وذكر هذا الموقع، يوم الأحد 26 أكتوبر (تشرين الأول)، أن بغداد تلعب دورًا محوريًا لمساعدة دمشق وطهران في تجاوز حالة "البرود الاستراتيجي" السائدة بين الطرفين.
وفي هذا المشهد المعقد، يسعى العراق إلى تقديم نفسه كوسيط خفيّ يعمل من وراء الستار لإعادة بناء الجسور بين الحليفين السابقين، اللذين تفرقت طرقهما.
وبحسب "ذا نيو ريجن"، يقول المسؤولون في بغداد إنهم يعتزمون الاستفادة من الموقع الجغرافي للعراق وعلاقاته القوية مع إيران، من أجل "هندسة نوع جديد" من المصالحة والتقارب بين طهران ودمشق.
الدبلوماسية السرّية واللقاءات المفاجئة
قالت مصادر سياسية في بغداد، لموقع "ذا نيو ريجن"، إن الأشهر الماضية شهدت سلسلة من التحركات الدبلوماسية الهادئة بين العراق وسوريا، بمشاركة غير معلنة من جانب إيران.
ووفقًا لهذه المصادر، فإن وفودًا رسمية عراقية تضم ممثلين عن جهاز الاستخبارات ووزارة الخارجية، زارت دمشق سرًا والتقت مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية السورية. وكان محور هذه المحادثات هو إعادة فتح قنوات الاتصال بين طهران ودمشق.
وتم عقد هذه اللقاءات، التي لم يُعلن عنها رسميًا، بعد عدة جولات من المشاورات بين سوريا وروسيا، والتي كشفت الخلافات القائمة بين دمشق وطهران حول مستقبل الدور العسكري والاقتصادي لإيران في سوريا.
وذكرت المصادر أن طهران طلبت من بغداد أن تقوم بدور الوسيط لاستئناف المفاوضات مع دمشق، بهدف إعادة حضورها الرسمي في سوريا وضمان مصالحها الاقتصادية والعسكرية القديمة هناك.
وقال مصدر مطلع: "إن بغداد تلعب دورًا مزدوجًا في هذا الملف؛ فمن جهة تقدم تقييمها لطهران حول موقف الحكومة السورية من المصالحة، ومن جهة أخرى تقدم لدمشق مقترحات عملية لإقامة تعاون اقتصادي وأمني تدريجي مقابل تقليص التدخل المباشر لإيران".
تحركات التوازن العراقية
قال أستاذ العلوم السياسية العراقي، خليفة التميمي، لموقع "ذا نيو ريجن": "إن العراق يتمتع بموقع فريد يؤهله للوساطة بين طهران ودمشق، وقد أثبت خلال السنوات الأخيرة قدرته على إدارة ملفات إقليمية حساسة".
وأكد التميمي أن طهران، على الأرجح، تتجنب في الوقت الراهن القيام بأي خطوات علنية في هذا الاتجاه؛ لتفادي ردود الفعل من التيارات المتشددة داخلها، التي لا تزال تشكّ في نوايا الحكومة السورية الجديدة.
ورغم التوترات الحالية، أعرب التميمي عن اعتقاده بأن حالة الجمود السياسي بين طهران ودمشق لن تستمر طويلاً، لأن المصالح المشتركة بين الطرفين قوية بما يكفي لتذويب الجليد في العلاقات.
ومن جهة أخرى، نقلت صحيفة "إندبندنت عربية"، في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، عن مصادر دبلوماسية، أن سوريا وإسرائيل تجريان مفاوضات متقدمة لتوقيع اتفاق أمني في الأيام المقبلة، تتعهد دمشق بموجبه بمنع وجود النظام الإيراني والفصائل التابعة له على الأراضي السورية.
ومنذ الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، أخذ ميزان القوى في المنطقة يتغير ببطء.
وقد كشفت هذه الحرب عن هشاشة النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، وأجبرت طهران على إعادة النظر في أولوياتها الإقليمية. كما أدت إلى إعادة تعريف التحالفات في المنطقة، خاصة في ظل تصاعد الضغوط الاقتصادية والسياسية الداخلية في إيران.
ومع وصول الحكومة السورية الجديدة إلى السلطة، التي تضم شخصيات كانت سابقًا على خلاف مع طهران، وجدت إيران نفسها أمام واقع جديد يجبرها على اتباع نهج أكثر حذرًا وغير مباشر للحفاظ على نفوذها، دون أن تظهر بمظهر الضعف أمام خصومها الداخليين أو أعدائها الخارجيين.
وشهدت سوريا خلال فترة حكم الأسد وجودًا واسعًا لقوات الحرس الثوري الإيراني.
وكان نائبان سابقان في البرلمان الإيراني قد أكدا، كلٌّ على حدة، أن طهران أنفقت ما لا يقل عن 30 مليار دولار للحفاظ على بشار الأسد في السلطة.