ويُعقد هذا الاجتماع في ظل فشل الجولة السابقة من المحادثات، التي جرت في 15 مايو (أيار) الماضي، بمقر القنصلية الإيرانية في إسطنبول، قبل انطلاق الجولة الرابعة من مفاوضات عراقجي- ويتكوف (المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الشرق الأوسط)، دون التوصل إلى أي نتيجة.
وتعود إيران إلى طاولة التفاوض هذه المرة وسط تغيّرات ميدانية وسياسية كبيرة، مقارنة بالجولة السابقة.
وتمثل أبرز هذه التطورات في الحرب، التي استمرت 12 يومًا مع تل أبيب، والتي بدأت بهجمات إسرائيلية واسعة، وبلغت مرحلة غير مسبوقة بانضمام الولايات المتحدة عسكريًا إليها. ففي هذه العملية المشتركة، لم تُستهدف المنشآت النووية الإيرانية في نطنز وفردو وأصفهان فحسب، بل تعرّضت أيضًا البنية التحتية العسكرية والصاروخية الإيرانية لأضرار جسيمة.
وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل شخصيات بارزة في هيكل القيادة العسكرية للنظام الإيراني.
وقد شكّلت هذه الخسائر غير المسبوقة ضربة قاصمة للقيادة العسكرية الإيرانية، وعكست تغيرًا نوعيًا في مستوى الاشتباك بين طهران ومحور أميركا- إسرائيل.
وعقب هذه الأحداث، توقفت مفاوضات عراقجي- ويتكوف، وأعلنت إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقد قوبل هذا القرار بردود فعل حادة من قِبل المؤسسات الدولية، وتحذيرات متكررة من المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الذي صرّح في 24 يونيو (حزيران) الماضي، قائلاً: "إذا استمرت إيران في تقييد وصول المفتشين وتخلّت عن الرقابة المستمرة، فإن المجتمع الدولي سيواجه ليس فقط أزمة رقابية، بل سيواجه تهديدًا خطيرًا لمعاهدة عدم الانتشار النووي".
وفي هذه الأجواء، دفع الجمود الإيراني في العملية التفاوضية الدول الأوروبية مجددًا إلى الدخول على خط الأزمة النووية، ولكن هذه المرة بمواقف تختلف جذريًا عن المرات السابقة.
فقد بدأ تغيير نبرة" الترويكا الأوروبية" في سلسلة اجتماعات عُقدت في جنيف بين مساعدي عراقجي والمديرين العامين لوزارات خارجية: فرنسا وبريطانيا وألمانيا. ولم يقتصر الأوروبيون في هذه الاجتماعات على المطالبة بوقف البرنامج النووي الإيراني، بل طالبوا أيضًا بإدراج برنامج الصواريخ الباليستية والدعم المالي والعسكري الإيراني للجماعات الوكيلة في المنطقة ضمن بنود المفاوضات.
ولكن إيران، خلال اجتماع 19 يونيو الماضي في جنيف، الذي عُقد في خضم الهجمات الإسرائيلية على إيران، بحضور عراقجي وممثلي "الترويكا الأوروبية"، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، لم ترفض هذه المطالب فقط، بل وصفت النقاش حول برنامجها الصاروخي ودعمها لوكلائها في المنطقة بـ "الخط الأحمر".
ومنذ ذلك الوقت، بدأت كلمة "آلية الزناد" تتردد بشكل متزايد على ألسنة الدبلوماسيين الأوروبيين.
وفي 7 يوليو الجاري، قال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو: "إذا لم تُغيّر إيران سلوكها، فلن يكون أمامنا خيار سوى تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات".
وفي السياق نفسه، صرّح وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في مقابلة مع مجلة "دير شبيغل"، في 9 يوليو الجاري: "لا يمكننا أن نظل صامتين تجاه خروج إيران من الاتفاقات الرقابية وتهديداتها الإقليمية. آلية الزناد هي أداتنا القانونية والضرورية للعودة إلى إطار دولي ملزم".
ومن جهته، أكد المرشد الإيراني، علي خامنئي، استعداد إيران لتوجيه "ضربات ساحقة"؛ ردًا على أي تحرك عسكري، مدافعًا عن استمرار برنامج تخصيب اليورانيوم ووقف التعاون مع الوكالة الدولية.
وهذا الإصرار من جانب النظام الإيراني، يقابله تأكيد متكرر من الصين وروسيا على "حق إيران في التخصيب السلمي"، ما يشير إلى أن المحادثات المقررة في إسطنبول- كما هو متوقع- ستنتهي على الأرجح دون نتائج.
وفي هذا السياق، تم الاتفاق خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، مع نظرائه الأوروبيين: جان نويل بارو (فرنسا)، ويوهان فاديفول (ألمانيا)، وديفيد لامي (بريطانيا)، وكايا كالاس (مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي)، على أنه في حال عدم تحقيق أي تقدم ملموس في المحادثات مع إيران، بحلول 31 أغسطس (آب) المقبل، فسيتم البدء رسميًا في تفعيل "آلية الزناد".
وتُظهر الأدلة أن المرشد الإيراني، الذي لا يثق في نتائج المفاوضات مع الأوروبيين ولا يطمئن إلى تجنب تفعيل الآلية، ما زال يعلّق آماله على التفاوض مع دونالد ترامب. ففي مقابلة أجراها وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، مع المذيع بريت باير، بشبكة "فوكس نيوز" الإخبارية، المفضّلة لدى الرئيس الأميركي، قال لمقدّم البرامج المقرب من ترامب: "ربما تتفاوض إيران والولايات المتحدة في المستقبل. هذا يتوقف على أميركا".
ويبدو أن الزناد قد سُحب بالفعل قبل أي إعلان رسمي، وربما يسمع العالم صداه في نهاية أغسطس المقبل. وإذا حدث ذلك، فستكون الدبلوماسية هي الخاسر الأكبر، وستخرج عملية اتخاذ القرار من أيدي المفاوضين، ليتسلم الجنرالات زمام الميدان.