ونشرت صحيفة "تلغراف" البريطانية، يوم الاثنين 18 أغسطس (آب)، تقريرًا نقلت فيه عن مسؤول إيراني رفيع قوله: "إن أربعة من قادة الحرس الثوري سافروا الأسبوع الماضي إلى العاصمة الأفغانية كابل، دون علم حكومة مسعود بزشکیان، وأجروا محادثات مع قادة طالبان بشأن استخدام هذه القائمة".
وبحسب مصادر إيرانية وأفغانية، فإن هدف الحرس الثوري الإيراني هو اعتقال المشتبه بتجسسهم لصالح بريطانيا، واستخدامهم كورقة ضغط في المحادثات المقبلة مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني.
وكانت الصحيفة البريطانية قد نشرت تقريرًا، في 5 أغسطس الجاري، ذكرت فيه أن قادة الحرس الثوري طلبوا من "طالبان" تزويدهم بقائمة تضم 25 ألف مواطن أفغاني تعاونوا مع بريطانيا، من أجل التعرف على عملاء بريطانيا المحليين في إيران واعتقالهم.
ووفقًا للتقرير، فقد وعد هؤلاء القادة "طالبان" بممارسة الضغط على حكومة الإيرانية لتسريع عملية الاعتراف بحكم "طالبان" في أفغانستان.
وأضاف المسؤول الإيراني الرفيع: "سلّمت طالبان هذه القائمة لهم. إنهم يريدون العثور على الجواسيس البريطانيين قبل تفعيل آلية الزناد، ليكون لديهم ما يستخدمونه كورقة ضغط خلف الأبواب المغلقة ضد لندن".
وكانت إذاعة "إن بي آر" الأميركية (NPR) قد نشرت، في 29 يوليو (تموز) الماضي، تقريرًا استند إلى شهادات مهاجرين أفغان، ذكرت فيه أنه بالتزامن مع تشديد الأجواء الأمنية بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، يبرّر النظام الإيراني عمليات الترحيل القسري للأفغان باتهامهم بأنهم "جواسيس لإسرائيل"، في الوقت الذي ينتهك فيه حقوقهم الأساسية في مجالات السكن والعمل والخدمات المصرفية.
محتوى القائمة السرية
تضم القائمة المقصودة أسماء آلاف الأفغان، الذين تقدموا بطلبات لجوء في بريطانيا؛ بينهم جنود متعاونون مع الجيش البريطاني، وقوات خاصة، وعملاء محليون مرتبطون بالاستخبارات البريطانية.
وذكرت "تلغراف" أن بعض هؤلاء لجأوا إلى إيران؛ هربًا من انتقام طالبان. كما تضم القائمة أسماء أكثر من 100 من عناصر القوات الخاصة البريطانية وعملاء جهاز الاستخبارات البريطاني (MI6)، الذين دعموا طلبات الهجرة الخاصة بالأفغان.
ووفقًا للتقرير، فقد اعتقلت قوات حرس الحدود الإيرانية خلال الأيام الأخيرة عددًا من الأفراد الواردة أسماؤهم في القائمة.
ونقلت الصحيفة عن مصدر قوله: "أُطلق سراح كثيرين لأنهم مجرد جنود أفغان سابقين، لكن بعضهم لا يزال محتجزًا لمزيد من التحقيق. وينصب التركيز الأساسي على ضباط الاستخبارات البريطانيين".
وتأتي هذه التطورات في وقت وجّهت فيه بريطانيا وفرنسا وألمانيا تحذيرًا إلى إيران بشأن تفعيل "آلية الزناد".
فقد ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، في 13 أغسطس الجاري، أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا أرسلت رسالة رسمية إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، أكدت فيها استعدادها لتفعيل "آلية الزناد"، إذا لم تعد إيران إلى المفاوضات؛ وهي خطوة ستؤدي إلى إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن.
وقالت هذه الدول للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنها مستعدة لتفعيل الآلية وإعادة جميع عقوبات الأمم المتحدة، التي كانت مفروضة قبل اتفاق 2015، وهو الاتفاق الذي ينتهي في 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
تغيير التوازن الإقليمي عبر قائمة للمساومة
قال أحد مسؤولي "طالبان" إن بعض قادة الحركة كانوا معارضين للتعاون مع إيران؛ بسبب سوء معاملة طهران للاجئين الأفغان، لكن وعد الاعتراف المحتمل بحكم الحركة في أفغانستان دفعهم للموافقة.
وأكد أن "طالبان" سلّمت الحرس الثوري الإيراني نسخة "معدّلة" من القائمة.
وكان مسؤول آخر في طالبان قد صرّح لـ "تلغراف" الشهر الماضي قائلاً: "بعد نشر تقارير حول هذه الوثائق في بريطانيا، أدركنا مدى أهمية هذا الكشف. التعليمات واضحة: علينا اعتقال أكبر عدد ممكن من هؤلاء الأشخاص لاستخدامهم كأداة ضغط دبلوماسية ضد بريطانيا".
ورغم الخلافات التاريخية بين النظام الإيراني وحركة طالبان، فإن الطرفين وجدا مصلحة مشتركة في استغلال هذه القائمة: طهران للحصول على ورقة ضغط في المفاوضات النووية، و"طالبان" لنيل اعتراف دولي.
وقد كُشف عن هذه القائمة لأول مرة في فبراير (شباط) 2022 نتيجة خطأ ارتكبه أحد عناصر البحرية الملكية البريطانية.
وفي سبتمبر (أيلول) 2023، أصدرت الحكومة البريطانية أمرًا قضائيًا سريًا لمنع نشرها علنًا، لكن هذا الأمر أُلغي الشهر الماضي. واعتبر الوزير البريطاني السابق لشؤون قدامى المحاربين، جوني مرسر، ما حدث "أمرًا مؤلمًا".
أما المتحدث باسم "طالبان"، حمدالله فطرت، فقال: "لسنا بحاجة إلى استخدام الوثائق التي كشفها البريطانيون. جميع المعلومات ذات الصلة موجودة لدينا في وزارات الدفاع والداخلية والاستخبارات".
وفي الأثناء، يحاول قادة النظام الإيراني بقيادة المرشد علي خامنئي، ومع اقتراب مفاوضات نووية حساسة، استخدام كل الوسائل الممكنة، بما فيها التعاون مع "طالبان" لضمان اليد العليا في المحادثات.
وكان الزوجان البريطانيان: لينزي وكريغ فورمن، اللذان اعتُقلا في إيران قد تمكّنا، في 6 أغسطس الجاري، وبعد أكثر من 200 يوم من الانقطاع، من الاتصال بعائلتهما لأول مرة. وقد اعتُقلا في 3 يناير (كانون الثاني) الماضي بمدينة كرمان، ووجّهت إليهما السلطات الإيرانية تهمة التجسس، وهي تهمة وصفتها عائلتهما بأنها "عارية تمامًا من الصحة".
وشدّدت "تلغراف" في تقريرها على أن "طالبان" ترى في هذا التعاون فرصة لنيل الشرعية الدولية، وهي شرعية لم تحصل عليها حتى الآن إلا من روسيا.