الأمم المتحدة: السلطات الإيرانية تتجه نحو ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"

حذّرت ماي ساتو، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في إيران، من "تدهور غير مسبوق" في أوضاع حقوق الإنسان داخل البلاد.

حذّرت ماي ساتو، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في إيران، من "تدهور غير مسبوق" في أوضاع حقوق الإنسان داخل البلاد.
وأكدت ماي ساتو أن السلطات الإيرانية، عقب الهجمات العسكرية الإسرائيلية في يونيو (حزيران) الماضي، كثّفت الإعدامات والقمع العابر للحدود وقيّدت بشدة المجتمع المدني، في مسارٍ وصفته بأنه "قد يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية".
وقالت ساتو في كلمتها أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 إن الشعب الإيراني "يعيش مأساة مزدوجة"- بين هجمات خارجية من جهة، وتصاعد القمع الداخلي من جهة أخرى.
وأضافت أن السلطات الإيرانية نفّذت "إعدامات جماعية"، وسنّت "قانونًا جديدًا للتجسس"، ووسّعت نطاق الاعتقالات العشوائية في عموم البلاد.
وأشارت في تقريرها الذي قُدم مساء الأربعاء في نيويورك إلى أن وضع حقوق الإنسان في إيران "أسوأ من أي وقت مضى".
وقالت إن الهجمات الجوية الإسرائيلية والأميركية ضد إيران في يونيو 2025، لا ينبغي أن تُستخدم ذريعة لتجاهل "القمع المنهجي الداخلي" الذي تمارسه الحكومة الإيرانية.
وأضافت ساتو أن الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية ونووية إيرانية- بعضها تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية- "كان من الممكن أن تتسبب في كارثة إنسانية وبيئية شاملة في المنطقة".
ووفقًا للأرقام الرسمية الواردة في التقرير، قُتل نحو 1,100 شخص، بينهم نساء وأطفال، وأُصيب أكثر من 5,600 آخرين، فيما استُهدفت مستشفيات ومدارس وبنى تحتية مدنية، بل حتى سجن إيفين أثناء زيارة عائلات السجناء.
المعاناة الإنسانية بعد الحرب
وقالت ساتو: "انتهت الحرب، لكن معاناة الشعب الإيراني مستمرة. ملايين نزحوا من منازلهم، النساء الحوامل لا يجدن رعاية طبية، وأفراد الأقليات الجندرية يواجهون خطرًا وتهميشًا متزايدين".
وأضافت أن السلطات الإيرانية، بدلًا من حماية مواطنيها، لجأت إلى الاعتقالات الجماعية، إذ تجاوز عدد المعتقلين 21 ألف شخص، بينهم صحافيون، ونشطاء، ومستخدمو شبكات اجتماعية، وأفراد من الأقليات الدينية والإثنية.
وانتقدت المقرّرة الخاصة القانون الجديد المتعلق بالتجسس، مؤكدة أنه وسّع نطاق الأفعال التي قد تؤدي إلى عقوبة الإعدام، ليشمل حتى "التواصل مع وسائل إعلام أجنبية أو نشر معلومات على الإنترنت".
وأوضحت: "في الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، تم تنفيذ أكثر من 1,200 عملية إعدام في إيران- أي بمعدل أربع حالات يوميًا. الحكومة الإيرانية تمارس الإعدام على نطاق واسع".
وبيّنت أن ثمانية في المئة فقط من هذه الإعدامات تُعلن رسميًا، بينما قد يكون العدد الحقيقي أعلى بكثير، مشيرة إلى أنه "منذ عام 2015، لم يُثبت أي دليل أن لعقوبة الإعدام أثرًا رادعًا، بل تُستخدم كأداة للسيطرة وبثّ الخوف".
وأكدت أن صحافيين في مؤسسات مثل "بي بي سي فارسي" و"إيران إنترناشيونال" تلقوا تهديدات بالقتل، فيما تتعرض عائلاتهم داخل إيران للترهيب والمضايقات.
كما شددت على أن عائلات ضحايا الطائرة الأوكرانية المنكوبة ما زالت تتعرض للتهديد والضغط الأمني.
يتحدث التقرير أيضًا عن استمرار التعذيب والعقوبات البدنية، بما في ذلك الجلد وقطع الأصابع باستخدام المقصلة، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب.
وأشارت ساتو إلى أن الوفيات الغامضة داخل السجون، ولا سيما نتيجة الحرمان من العلاج الطبي، ما زالت مثار قلق بالغ.
وقالت إن عائلات الضحايا كثيرًا ما تُجبر على الصمت أو قبول "أسباب غير حقيقية للوفاة" حتى يُسمح لهم بتسلّم جثامين أحبائهم.
وضع النساء وسحب مشروع قانون مكافحة العنف الأسري
وفي جزء آخر من التقرير، أشارت ساتو إلى سحب مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء في يونيو 2025، واصفة ذلك بأنه "خطوة إلى الوراء في حماية النساء الإيرانيات".
وأضافت أن تطبيق قانون الحجاب الإجباري لا يزال قائمًا، رغم تراجع مستوى التنفيذ في بعض المناطق، حيث تنص المادة 638 من قانون العقوبات الإسلامي على أن النساء غير المحجبات قد يواجهن السجن أو الغرامة المالية.
وخلال النقاش، أكدت ساتو أن مهمتها "مستقلة وشفافة وموثقة"، داعية الحكومة الإيرانية إلى السماح لها بزيارة البلاد دون قيود.
وعن العقوبات الدولية، قالت: "العقوبات أثرت في الاقتصاد الإيراني، لكنها ليست السبب في القمع الداخلي؛ فذلك نتيجة قرارات داخلية بحتة".
واختتمت قائلة: "إيران عالقة بين عدوان خارجي وقمع داخلي. كان ينبغي أن تكون نهاية الحرب فرصة للمصالحة والإصلاح، لا ذريعة لمواصلة الإعدامات والقمع".
وطالبت الحكومة الإيرانية بتعليق فوري لجميع الإعدامات، وإلغاء القوانين التمييزية ضد النساء، وضمان الحريات الأساسية، مؤكدة أن "شعب إيران يستحق السلام والكرامة والعدالة.. وعلى المجتمع الدولي أن يقف إلى جانبه".
وفي الجلسة ذاتها، قدّمت سارة حسين، رئيسة فريق تقصّي الحقائق المستقل التابع للأمم المتحدة، تقريرها الذي تناول الهجوم الإسرائيلي على سجن إيفين في 23 يونيو 2025، والذي أسفر عن مقتل 80 شخصًا على الأقل.
وقالت حسين إن التحقيقات الأولية تشير إلى أن "الأبنية المدنية في السجن كانت هدفًا مباشرًا للهجمات، وربما نُفّذت عن عمد"، منتقدة عدم اتخاذ تدابير كافية لحماية حياة المعتقلين.
وأضافت أن السلطات الإيرانية أبقت عائلات السجناء أسابيع في حالة من الغموض بعد الهجوم، وأن بعض المعتقلين تعرّضوا للضرب وسوء المعاملة، كما توفيت إحدى النساء في سجن قرشَك نتيجة الإهمال الطبي.
وختمت بالقول: "إيران كانت ضحية عدوان خارجي، لكنها ما زالت منتهِكة لحقوق شعبها في الداخل. ندعو السلطات إلى إجراء تحقيق مستقل وشفاف حول ما حدث في إيفين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي سبقت الهجوم وأعقبته".