وقد تصاعدت حملة شرسة ضد وزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، وكذلك الرئيس الأسبق، حسن روحاني، بعد انتقادات ظريف العلنية لروسيا، التي لم تكن جديدة. قبل أكثر من أربع سنوات، عندما تسرّب تسجيل حواره مع الناشط الإصلاحي الإيراني، سعيد ليلاز، ظهرت تلك الانتقادات بوضوح.
وفي ذلك التسجيل كُشفت خفايا استقالة ظريف وأسباب استيائه وكواليس السياسة الخارجية الإيرانية في عهد حسن روحاني. واليوم، في "لعبة لوم" جديدة، يعود ظريف مجددًا لتوجيه كلامه ضد روسيا.
وتبادل لافروف وظريف، في مواجهة علنية ونادرة، اللوم بشأن "آلية الزناد"، وهو البند الذي وصفه لافروف بأنه "فخ قانوني".
وقال إنه في الوقت الذي كانت روسيا تراقب "الغزل" بين النظام الإيراني والولايات المتحدة، أُدرجت "آلية الزناد" في نص الاتفاق برضا ظريف وتأييده.
ولكن ظريف ردّ قائلاً: "إن آلية الزناد طُرحت لأن الروس، إلى جانب الفرنسيين، أرادوا أن يجعلوا النظام الإيراني يطلب كل ستة أشهر من جميع أعضاء مجلس الأمن تمديد فترة رفع العقوبات".
ووسط هذا السجال، ومع الهجمات، التي طالت روحاني هنا وهناك، مثل اتهامه بمعرفته المسبقة بإسقاط الطائرة الأوكرانية أو بعدم تخصيص ميزانية كافية للدفاع والأبحاث، ظهر مجددًا "ذيل" التبعية لروسيا.
وفي ظرف بين الحرب والسلام، يبدو أن قاليباف وبعض المسؤولين الإيرانيين الآخرين قلقون من أن تثير تصريحات ظريف استياء الروس.
ورأت صحيفة "هم میهن" أن رد ظريف لم يكن في مصلحة إيران الوطنية، معتبرة أن روسيا، لأنها تملك حق النقض (الفيتو)، يمكنها أن تدافع عن طهران في مجلس الأمن عند الضرورة.
وكأن البعض في إيران يعيش في عالم موازٍ لم يُفعّل فيه بعد "آلية الزناد". فروسيا، سواء أثناء تفعيل الآلية أو خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا، لم تتخذ خطوة واحدة للدفاع عن النظام الإيراني.
وفي جلسة شكلية لمجلس الأمن، طرحت روسيا مشروع قرار لرفع العقوبات للتصويت، لكنها في الواقع كانت تمثّل دورًا شكليًا، بينما دار المشهد الحقيقي بين فرنسا والنظام الإيراني، وكانت روسيا تؤدي واجبها فقط رفعًا للعتب.
وفي الحرب التي استمرت 12 يومًا، كان غياب الوعود الروسية الفارغة بشأن تسليم منظومة "إس-400" أو مقاتلات "سوخوي-35" صارخًا.
وربما لم تصل بعد إلى أسماع صانعي القرار في طهران كلمات المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، حين قال: "إذا سقط النظام الإيراني، فسوف ندين ذلك بشدة." أو ربما لم يبقَ للنظام ما يتشبث به سوى "الحبل المتين" لصديقه بوتين.
ولا ننسى أنه بعد "حرب الـ 12 يومًا"، لم يُرسل المرشد الإيراني، علي خامنئي، سوى رسالة واحدة إلى الخارج: رسالة إلى بوتين حملها لاريجاني إلى موسكو. حدث ذلك في وقت ترددت فيه الأحاديث عن وساطة روسية بين إيران وإسرائيل، وأن نتنياهو قال لبوتين إنه لا ينوي تصعيد التوتر.
وبنظرة سريعة إلى مواقف روسيا تجاه إيران- ليس في الخمسين سنة الماضية فقط، بل منذ أيام غريبادوف (الكاتب الروسي الذي قُتل في طهران دفاعًا عن الأرمن)، حين نهب الروس ترابنا وثرواتنا ومخطوطاتنا- تكفي لتبيان أن طموح بوتين في "الوساطة" لن يحمل أي منفعة لإيران.
وربما يأمل قاليباف وشركاؤه أن تمتنع روسيا عن تنفيذ عقوبات مجلس الأمن، لكن روسيا نفسها تحتاج، كالنظام الإيراني، إلى "قراصنة" لتسيير تجارتها في العالم.
وقال قاليباف في كلمته العلنية إن روحاني وظريف أضرّا بمسار التعاون الاستراتيجي مع روسيا. وليس واضحًا ما إذا كان يقصد الأسابيع الأخيرة أم أنه يشير إلى فترة رئاسة روحاني.
ومهما يكن، فمن الواضح أن قاليباف، في سعيه لتفريغ أحقاده وإظهار ولائه للشرق، لم يجد جدارًا أقصر من روحاني وظريف ليصب عليهما غضبه. ونظرة شاملة إلى ما جرى تكشف أن النظام الإيراني أخطأ في كل ما فعله في مجال السياسة الخارجية. سواء في أيام حسن روحاني حين وجّه شراعه نحو الغرب، أو اليوم حين لم يبقَ إلى جانبه سوى روسيا، الصديق الذي هو أسوأ من مائة عدو.