيرة، مشيرًا إلى أن أحد "الانتهاكات الخطيرة" أُحيل إلى القضاء وأن "الحكم القضائي بات وشيكًا"، دون تفاصيل إضافية.
وزعم الموقع أن الصحيفة تعمّدت نشر تقرير قضية الاغتصاب بقلم الصحافية "إلهه محمدي"- التي سُجنت عام 2022 بعد تغطيتها وفاة مهسا أميني- قبيل صدور قرار إيقاف محتمل.
وكتب الموقع: "سلوك مسؤولي صحيفة (هم میهن) في إسناد مشروع إلى صحافية لديها سوابق اعتقال بتهم أمنية، وسبق أن تسببت تقاريرها بأحد أعمق أزمات البلاد، يخضع الآن للمراجعة".
هجوم واسع من الإعلام الموالي للنظام
وسرعان ما حوّلت وسائل الإعلام المقرّبة من الدولة القضية إلى عاصفة سياسية. وقالت وكالة "مهر" الرسمية إن الصحيفة أُغلقت بسبب "مخالفة أخلاقيات المهنة"، فيما اتهمتها وكالة "تسنيم" التابعة للحرس الثوري بارتكاب "إهانة متعمّدة لتقاليد شريحة كبيرة من النساء الإيرانيات".
وعلى الإنترنت، وصف معلّقون محافظون قرار الصحيفة بأنه "غير أخلاقي".
المخرج ميخائيل دياني قال إن الأمر يدل على "نية خبيثة وسعي لإحداث انقسام اجتماعي"، فيما كتبت الباحثة في الفلسفة فاطمة ريغاني على منصة "إكس" أن التقرير "دنّس رمز العباءة السوداء بقصة عن اعتداء جنسي مزعوم".
ليست المرة الأولى
إغلاق صحيفة "هم میهن" يسلّط الضوء على الوضع الهشّ الذي تعيشه وسائل الإعلام المعتدلة في إيران، حيث يمكن لأي تغطية مهنية لقضايا اجتماعية حساسة أن تُواجَه باتهامات بالانحراف الأخلاقي أو التخريب السياسي، ما يعرّض الصحافيين ورؤساء التحرير لضغوط شديدة من السلطات والرأي العام.
الصحيفة، التي يديرها غلام حسين كرباسجي- وهو عضو بارز في حزب "كوادر البناء" الوسطي ورئيس بلدية طهران الأسبق- أُعيد إطلاقها في يوليو (تموز) 2022 بعد تعليق سابق، وكانت قد أُغلقت مرتين من قبل، عامي 1999 و2008.
ومنذ إعادة إصدارها، تعرّضت لتدقيق متزايد بسبب تغطياتها لقضايا النوع الاجتماعي والمسائل الاجتماعية.
وقبل أيام، قال كرباسجي لموقع "إيكو إيران" إن عددًا من صحافييه استُدعوا وتعرّضوا للتهديد من قبل جهاز استخبارات الحرس الثوري بعد نشرهم تقريرًا عن التحديات التي تواجه النساء المعيلات للأسر.
وأضاف متسائلًا: "أي خطر يمكن أن تشكله صحيفة لا يتجاوز توزيعها ألفي نسخة على الدولة؟".
وتأتي هذه الأزمة وسط تصاعد الضغوط على الصحافة الإيرانية. ووفقًا لمنظمة "الدفاع عن حرية المعلومات" (DeFFI)، واجه ما لا يقل عن 95 صحافيًا ووسيلة إعلامية إجراءات قانونية أو أمنية خلال النصف الأول من عام 2025، بينهم ستة صحافيين اعتُقلوا مؤقتًا، وبلغ مجموع الأحكام الصادرة بحقهم أكثر من 22 عامًا من السجن.
ويرى بعض المراقبين أن السبب الرئيسي في استهداف صحيفة "هم میهن" هو نشرها تقرير قضية الاغتصاب نفسها.
وكتب المحلل الإصلاحي المخضرم أحمد زيد آبادي: "في بلد لا يمكنك فيه حتى الإبلاغ عن قضية جنائية خاصة، ما الحاجة إلى وجود الصحف أصلًا؟ التلفزيون الرسمي وصحيفة كيهان (المموّلة من مكتب المرشد الإيراني) كافيان".