وتُظهر تحقيقات "إيران إنترناشيونال"، عبر مراجعة المبيعات الإلكترونية، وتلك التي تتم في الشوارع داخل إيران، أنّ "أدوية الاغتصاب" باتت متاحة على نطاق واسع.
وفي ظل هذا الواقع، فإنّ غياب أي ردّ رسمي من جانب النظام الإيراني، وافتقار المجتمع لبرامج توعية عامة، مهّد الطريق لانتشار هذا السلوك الإجرامي، دون أي عائق جدّي.
ولمعرفة مدى سهولة الحصول عليها، تجوّل أحد المتعاونين مع "إيران إنترناشيونال"- متنكّرًا في هيئة مشترٍ- في شارع ناصر خسرو، السوق السوداء للدواء في طهران، وطلب من الباعة "دواء التخدير"، وهو التعبير المموه لـ "أدوية الاغتصاب".
استجاب الباعة فورًا. قال أحدهم: "هذا مناسب للنوم العميق. ارمِ هذه الحبة في الشراب. بلا طعم. لن يستيقظ طوال ساعات".
وبائع آخر عرض "قارورة" صغيرة لمحلول شفاف، وأضاف: "ثلاث قطرات تكفي لمعظم الناس. يستيقظون مشوشين. لن يتذكروا شيئًا مما حدث".
ولم يدل أي من هذه الحوارات على تردد أو همس أو سرّية؛ فالرجال كانوا يتحدثون كما لو كانوا يبيعون دواءً عاديًا.
وقال أحد خبراء السموم، الذي راجع نتائج تحقيق "إيران إنترناشيونال"، وطلب عدم كشف اسمه لدواعٍ أمنية، إنّ هذه المواد تنتمي إلى عائلات معروفة من "أدوية الاغتصاب". وأوضح أنّ هذه الحبوب تُقلّد على الأرجح مادة "فلونيترازبام"، المعروفة باسم "روفينول" أو "روفيس".
وأضاف: "هذه الأدوية تعمل على المسارات العصبية نفسها؛ فهي تقمع ردود الفعل وتُقطّع الذاكرة. قد يبدو الشخص مستيقظًا ويتصرّف بشكل طبيعي، لكنه لاحقًا لن يمتلك أي ذكرى موثوقة عمّا حدث".
وتابع أنّ هذه المواد غالبًا ما تُمزج مع المشروبات الكحولية، ما يجعلها "أشد خطورة وقد تكون قاتلة في بعض الحالات".
وأشار هذا الخبير إلى نوع آخر من هذه المواد يُدعى "غاما هيدروكسي بوتيرات (GHB)"، وهو مثبّط للجهاز العصبي المركزي، لا رائحة له وطعمه مالح قليلاً، ويمكن إخفاؤه بسهولة في الشراب.
وإلى جانب الاتجار في الشوارع، يزدهر أيضًا بيع هذه المواد عبر الإنترنت. صور لعلب الحبوب والقطرات تنتشر في إعلانات شبكات التواصل، وغالبًا ما يُقترح الدفع بالعملات الرقمية كخيار مفضل.
ويبلغ سعر قارورة صغيرة من هذا المحلول اليوم أقل من تكلفة وجبة لشخصين في مطعم.
وأثار نشر بعض التقارير في الإعلام الإيراني حول توزيع هذه الأدوية موجة صدمة وغضب على شبكات التواصل.
وكتب أحد المستخدمين على منصة "إكس": "لم يعد شيء يخرج من هذا النظام الإيراني يثير الدهشة".
وحذّر آخر: "عندما تضطر أن تراقب كأسك كل ثانية، فربما لا يوجد مكان آمن بالفعل".
وكتب مستخدم ثالث بصراحة: "المغتصبون لم يعودوا يختبئون. هذه الأدوية جعلت عملهم أسهل في وضح النهار".
وأشار بعض المستخدمين إلى حوادث سابقة. قال أحدهم: "أعرف أشخاصًا استيقظوا بعد شراب واحد فقط ولم يتذكروا شيئًا".
ووجّه آخر كلامه للبائعين قائلاً: "إلى أي حد يجب أن تكون مريضًا لتبيع شيئًا كهذا؟ إنه مقزز".
وفي أوروبا وأميركا الشمالية، تُروّج حملات واسعة للتوعية بتلك الأدوية. فبعض الأساور الاستهلاكية يمكنها، عبر تغيّر لونها، الكشف عن وجود مادة مخدرة في المشروب، وهي واحدة من الأدوات التي يستخدمها الشباب لمراقبة سلامتهم.
لكن في إيران لا يوجد أي هيكل مشابه: فليس هناك تعليم توعوي، ولا أدوات لفحص المشروبات، ولا جمع منظّم للبيانات. وهكذا تبقى الوقاية الذاتية هي الوسيلة الوحيدة.
ويقول المتخصصون إن على الشباب- خصوصًا النساء- ألا يتركوا مشروباتهم دون مراقبة، وأن يُفضّلوا إحضار مشروب مغلق معهم إلى المناسبات، وتجنّب التجمعات، التي لا يعرفون جميع الحاضرين فيها.
ويؤكّد نموذج الوقاية المتّبع في الغرب على قواعد محددة: احتفظ بمشروبك بجانبك دائمًا، استخدم زجاجات محكمة الإغلاق، لا تقبل مشروبًا مفتوحًا أو مُعدًّا مسبقًا، ابقَ مع أصدقاء موثوقين، انتبه لأي طعم أو رائحة غير مألوفة، وتخلّص فورًا من أي مشروب مشكوك فيه.
لكن في شارع ناصر خسرو، يواصل الباعة عملهم بلا أي إزعاج. الحبوب والقطرات تنتقل بين أيدي الناس يوميًا مثل أي سلعة أخرى.
في الوقت الراهن، تتوسع تجارة "أدوية الاغتصاب" في إيران؛ لا لأنها مخفية، بل لأن لا أحد يمنعها. تُبرم الصفقات في وضح النهار، في العلن، وبإيقاع ثابت يشبه العمل التجاري الاعتيادي.
وهذا يعكس واقعًا يشير إليه الكثيرون في طهران بشكل غير مباشر: استمرار هذا السوق ليس نتيجة السرية، بل بسبب غياب الرقابة والتدخل الجاد من الجهات المسؤولة.