في الساعات الأولى من الصباح بتوقيت إيران، كتب المدير العام لوكالة "ميزان" التابعة للسلطة القضائية للنظام الإيراني على منصة "إكس" أن "أحد الممثلين المشهورين في السينما" اعتُقل إثر شكوى تقدمت بها امرأة بتهمة "الاغتصاب".
وعلى الرغم من أن المنشور لم يذكر اسم الممثل، فإن اسم بجمان جمشيدي – اللاعب السابق في المنتخب الإيراني ونادي "برسبوليس"، الذي اكتسب شهرة في السينما بعد اعتزاله كرة القدم – انتشر سريعاً على الألسن.
ماذا تقول الأنباء الرسمية؟
بعد أقل من ساعة من نشر هذا المنشور على "إكس"، أكدت السلطة القضائية الخبر رسمياً، لكنها اكتفت ببيان قصير كررت فيه مضمون المنشور.
وجاء في البيان: "منذ مدة، تقدمت سيدة إلى المرجع القضائي بشكوى ضد أحد الممثلين السينمائيين بتهمة الاغتصاب بالإكراه. وبعد الشكوى الخاصة وإجراء التحقيقات الفنية والعلمية، تم استدعاء الممثل الشهير وتوجيه الاتهام إليه واعتقاله".
تصريحات العقيد بابك نمكشناس، رئيس مركز الإعلام في شرطة طهران، خففت من الغموض المحيط باسم الممثل المعني، إذ أكد بشكل غير مباشر أن الممثل الذي ذُكر اسمه في وسائل التواصل وبعض وسائل الإعلام هو بالفعل الشخص المعتقل.
وأوضح نمكشناس أن الشرطة لم تتدخل في عملية اعتقال "هذا الشخص"، مشيراً إلى أن القضية تعود إلى شكوى تقدمت بها "امرأة بهوية حقيقية"، وأن الملف يُنظر فيه حالياً أمام المحكمة الجنائية الأولى في طهران.
وبحسب رئيس مركز الإعلام في شرطة طهران، فقد أُصدر استدعاء للمتهم عقب فتح الملف، ومثُل أمام المحكمة يوم الاثنين 20 أكتوبر، وبعد توجيه الاتهام تم اعتقاله وهو الآن بيد السلطات القضائية.
وذكرت الوكالات الرسمية في الداخل الإيراني أن المشتكية "فتاة في العشرين من عمرها"، وأن التهمة الموجهة إلى المتهم هي "الاغتصاب والاختطاف"، مشيرة إلى أن قرار المحكمة حوّل الكفالة إلى أمر بالاحتجاز، وأن اعتراض المتهم لم يغيّر رأي القاضي.
وأفادت وكالة "إيسنا" بأن الممثل نُقل إلى "قسم الحجر الصحي في الوحدة الثالثة من سجن قزلحصار".
وفي منتصف ليل الأربعاء 22 أكتوبر، كتب أمينرضا جلبیانلو، طبيب أسنان ومنتج فيلم "قسطنطنیه" السينمائي الذي يشارك فيه بجمان جمشيدي ويُعرض حالياً، على "إنستغرام": "حتى هذه اللحظة لم تثبت أي تهمة ضد بجمان جمشيدي بخصوص القضايا المطروحة، وجميعها مجرد ادعاءات يتم متابعتها من قبل الجهات القضائية المختصة".
وأضاف مؤكداً حضور جمشيدي جلسات التحقيق: "السيد جمشيدي، احتراماً للقانون ومن أجل كشف أبعاد القصة، شارك شخصياً في جلسات المحاكمة، وسيتم إعلان التفاصيل لاحقاً عبر محاميه بعد اتضاح الحقائق".
ماهك جمشيدي، شقيقة بجمان جمشيدي، شاركت المنشور مباشرة بعد صدوره على صفحتها في "إنستغرام".
لماذا لم يكن للشرطة دور في اعتقال المتهم؟
توضح المحامية شيما قوشه، التي تولت الدفاع عن نساء في قضايا مشابهة مثل قضية كيوان إمام وردي وقضية "الاغتصاب في سيارة الإسعاف"، أن النظر في قضايا الاغتصاب من اختصاص المحكمة الجنائية في كل محافظة، ما يعني أن المحكمة تتولى مباشرة التحقيق دون المرور بمرحلة النيابة العامة.
وفي مقابلة مع موقع "اطلاعات أونلاين"، شرحت إجراءات التقاضي في مثل هذه القضايا قائلة: "بعد تقديم الشكوى، إذا كانت الأدلة والشهادات المقدمة من المشتكية كافية لإقناع القاضي، يتم استدعاء المتهم إلى المحكمة وتوجيه الاتهام إليه".
وتشير المادتان 237 و238 من قانون الإجراءات الجنائية إلى أن إصدار قرار التوقيف المؤقت في الجرائم التي يعاقب عليها القانون بـ"الإعدام أو قطع الأعضاء أو السجن المؤبد" أمر "مجاز" بشرط أن يكون مسبباً ومستنداً إلى أحكام القانون من قبل القاضي.
وبالتالي، في تهمة مثل الاغتصاب بالإكراه التي يمكن أن تصل عقوبتها إلى الإعدام وفق المادة 224 من قانون العقوبات الإسلامي، تمتلك المحكمة سلطة إصدار قرار بالاحتجاز المؤقت استناداً إلى هاتين المادتين.
وأكدت قوشه أنه إذا تم إرسال بجمان جمشيدي – أو أي شخص آخر – مباشرة إلى السجن بعد الاستدعاء، فهذا يعني أن القاضي "اقتنَع بارتكاب الجريمة، وقبل الأدلة، واعتبر وقوع الاغتصاب مثبتاً في هذه المرحلة".
قضية واحدة أم أكثر؟
بعد تأكيد الشرطة الخبر، نشرت وكالة "إرنا" الرسمية تقريراً – تم حذفه لاحقاً من موقعها – قالت فيه: "إن هذا الممثل كان قد اتُّهم بالاغتصاب سابقاً أيضاً، وتمكن حينها من إسكات المشتكية عبر الترغيب المالي".
ونقل موقع "همشهري أونلاين"، التابع لبلدية طهران، عن مصدر وصفه بـ"السينمائي والمنتج"، من دون ذكر اسم جمشيدي، قوله إن "هذا الممثل سبق أن واجه قضية مماثلة وتمكن من إسقاطها بدفع المال، ثم عاد إلى الساحة السينمائية".
ردود الفعل: من خيبة الأمل إلى لوم الضحية
نشر أحد المستخدمين على منصة "إكس" صورةً لجمشيدي إلى جانب إحدى معجباته، وكتب: "بجمان حتى لا يُحرج الفتاة يضم ذراعيه بالكامل. أياً كانت الحسابات، من المستحيل أن يفعل شيئاً كهذا".
وقال آخر: "أعتقد أن بجمان جمشيدي رجل ذكي... أستبعد جداً أن يقع في مثل هذا الفخ، اعتقاله غريب فعلاً".
وأشار كثير من المستخدمين إلى شهرة جمشيدي وثروته، متسائلين: "بإمكانه إقامة علاقة مع أي امرأة، فلماذا يغتصب؟".
في المقابل، رأى آخرون أن إثارة قضية اغتصاب واختطاف بهذا التوقيت تهدف إلى التغطية على ضجة زفاف ابنة شمخاني، فيما طرح بعضهم فرضية ابتزازه من قِبل امرأة بهدف المال.
كلمة "ابتزاز" أعادت إلى أذهان البعض فيلم "علفزار" من إخراج كاظم دانشي، المبني على قضية اغتصاب جماعي حقيقية في يونيو 2011 عُرفت باسم "قضية خُميني شهر".
في هذا الفيلم، يؤدي بجمان جمشيدي دور القاضي في القضية. وفي أحد المشاهد، تسأله إحدى الضحايا: "هل لأننا كنا سُكارى، يحق لهم اغتصابنا؟ هل هذا هو القانون؟".
فيرد القاضي بتعداد الحجج المعتادة التي تُوجَّه إلى ضحايا الاعتداءات الجنسية: "كيف كنتِ فاقدة الوعي وتتذكرين؟ لماذا لم تذكري لي في البداية أنك شربتِ الكحول؟" ثم يرفع صوته قائلاً: "كنتِ سكرى! وشهادات مرافقيك لا تؤيدك! وتقولين لي تم الاعتداء عليكِ! من أين تعرفين أنهم هم؟ ربما كان آخرون!".
وحين تؤكد الضحية أنها متأكدة وتتذكر وجوههم جميعاً، يرد القاضي: "يجب إثبات ذلك، هذه محكمة، لا يمكن لأي شخص أن يفتح الباب ويقدم ادعاءً فنصدّقه. ربما أنتِ من تحاولين الابتزاز!".
وعلى الرغم من أن كثيرين دافعوا عن المشتكية في القضية الحالية مؤكدين أن "وقوع الجريمة ليس مستحيلاً من أي شخص"، فإن خطاب لوم الضحية ما زال هو السائد في شبكات التواصل، خصوصاً في الصفحات ذات الجماهيرية الواسعة.
لماذا يميل المجتمع إلى الوقوف بجانب الجاني؟
يرى كثير من المحللين أن جذور هذا الميل تعود إلى الثقافة الذكورية السائدة وإلى الصور النمطية ضد النساء التي شكّلت عبر السنين البنى الاجتماعية وظلالها لا تزال حاضرة في كل المجالات، وهي بنية يصعب تفكيكها.
لكن هناك تفسيراً آخر أقل تناولاً، يركّز على الطبقات الذهنية والمعرفية في النفس البشرية، ويربط ميل الناس إلى لوم الضحية بآلية نفسية تُعرف باسم "فرضية العالم العادل".
إذ يميل معظم الناس – وربما جميعهم – إلى الاعتقاد بأن العالم عادل، وأن كل ما يحدث لنا هو نتيجة أفعالنا. وهو الاعتقاد الذي عبّر عنه سعدي بقوله: "افعل الخير وألقه في دجلة، فالله سيعيده إليك في الصحراء".
ذهن الإنسان يجد صعوبة في تقبّل فكرة أن "الأشياء السيئة تحدث لأشخاص طيبين" من دون أن تكون لهم يد فيها.
فالإيمان بعدم وجود عدالة يهدد شعور الناس بالأمان والبقاء، لذلك يفضّلون تهدئة أنفسهم بعبارات مثل: "لو كانت المرأة أكثر حذراً"، أو "لو لم تلبس هكذا"، أو "لو لم تُغْوِ الرجل" لما تعرضت للاعتداء.
وهكذا يقنعون أنفسهم: "أنا في مأمن من ذلك، لأنني حذِر، وأرتدي اللباس المناسب، ولا أُغري أحداً".
لكن هذه الآلية الدفاعية النفسية لها ثمن باهظ؛ فهي تؤدي إلى إلقاء اللوم على الضحية، وتهميشها أكثر، وتفتح الطريق أمام الجاني للإفلات من العقاب، إذ يجد ملاذاً في أحكام المجتمع وانحيازاته، ويظل مختبئاً في الظل.