هل أطلقت اتفاقيات الغاز بين إقليم كردستان وأميركا جرس الإنذار لإيران؟

تم توقيع اتفاقيتين كبيرتين للطاقة بين شركات أميركية وحكومة إقليم كردستان العراق، مما أثار رد فعل قوي من بغداد، ما قد يؤدي إلى إضعاف النفوذ الاقتصادي والسياسي الطويل الأمد لإيران في العراق.
خلال زيارة مثيرة للجدل أجراها مسرور بارزاني، رئيس وزراء إقليم كردستان، إلى واشنطن في مايو (أيار)، أُعلن عن اتفاقيات مع شركتي "إتش كي إن إنرجي" و"ويسترن زاغروس" تهدف إلى تطوير حقلي الغاز "ميران" و"توبخانه- كردامير" في غرب الإقليم، بالقرب من الحدود السورية. تُقدَّر القيمة الإجمالية لهذه المشاريع على مدى عمرها الافتراضي بـ110 مليارات دولار.
وأرسلت هذه الاتفاقيات في مجال الطاقة بين أميركا وإقليم كردستان رسالة قوية إلى بغداد وطهران، وإذا تم تنفيذها، فقد تقلل من استقلال الطاقة للعراق وتقلل من نفوذ إيران الإقليمي.
وأشاد كريس رايت، وزير الطاقة الأميركي، بهذه الاتفاقيات خلال منتدى معهد "المانيتور" العالمي في واشنطن يوم 22 مايو (أيار)، وقال: "هذه الاتفاقيات تتماشى تمامًا مع أجندة الرئيس ترامب". وأضاف: "نحتاج إلى أن يتخلى العراق ودول أخرى عن الاعتماد على إيران".
وقد التقى ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، بمسرور بارزاني في 23 مايو.
ووفقًا لبيان وزارة الخارجية الأميركية، أعرب روبيو عن دعمه للاتفاقيات في مجال الطاقة، وأكد مجددًا دعم أميركا لإقليم كردستان قوي ومرن ضمن إطار العراق الفيدرالي المزدهر.
ومع ذلك، يرى المحللون أنه دون تقدم في العلاقات بين بغداد وأربيل واستثمارات فعلية في البنية التحتية، فإن هذه الاتفاقيات تبدو ذات طابع سياسي أكثر من كونها ستؤدي إلى تحول عملي في المنطقة.
مخاطر إضعاف هيمنة إيران على سوق الغاز
وتؤمن إيران حاليًا حوالي 25% من الكهرباء في العراق من خلال تصدير الغاز الطبيعي. وفي حال تقدم مشاريع إقليم كردستان، قد يتضرر هذا النفوذ بشكل كبير.
وقال إيمان ناصري، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في معهد " إف جي إي" ، لـ"إيران إنترناشيونال" إن إيران لا تجني أرباحًا مالية من تصدير الغاز إلى العراق، حيث إن النقص المتزايد في الإمدادات الداخلية أجبر طهران على تغيير حساباتها.
وأضاف: "العراق يحصل على الغاز مجانًا لأنه يتذرع بأنه غير قادر على الدفع بسبب العقوبات الأميركية... إيران ترحب بأي سيناريو يخرج العراقيين من العقد الحالي معها لأنها تعاني الآن من نقص في إمدادات الغاز الطبيعي".
وأشار ناصري إلى أن الحقول المستهدفة في اتفاقيات أميركا-إقليم كردستان، التي تحتوي على حوالي 13 تريليون قدم مكعب من الغاز، تمثل موارد كبيرة، لكن العوائق الرئيسية أمام تطويرها كانت دائمًا سياسية واقتصادية، وليست فنية.
التبعات الاستراتيجية لإيران
في المقابل، أدانت بغداد هذه الاتفاقيات بسرعة، حيث وصفتها وزارة النفط العراقية بأنها "باطلة وغير قانونية". وقال مسؤول عراقي كبير لوكالة "رويترز" إن الحكومة المركزية لم تُطلع مسبقًا على هذه الاتفاقيات.
ودافع مجلس الموارد الطبيعية في إقليم كردستان عن هذا الإجراء، مستندًا إلى الأطر القانونية الحالية والعقود السابقة التي أقرتها المحاكم العراقية.
وقال دالغا خاتين أوغلو، محلل الطاقة، لـ"إيران إنترناشيونال" إن احتياطيات الغاز في إقليم كردستان العراق، التي تُقدر بأكثر من 211.9 تريليون قدم مكعب، يمكن أن تجعل الإقليم مصدرًا رئيسيًا للغاز إلى تركيا وأوروبا.
وحذر من أنه على الرغم من أن إيران تمتلك خمسة أضعاف هذه الكمية من الغاز، إلا أن نجاح مشاريع كردستان قد يؤدي إلى خسارة طهران لأهم عملائها في مجال الطاقة.
وأضاف خاتين أوغلو: "إيران تحقق سنويًا خمسة مليارات دولار من صادرات الغاز إلى العراق وتركيا". وإذا وصل غاز كردستان إلى تركيا وأوروبا، فلن تخسر إيران حصتها في السوق فحسب، بل ستفقد أيضًا نفوذها الجيوسياسي.
سياسة أميركية أم رسالة سياسية؟
وقال جون كريغ، السفير الأميركي السابق في عمان في عهد بيل كلينتون ومدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في عهد جورج بوش الابن، لـ"إيران إنترناشيونال" إن هذا الإعلان قد يكون أقرب إلى "اختبار" منه إلى نقطة تحول حاسمة. وأضاف: "الإقليم يختبر رد فعل إيران وأميركا تجاه هذه القضية".
وأكد كريغ أن إيران، بعد الهجمات الإسرائيلية التي دمرت مصانعها العسكرية وأضعفت نفوذها الإقليمي، لم تعد تملك القوة التي كانت عليها سابقًا.
وأشار إلى أن قيادة الإقليم قد ترى فرصة للتحرك بشكل مستقل، لكنه أكد أن هذه المشاريع لا تزال بعيدة عن التحقيق، مضيفًا: "لن يتم تنفيذ هذه المشاريع خلال 10 أشهر. إنها عملية طويلة الأمد. الاستكشاف والإنتاج والتطوير قد يستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات".
واعتبر ناصري هذه الاتفاقيات رمزية أكثر منها واقعية، ووصفها بأنها "تفكير بالتمني"، لأن الظروف اللازمة لتنفيذها غير متوفرة. وأشار إلى أن إقليم كردستان لا يملك حاليًا زبونًا محددًا، مضيفًا: "لا يمكن تطوير حقول الغاز دون وجود وجهة أو مستهلك لها".
هذه الاتفاقيات، إذا نجحت، قد تشكل تهديدًا استراتيجيًا لإيران من خلال تقليص نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي في العراق، خاصة إذا أصبح إقليم كردستان مصدرًا بديلًا للغاز للعراق وتركيا وأوروبا.
ومع ذلك، فإن التحديات السياسية بين بغداد وأربيل، إلى جانب الحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية، تجعل التنفيذ غير مؤكد على المدى القريب.
في الوقت نفسه، قد تستفيد إيران من تخفيف التزاماتها بتصدير الغاز إلى العراق بسبب النقص الداخلي، لكن خسارة حصتها في السوق والنفوذ الجيوسياسي قد تكون أكثر تأثيرًا على المدى الطويل.