لا تثقبوا سفينة النظام الإيراني!

تعليق علي شمخاني على انتشار مقطع فيديو من حفل زفاف ابنته بالقول: "نحن جميعاً في سفينة واحدة؛ رغم اختلافاتنا، لا ينبغي أن نثقب السفينة"، يبدو في ظاهره دعوةً إلى الهدوء وتجنّب تصفية الحسابات داخل أروقة السلطة.

تعليق علي شمخاني على انتشار مقطع فيديو من حفل زفاف ابنته بالقول: "نحن جميعاً في سفينة واحدة؛ رغم اختلافاتنا، لا ينبغي أن نثقب السفينة"، يبدو في ظاهره دعوةً إلى الهدوء وتجنّب تصفية الحسابات داخل أروقة السلطة.
لكنّ هذه العبارة ليست مجرّد نصيحة أخلاقية، بل إنذار سياسيّ موجه إلى الخصوم، يحذرهم من أن حملات التسريبات والفضائح الإعلامية قد تُزعزع التوازن الهشّ الذي يقوم عليه النظام.
لقد أثار مقطع زفاف ابنة شمخاني فوراً موجةً من الغضب والانتقاد الشعبي. ففي مجتمع يُواجَه فيه المواطنون بأقسى أشكال القمع لأبسط مخالفات الحجاب، ويعيش كثيرون تحت ضغوط اقتصادية خانقة، يُمثّل هذا التناقض الفاضح بين حياة الطبقة المرتبطة بالنظام ومعاناة المواطنين الشرارة التي يمكن أن تشعل برميل البارود. وأمام هذا الغضب الشعبي، حاول شمخاني عبر استدعاء مفهوم "المصلحة العامة" أن يُمسك بزمام الصراع الداخلي.
من المقصود بـ"السفينة"؟
حين يتحدث رجل أمني مثل شمخاني عن "السفينة"، يجب التساؤل عمّا إذا كانت هذه السفينة رمزاً للنظام السياسي بأكمله أم مجرّد تمثيلٍ لشبكة محدودة من المصالح الاقتصادية والسياسية. ويمكن تفسير هذه الاستعارة بطريقتين: سفينة النظام الإيراني، أو سفينة الأوليغارشية.
فإذا كان المقصود النظام السياسي ومؤسساته الرسمية، فإن عبارة "نحن جميعاً" تُشير إلى ضرورة الحفاظ على التماسك العام لتجنّب الانهيار. هذا التفسير مفهوم من منظور أمنيّ، إذ يسعى المركز الحاكم إلى منع أي تهديد قد يُزعزع الاستقرار.
لكن القراءة الأخرى ترى في "السفينة" تجسيداً مأساوياً لبنيةٍ مافياوية من المصالح؛ شبكةٍ تستفيد من العقوبات والريوع والمناصب الحكومية، وقد أعدّت لأعضائها "قوارب نجاة" خاصة. في هذا السياق، فإن "ثقب السفينة" يعني كشف شبكات الفساد وتقاسم الغنائم، وهو أمر ينعكس على المواطنين العاديين فقراً وتدهوراً في الخدمات، لكنه بالنسبة لأصحاب السلطة يهدد بخسارة مكاسبهم المتراكمة.
من الذي سيغرق؟
تُظهر التجربة الأخيرة للبلاد أنه كلما اهتزّ الاقتصاد أو تراجعت الشرعية العامة، كان العبء الأكبر يقع على كاهل الطبقات الدنيا والمتوسطة: ارتفاع الأسعار، تراجع الخدمات، وزيادة القمع الأمني، بينما تبقى الدوائر الداخلية للسلطة ــ بفضل امتلاكها الموارد والمعلومات وشبكات النفوذ ــ أقل تضرراً، لأنها تمتلك "قوارب نجاة" سياسية واقتصادية. لذا، حين يقول شمخاني "سنغرق جميعاً"، فإنه يتحدث في الواقع من داخل منظومة الحكم، عن أولئك المستعدين للتسوية فيما بينهم حفاظاً على بقاء البنية العامة. أما بالنسبة لعامة الناس، فـ"الغرق" هو واقعٌ يوميّ مستمر.
النتائج والدلالات الاستراتيجية
إن نشر مثل هذه المقاطع يُظهر تآكل الرأسمال الرمزي للنظام؛ فشرعية السلطة التي كانت تقوم على خطابٍ أخلاقي تواجه اليوم رأسمالية داخلية متوحشة وتناقضاتٍ أخلاقية صارخة. كما أن الصراعات الداخلية والتسريبات المتبادلة تُضعف التماسك السياسي على المدى البعيد، وقد تدفع نحو مزيد من الاضطراب الإداري.
وتُبيّن ردود الفعل العامة أن الناس باتوا يتعاملون مع الأحداث بما يتجاوز الغضب اللحظي؛ إذ حوّلوا سنوات المعاناة إلى ذاكرة جماعية تُنتج استجابةً سياسية فورية مع كل فضيحة جديدة.
بالنسبة لغالبية الإيرانيين، "السفينة" مثقوبة منذ زمن بعيد؛ ليس بمعنى ظهور خطر جديد، بل لأن بنية توزيع المنافع والأمن كانت على الدوام غير عادلة.