وحذّر الاتحاد الحر لعمال إيران قائلاً: "تضخم مرعب وفقر وبؤس لا يمكن تصوره في الطريق، خلال العام المقبل"، مطالبًا بـ "إضرابات واحتجاجات عامة لإنهاء الوضع المأساوي السائد في البلاد".
وجرى اقتراح زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين بنسبة 20 في المائة في وقت تتحدث فيه بعض وسائل الإعلام الحكومية عن الطابع التقشفي لموازنة الحكومة للعام المقبل.
ووصف رئيس لجنة دمج الموازنة، غلام رضا تاج كردون، مشروع موازنة العام المقبل بأنه تقشفي ومتشدد، وقال: "بالطبع حاجات الناس والبلاد كبيرة أيضًا، لذلك يجب أن نجلس ونحدد الأولويات".
وبحسب ما أفاد به موقع "دسترنج" الإخباري، فإن الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين في العام المقبل، وفقًا لمشروع الحكومة، سيبلغ 14 مليون تومان.
وأشار الموقع إلى أن "حكومة بزشكيان تحدد هذا الرقم لزيادة الرواتب، في حين كان مسعود بزشكيان قد قال العام الماضي، خلال الانتخابات الرئاسية، إن الرواتب يجب أن ترتفع بما يتناسب مع التضخم؛ لا يمكن أن يكون التضخم 50 في المائة بينما ترتفع الرواتب 20 في المائة، إلا أن هذا الوعد لم يُنفّذ".
وقال بيمان شجيراتي، عضو مجلس إدارة اتحاد العمل (خارج البلاد)، لـ "إيران إنترناشيونال": "ينبغي النظر إلى الإطار العام لمشروع موازنة العام الإيراني المقبل ليس بوصفه مجرد وثيقة مالية أو فنية أو اقتصادية، بل بوصفه نصًا سياسيًا وطبقيًا بالكامل؛ نصًا تنعكس فيه بوضوح أولويات السلطة ومكانة العمل والعمال".
وأضاف: "إن مراجعة القسم المتعلق بأجور موظفي الدولة ورواتب المتقاعدين، إلى جانب مقارنته بزيادة مخصصات المؤسسات العسكرية وما يُسمّى بالمؤسسات الثقافية، تُظهر أن سياسة قمع الأجور قد أُدرجت بوعي وتعمد في هندسة الموازنة".
وأشار شجيراتي، في معرض حديثه عن اقتراح زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين بنسبة 20 في المائة في العام المقبل، إلى أن "هذه الأرقام لا تتناسب لا مع خط الفقر الحقيقي ولا مع كلفة معيشة الأسر"، مؤكدًا أن "هذه الزيادة، حتى وإن بدت زيادة من رقمين، فإنها في مواجهة التضخم البنيوي والارتفاع المتواصل في أسعار السلع الأساسية والسكن والعلاج والتعليم، تعني عمليًا تثبيت الفقر وتعميق الفجوة المعيشية".
وكتب أحد موظفي الدولة في إحدى القنوات النقابية على تطبيق "تلغرام"، تعليقًا على زيادة الرواتب بنسبة 20 في المائة للموظفين والمتقاعدين في العام المقبل: "في ليلة واحدة ارتفعت أسعار الزيت والأرز والدجاج بنسبة 100 في المائة، وبعدها الرواتب 20 في المائة؟".
وكتب مستخدم آخر: "طالما نقبل بالظلم، فهذا ما نستحقه".
وفي الوقت الراهن، تبلغ كلفة المعيشة الشهرية في إيران، وفق ما تقوله بعض الجهات المقربة من الحكومة، نحو 58 مليون تومان. وبناءً عليه، فإن زيادة الرواتب بنسبة 20 في المائة في العام المقبل، وحتى على افتراض عدم ارتفاع معدل التضخم، لا تزال بعيدة جدًا عن تغطية كلفة المعيشة.
وفي السياق نفسه، أفادت وكالة "فارس" للأنباء، يوم الثلاثاء 23 ديسمبر (كانون الأول)، بأن العملة التفضيلية البالغة 28 ألفًا و500 تومان ستُلغى في العام المقبل وفقًا لمشروع الموازنة؛ وهو إجراء قد يكون له تأثير مباشر على أسعار السلع الأساسية وكلفة معيشة الأسر.
وفي هذا الإطار، كتب قناة تلغرام "أردوي كار": "إن الإلغاء الكامل للعملة التفضيلية في موازنة العام المقبل يعني تشديد الصدمات التضخمية وتوسّع الفقر وغلاء المعيشة بين المواطنين. ومع ذلك، وفي هذه الظروف نفسها، تُخصَّص موازنات ضخمة وفلكية للمراكز الدينية؛ وهي مؤسسات يتمثل دورها الرئيسي في الدعاية الحكومية وإعادة إنتاج الظلامية وغسل الأدمغة الأيديولوجي".
وأضافت القناة: "على حكومة بزشكيان أن تشرح لماذا، في وقت تُحذف فيه المواد الغذائية الحيوية من موائد المواطنين، تُخصّص الموازنات الضخمة للمؤسسات الدينية، بدل تعزيز الإنتاج وتنفيذ برامج الدعم والأمن الغذائي للفئات الفقيرة".
وبحسب مشروع موازنة العام المقبل، الذي قدمته الحكومة إلى البرلمان، ارتفع إجمالي مخصصات هيئة الإذاعة والتلفزيون إلى 35 ألفًا و500 مليار تومان. وقد وصل مجموع هذه الاعتمادات، بزيادة تفوق 20 في المائة، إلى 35 ألفًا و500 مليار تومان، في حين كانت موازنة هذه المؤسسة الدعائية التابعة للنظام الإيراني في العام الجاري نحو 29 ألف مليار تومان.
وتأتي هذه الزيادة في وقت تعرض فيه أداء هيئة الإذاعة والتلفزيون التابعة للنظام الإيراني مرارًا لانتقادات بعض وسائل الإعلام والمنتقدين داخل إيران، الذين وصفوها بأنها غير فعّالة وعاجزة عن جذب الجمهور.
وفي الوقت نفسه، وبحسب موقع "تجارت نيوز"، بلغت موازنة العام المقبل للمؤسسات الثقافية والدعائية التابعة للنظام الإيراني، مثل مركز خدمات الحوزات العلمية، والمجلس الأعلى للحوزات العلمية، وجامعة المصطفى العالمية، ومجلس تخطيط الحوزة العلمية في خراسان، نحو 27 ألف مليار تومان.
وفي هذا السياق، كتب حساب "وكالة شهر بورس الإخبارية التحليلية" على إنستغرام أن من هذا المبلغ، خُصص 16 ألفًا و400 مليار تومان لمركز خدمات الحوزات العلمية.
وأشار الحساب إلى أن هذا الرقم يعادل دفع رواتب شهرية بقيمة 15 مليون تومان لمليون و93 ألفًا و333 شخصًا لمدة شهر واحد.
وفي المقابل، سترتفع الموازنة المخصصة لمؤسسة نشر آثار الخميني بنسبة 16 في المائة، من 515 مليار تومان في عام 2025 إلى 598 مليار تومان في العام المقبل.
المجتمع يقف على أعتاب أزمة اجتماعية واقتصادية شاملة
احتجّ "المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين في إيران" على "الوضع المعيشي المتأزم للمواطنين، ولا سيما المعلمين، والعمال، والمتقاعدين، وسائر أصحاب الدخول الثابتة"، وكتب: "إن التراجع المتسارع في قيمة العملة الوطنية، والقفزات المتواصلة في أسعار العملات الأجنبية والذهب، والتضخم البنيوي والمنفلت، دفعت المجتمع إلى حافة أزمة اجتماعية واقتصادية شاملة".
وأشار هذا التشكّل النقابي للمعلمين إلى الارتفاعات المتكررة وغير المنضبطة في أسعار العملات والذهب، واعتبرها "انعكاسًا واضحًا لعدم الاستقرار الاقتصادي العميق وغياب سياسات فعّالة"، مضيفًا أن هذا الوضع "أدّى بشكل مباشر إلى ارتفاعٍ متسلسل في أسعار السلع الأساسية، والسكن، والدواء، والتعليم، والخدمات العامة، وخفّض بشدة القدرة الشرائية لغالبية المجتمع".
وانتقد "المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين في إيران" قرار الحكومة القاضي برفع رواتب الموظفين وأصحاب الدخول الثابتة بنسبة 20 في المائة في مشروع موازنة العام المقبل، مؤكدًا أن هذه الزيادة "في وقتٍ يكون فيه معدل التضخم الحقيقي أعلى بكثير وأضعاف هذه النسبة، تُعد إجراءً غير عادل بشكل واضح ومخالفًا للقوانين التي أقرّتها السلطة نفسها".
وطالب المجلس بـ "ترميمٍ حقيقي وعادل ومتوافق مع معدل التضخم الحقيقي" للأجور، وكتب أن "الزيادات الشكلية والمخالفة للقانون لا تستجيب لأزمة المعيشة ويجب وقفها".
كما كتب "المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين في إيران" أن سياسات "العلاج بالصدمة"، بما في ذلك رفع أسعار حوامل الطاقة من دون تأمين معيشة المواطنين، "غير مقبولة"، وأعلن: "سنقف في جميع الظروف إلى جانب المطالب المحقّة للمواطنين وقاعدة المجتمع المحتجّة". وأضاف: "هذا تحذير جدي".
استمرار النقاشات حول نسبة زيادة الحد الأدنى لأجور العمال
بالتزامن مع تقديم مشروع موازنة العام المقبل، تتواصل النقاشات بشأن الحد الأدنى للأجر الشهري للعمال في العام المقبل.
وآخر ما أُعلن في هذا الشأن جاء على لسان رحيم زارع، عضو لجنة التخطيط والموازنة في البرلمان الإيراني، في مقابلة تلفزيونية.
وكان قد قال، قبل نشر مشروع موازنة العام المقبل، إن زيادة رواتب الموظفين ستكون بنسبة 20 في المائة، مضيفًا: "إن نسبة زيادة أجور العمال للعام المقبل تبلغ 30 في المائة".
ولم تؤكد السلطات الحكومية هذا الأمر أو تنفه حتى الآن.
وفي الوقت الراهن، يبلغ الأجر الأساسي للعمال المشمولين بقانون العمل نحو 11 مليون تومان شهريًا. ومع احتساب المزايا يصل هذا المبلغ إلى نحو 15 مليون تومان شهريًا، وهو ما يظل بعيدًا جدًا عن كلفة المعيشة الشهرية لأسرة واحدة.
وكانت "نقابة عمال قصب السكر في هفت تبه"، و"اللجنة التنسيقية للمساعدة في إنشاء التشكيلات العمالية"، و"عمال خوزستان المتقاعدون"، و"مجموعة اتحاد المتقاعدين"، قد أكدت في بيان مشترك صدر في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مع الإشارة إلى سلة المعيشة في إيران، أن الحد الأدنى للأجور في العام المقبل يجب أن يبلغ 60 مليون تومان.
وكانت هذه التشكيلات المستقلة للعمال والمتقاعدين قد طالبت في عام 2024 بتحديد أجر يتراوح بين 40 و45 مليون تومان للعام الجاري.
وتؤكد فقرتا المادة 41 من قانون العمل على أن الحد الأدنى لأجور العمال يجب أن يُحدَّد على أساس معدل التضخم وكلفة معيشة أسرة عاملة. ومع ذلك، تجاهل أعضاء "المجلس الأعلى للعمل" الفقرة الثانية على مدى سنوات، وحددوا أجر العام التالي في ظروفٍ كان فيها أقل حتى من كلفة المعيشة لذلك العام.
وأشار شجيراتي، في حديثه مع "إيران إنترناشيونال"، إلى أن تجربة السنوات الماضية تُظهر بوضوح أن أي زيادة في الأجور تكون أقل من معدل التضخم الحقيقي لا تعني سوى تراجع القدرة الشرائية ونقل كلفة الأزمة إلى الطبقات العاملة. وأضاف: "تتضح هذه السياسة أكثر عندما نضع بنية نفقات الموازنة إلى جانب بند الأجور. ففي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن عجزها عن تأمين زيادات في الرواتب، تشهد اعتمادات المؤسسات العسكرية والأمنية وأجهزة الدعاية والأيديولوجيا نموًا ملحوظًا".
وقال إن هذه المؤسسات، التي لا تؤدي أي دور في تحسين معيشة غالبية المجتمع، وُضعت في صدارة أولويات تخصيص الموارد. وبعبارة أوضح، يُظهر مشروع الموازنة أن الحفاظ على آليات السيطرة والقمع وإعادة الإنتاج الأيديولوجي أهم من تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة لملايين الأشخاص.
وفي جزء آخر من حديثه مع "إيران إنترناشيونال"، أشار شجيراتي إلى زيادة الضرائب غير المباشرة في مشروع موازنة العام المقبل، واعتبرها "حلقة مكمّلة لقمع الأجور"، مضيفًا: "عندما تُبقى الأجور منخفضة عمدًا، وفي الوقت نفسه ترتفع كلفة المعيشة عبر الضرائب، وإلغاء الدعم غير المباشر، وتحرير الأسعار، فإن النتيجة لا تكون سوى نقل عبء الأزمة إلى الطبقات الدنيا".
وأكد أن "موازنة العام المقبل صيغت بمنطق ضبط العجوزات وتأمينها من جيوب المواطنين وموائدهم، واستمرار نفقات السلطة على حساب تآكل وتدمير حياة ملايين أصحاب الأجور".
وبحسب قول شجيراتي، تحمل هذه الموازنة رسالة واضحة مفادها أن الدولة لا تعتبر نفسها ملتزمة بتأمين حياة كريمة للموظفين والمتقاعدين وأصحاب الأجور. وبدلاً من ذلك، ومن خلال تقييد زيادات الرواتب، وإنكار خط الفقر الحقيقي، وضخ الموارد في المؤسسات العسكرية والثقافية الحكومية، تعمل على تكريس علاقات اللامساواة القائمة.
وشدد قائلًا: "يجب اعتبار الموازنة العام المقبل وثيقة رسمية لاستمرار سياسة قمع الأجور؛ سياسة يُدار فيها الفقر، ويُحتوى السخط، وتُحمَّل كلفة بقاء واستقرار بنية السلطة مباشرة من جيوب قوة العمل. ونتيجتها تعميق الفجوة الطبقية وتدهور المعيشة، بحيث تكون حياة أصحاب الأجور في العام المقبل أفقر من العام السابق".
وكتب أحد العمال في قناة على "تلغرام" معترضًا: "تضخم 50 في المائة، وأجر العام المقبل 20 في المائة؟ كيف تُحسب الأمور؟ لماذا يُحمَّل العامل وحده العبء، فيما تُترك الرواتب الفلكية؟".
وخلال السنوات الماضية، وبسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات، واجه العمال وأصحاب الأجور أزمات معيشية واسعة النطاق.