وبحسب مضمون هذه الرسالة، فإن عودة العقوبات قد تؤدي إلى توقف كامل لمبيعات النفط الإيراني، ومن ثم دخول البلاد في أزمات اقتصادية كبرى.
وأشارت وزارة الاستخبارات في هذا التحذير إلى أن هذه الأزمات قد تؤدي إلى "تصاعد السخط العام" وحتى "ظهور تهديدات اجتماعية ناجمة عن الأزمة الاقتصادية"؛ وهي عبارات تُعد في الأدبيات الأمنية مؤشرًا على قلق بالغ من احتمال اندلاع احتجاجات واسعة وحتى انتفاضة شعبية.
إن التأكيد على احتمال بروز تهديدات اجتماعية إثر تدهور الأوضاع الاقتصادية يعكس إدراك الأجهزة الأمنية لمدى هشاشة الوضع في إيران.
وتُظهر هذه الرسالة، التي أُعدت على مستوى سري، أن البنية الحاكمة تدرك بوضوح المخاطر المقبلة، وتعمل على محاولة منع تداعياتها الاجتماعية، بما في ذلك الاحتجاجات على مستوى البلاد.
كما أن التغييرات الأخيرة في المستويات العليا للأجهزة الأمنية تُعد مؤشرًا على قلق النظام من خطر السقوط.
وفي هذا السياق، فإن الزيارة الأخيرة لعلي لاريجاني إلى لبنان والعراق بصفته الأمين الجديد للمجلس الأعلى للأمن القومي، تحمل رسالة واضحة بشأن سعي السلطة لإدارة التداعيات الإقليمية لتراجع نفوذها في الدول المجاورة.
وفي كل من لبنان والعراق، تجري عمليات تتجه نحو نزع سلاح المجموعات الوكيلة المدعومة من النظام الإيراني.
فقد أقرّت الحكومة اللبنانية رسميًا نزع سلاح حزب الله، بينما يسعى العراق، تحت ضغط الولايات المتحدة، إلى تقليص دور ميليشيا الحشد الشعبي.
وتأتي هذه الإجراءات في وقت أنفق فيه النظام الإيراني لسنوات موارد مالية وعسكرية كبيرة لدعم هذه المجموعات كأذرع إقليمية له.
وتُعد زيارة لاريجاني محاولة لمنع تراجع نفوذ النظام الإيراني في المنطقة. وخلال هذه الزيارة، ومع إبداء القلق من مسار نزع سلاح هذه المجموعات، يسعى لإبلاغ الحكومات المستضيفة بعدم المضي في هذا المسار؛ في حين يُعتبر هذا السلوك تدخلًا صريحًا في الشؤون الداخلية للبنان والعراق، وقد أثار استياءً رسميًا وعلنيًا من جانب الحكومة اللبنانية.
وأعلنت حكومتا العراق ولبنان بوضوح أنهما لن تقبلا بوجود مجموعات مسلحة شبه عسكرية مدعومة من حكومة أجنبية تمارس نشاطًا عسكريًا مستقلًا داخل أراضيهما.
وطالبتا بإنهاء دعم النظام الإيراني لحزب الله والحشد الشعبي، ونقل السيطرة الأمنية بالكامل إلى الحكومات الرسمية والقوات المسلحة الوطنية.
وفي المقابل، لم يكتفِ لاريجاني ومسؤولو النظام الإيراني بتجاهل هذه المطالب، بل سعوا إلى ممارسة المزيد من الضغط على هذه الحكومات لدفعها إلى التراجع عن قراراتها.
إن هذا المستوى من التدخل المباشر والواضح في السياسات الداخلية لدول المنطقة، يعكس النظرة التسلطية التي تبناها النظام الإيراني في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية.
وفي الوضع الراهن، وبدلًا من إعادة النظر في سياساته الإقليمية، لا يزال النظام الإيراني يواصل تشجيع المجموعات الوكيلة على مواصلة المقاومة المسلحة.
وقد تؤدي هذه السياسة إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة، بل وإلى تورط إيران في حروب أهلية محتملة في لبنان أو العراق.
إن استمرار هذه السياسات، خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية الداخلية، يمكن أن يفرض أعباءً عسكرية وسياسية واقتصادية إضافية على الشعب الإيراني، في وقت يكافح فيه الإيرانيون التضخم والبطالة ونقص الموارد. فالإصرار على مواصلة دعم الجماعات المسلحة خارج البلاد يفرض ضغطًا مضاعفًا على المجتمع.
في النهاية، وفي وقت تحذر فيه الأجهزة الأمنية للنظام من خطر انتفاضة شعبية ويعيش الاقتصاد الإيراني حالة حرجة، فإن استمرار السياسات التدخلية في لبنان والعراق ومناطق أخرى من المنطقة، يدل على المضي في المسار الخاطئ السابق.
فبدلًا من الاستجابة لمطالب الشعب في الداخل وإدارة الأزمة الاقتصادية، لا يزال جزء كبير من موارد وإمكانات النظام الإيراني يُصرف على الحفاظ على نفوذه الإقليمي من خلال المجموعات الوكيلة؛ وهو أمر لا يسهم في تحسين الوضع الداخلي، بل يزيد الأزمات تفاقمًا، لكن النظام الإيراني، القلق من السقوط والانهيار، يصر على مواصلة هذا الطريق.