دومينو إفلاس البنوك.. النظام المصرفي الإيراني على حافة الانهيار

أعلنت السلطات الإيرانية حلّ بنك "آينده" (المستقبل)، وتحميل ديونه الضخمة البالغة 540 تريليون تومان (نحو 10 مليارات دولار) إلى بنك "ملي" الحكومي، الذي يعاني هو الآخر من عجز رأسمالي حاد.

أعلنت السلطات الإيرانية حلّ بنك "آينده" (المستقبل)، وتحميل ديونه الضخمة البالغة 540 تريليون تومان (نحو 10 مليارات دولار) إلى بنك "ملي" الحكومي، الذي يعاني هو الآخر من عجز رأسمالي حاد.
ووفقاً للبيانات الرسمية، فإن 9 بنوك فقط من أصل أكثر من 30 بنكاً في إيران ليست مفلسة رسمياً.
السؤال المطروح الآن: كيف وصل بنك "آينده" إلى هذا الانهيار، وأيّ البنوك ستكون التالية في صف الإفلاس؟
بداية بنك "آينده"
تأسس بنك "آينده" عام 2012 نتيجة دمج ثلاث مؤسسات مالية هي "تات" و"آتي" و"صالحين". وكان الركيزة الأساسية في هذا الدمج بنك "تات" المملوك لرجل الأعمال علي أنصاري، الذي أسسه عام 2009 بدعم مباشر من حكومة محمود أحمدي نجاد.
لكن بسبب ضعف رأس المال، اضطر البنك إلى الاندماج لتشكيل "بنك آينده".
أما مؤسسة "آتي"، فقد كانت في الأصل تعاونية صغيرة لعمال منطقة زرّين دشْت، تأسست عام 2003، وكانت تزاول أعمالاً مالية دون ترخيص من البنك المركزي. وترتبط هذه المؤسسة برجل الأعمال عبدالله عبدي، الذي ارتبط اسمه لاحقاً بمشروع البتروكيماويات في ميانكاله.
إمبراطورية "آينده" المالية
وفق آخر تقارير البنك المدققة:
• يمتلك البنك 275 فرعاً يديرها 4274 موظفاً.
• يعمل 3474 شخصاً آخر في الشركات التابعة له.
• لدى البنك 40 شركة فرعية، أبرزها شركة "توسعه بین الملل إیران مال" المالكة لمجمع "إيران مال" الضخم، و13 شركة تابعة أخرى، منها شركة "بيمه رازي" للتأمين.
• يبلغ عدد عملاء البنك سبعة ملايين شخص، أودعوا فيه 255 تريليون تومان.
كيف بدأ الانهيار؟
منذ بداياته، جذب بنك "آينده" ودائع ضخمة عبر إعلانات عن فوائد مرتفعة للغاية، فارتفعت حصته من الودائع المصرفية في إيران من 3.2 في المائة عام 2013 إلى 8 في المائة عام 2018، قبل أن تبدأ بالتراجع.
استغل أنصاري تلك الودائع لتقديم قروض هائلة لشركاته الخاصة، مما فاقم من التضخم.
ومع تعثر تلك الشركات غير المربحة في السداد، بدأ البنك يدفع فوائد المودعين من أموال المودعين الجدد.
آخر البيانات تظهر أن البنك يحقق 6 تريليونات تومان إيرادات سنوية مقابل 76 تريليون تومان نفقات- أي عجز سنوي بنحو 70 تريليون تومان.
وبعد سنوات من هذا العجز، بلغت خسائره التراكمية 540 تريليون تومان، ما دفع البنك المركزي إلى إعلان حلّه.
نقل الودائع إلى بنك "ملي"... من جيب الشعب
نُقلت ودائع 7 ملايين عميل إلى بنك "ملي"، الذي يُفترض أنه "يتحمّل فقط الودائع وليس الخسائر"، وفقاً لتصريحات البنك المركزي.
لكن الواقع أن فوائد تلك الودائع ستُدفع من أموال بنك "ملي" نفسه، الذي يعاني خسائر متراكمة بقيمة 76 تريليون تومان حتى نهاية عام 2023.
ويعني هذا عملياً أن الخسائر التي تسبب بها أنصاري ستُسدّد من أموال عامة الدولة.
"صندوق ضمان الودائع" في مواجهة الانهيار
أعلن "صندوق ضمان الودائع"– الذي تأسس عام 2013– تشكيل لجنة لمعالجة أزمة بنك "آينده"، فيما يُعرف في اللغة المصرفية بـ"عملية الإنقاذ".
لكن من غير الواضح من أين سيأتي الصندوق بالأموال لتغطية تلك الديون، خصوصاً بعد فشل بيع مشروع "إيران مال" سابقاً.
الصندوق يمتلك ثلاثة مصادر تمويل فقط:
1. اشتراكات البنوك الأعضاء.
2. أرباح استثماراته.
3. قروض من البنك المركزي بموافقة الحكومة.
"إيران مال"... الحلم الذي تحول إلى كابوس
المجمع التجاري الضخم "إيران مال"، الذي أنفق عليه أنصاري المليارات، أصبح اليوم الرمز الأكبر لفشل مشروعه المصرفي.
حاول أنصاري بيع المجمع عام 2020 بسعر 85 تريليون تومان، لكن لم يتقدّم أي مشترٍ.
ورغم نية البنك المركزي بيعه "بشكل مجزأ"، إلا أن المحللين يشككون في إمكانية تحقيق أي عائد كافٍ لتغطية الخسائر الهائلة.
حتى لو بيع المجمع بالسعر المطلوب، فلن يغطي أكثر من 15 في المائة من العجز الكلي.
دومينو الإفلاس في النظام المصرفي الإيراني
تؤكد الوثائق أن أزمة بنك "آينده" ليست حالة استثنائية.
وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2025، قدّم النظام المصرفي الإيراني أكثر من 12.300 قرض ضخم، معظمها غير مسدد في موعده، لتصل قيمة الديون المتعثرة إلى 754 تريليون تومان.
كما أن "بنك ملي" نفسه، الذي "أنقذ" بنك "آينده"، لديه ديون متعثرة بقيمة 36 تريليون تومان.
ووفق المعايير المصرفية، يجب أن يكون معدل كفاية رأس المال لأي بنك بين 8 في المائة و12 في المائة.
لكن في إيران، يبلغ هذا المعدل:
• أكثر من 8 في المائة لدى 9 بنوك فقط.
• أقل من الصفر لدى سبعة بنوك.
• المعدل العام في النظام المصرفي الإيراني هو سالب 18 في المائة.
وفي حالة بنك "آينده"، بلغ المعدل سالب 600 في المائة عند إعلان الإفلاس.
انهيار يهدد الاقتصاد كله
يحذر الخبراء من أن هذه السلسلة من الانهيارات قد تؤدي إلى ظاهرة "الهجوم على البنوك" (Bank Run)، أي اندفاع المودعين لسحب أموالهم، وهو ما قد يسبب انهياراً اقتصادياً كاملاً في حال فقد الناس ثقتهم بالنظام المصرفي.
وفي النهاية، سيتحمل المواطن الإيراني الفاتورة عبر التضخم وارتفاع الأسعار، بينما ينجو المتسببون من المحاسبة.