ويُستخدم مصطلح "صندوق باندورا" للإشارة إلى إفشاء أسرار قد تترتب عليها عواقب لا يمكن السيطرة عليها.
وفي الوقت ذاته، اتهم رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، الرئيس الأسبق، حسن روحاني، ووزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، بأن مواقفهما الأخيرة "ألحقت الضرر بمسار تطوير التعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا".
وكان القائد الأسبق للحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، المعروف أيضًا باسم عزيز جعفري، قد صرّح في مقابلة أُذيعت يوم السبت 25 أكتوبر (تشرين الأول)، قائلاً إن "لا أحمدي نجاد ولا روحاني كانا يشجعان تطوير صناعة الصواريخ"، مضيفًا: "لا أستطيع الحكم على ما إذا كان عدم اهتمام حكومة روحاني بميزانية الدفاع نابعًا من دوافع داخلية أم من ضغوط العقوبات".
وأضاف القائد الأسبق للحرس الثوري أن تصريحات القائد السابق لقوة الجو-فضاء حول "بيع أرض بقيمة 250 مليار تومان لتغطية تكاليف البحث العلمي" تعود "على الأرجح إلى أواخر حكومة أحمدي نجاد وبداية حكومة روحاني".
وكان قد نُشر في وقت سابق مقطع مصوّر لتصريحات القائد السابق لقوة الجو-فضاء في الحرس الثوري، أميرعلي حاجي زاده، الذي قُتل في الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، قال فيه: "بعنا قطعة أرض بقيمة 250 مليار تومان لتأمين التكاليف البحثية حتى لا يتوقف العمل".
وجاءت هذه التصريحات في برنامج تلفزيوني بعنوان "قصة الحرب" من إعداد جواد موغويي، وهو مقدّم برامج مقرّب من النظام الإيراني، وردّ عليه حسام الدين آشنا عبر منصة "إكس" قائلاً: "أتحدّث إلى السيد جعفري: هل تفشي الأسرار لموغويي؟ لا تفتحوا صندوق باندورا".
وفي رده على تصريحات جعفري، تساءل حسام الدين آشنا أيضًا: "من هي الجهة المسؤولة عن إدارة وتنسيق الاتصالات الإعلامية للقادة العسكريين الحاليين والسابقين في القضايا الحساسة المتعلقة بالدفاع؟".
وهدّد آشنا بشكل غير مباشر بالإشارة إلى احتمال كشف ملفات مالية مرتبطة بمحمد علي جعفري، قائلاً: "هل يُسمح للآخرين أيضًا بالحديث عن المكاسب، والمدفوعات، وأداء هؤلاء القادة؟".
ولم يقدّم آشنا مزيدًا من التوضيحات حول هذا التهديد المالي الضمني، لكن في السابق كان قادة كبار في الحرس الثوري قد تبادلوا الاتهامات بالفساد فيما بينهم.
فقبل ثلاث سنوات، حصلت إذاعة "راديو فردا" على تسجيل صوتي مدته خمسون دقيقة، دار فيه حوار بين محمد علي جعفري، ونائب القائد السابق للشؤون الاقتصادية والبناء في الحرس الثوري، صادق ذوالقدرنيا، تحدّثا فيه بتفصيل عن قضايا فساد في صفوف قوات فيلق القدس، ومؤسسة التعاون، وبلدية طهران. وقد تأكّد لاحقاً صحة التسجيل.
وفي ذلك التسجيل، تحدّث جعفري وذوالقدرنيا عن فساد بمليارات التومانات تورّط فيه محمد باقر قاليباف، وقاسم سليماني، وحسين طائب، وعدد آخر من الشخصيات البارزة في الحرس الثوري.
ويُذكر أن حسام الدين آشنا، صهر وزير الاستخبارات الأسبق، قربان علي دري نجف آبادي، وهو أحد المقربين من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للنظام الإيراني، كان قد كتب في 18 أكتوبر الجاري رسالة تهديد قال فيها إنه من الأفضل لعناصر التيار الأصولي "ألا يقولوا كلامًا قد يدفع روحاني وظريف إلى الحديث، لأنهم حينها سيتضررون".
ويأتي تصاعد وتيرة تبادل الاتهامات هذه بين كبار مسؤولي النظام الإيراني، في حين دعا المرشد الإيراني، علي خامنئي، في آخر خطاب له الأسبوع الماضي بعد ستة أسابيع من غيابه عن الظهور العلني، إلى "الوحدة والتكاتف" في مواجهة "الأعداء" بعد الحرب الأخيرة.
قاليباف ينتقد روحاني وظريف بشأن روسيا
من جانبه قال رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، يوم الأحد 26 أكتوبر، في جلسة علنية للبرلمان، إنه "يجد من الضروري" توجيه "انتقاد صريح" إلى مواقف الرئيس الأسبق، حسن روحاني، ووزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف.
وأضاف قاليباف أن روحاني وظريف "في الوقت الذي يتقدّم فيه مسار التعاون الاستراتيجي مع روسيا، وجّها بآرائهما ضربة إلى هذا المسار".
ولم يوضح تفاصيل أكثر؛ حيث كان ظريف قد صرح، في 16 أكتوبر الجاري، خلال ندوة في إحدى الجامعات الإيرانية، بأنه رغم إيمانه بضرورة إقامة علاقات استراتيجية مع روسيا، فإن موسكو ترى أنه على إيران ألا تكون لها علاقات هادئة مع العالم، وفي الوقت نفسه لا يجب أن تؤدي توترات إيران مع العالم إلى صدام مباشر.
وأوضح ظريف أن الروس كانوا منذ البداية معارضين للاتفاق النووي (2015)، لأن "الخط الأحمر لديهم هو العلاقات الطبيعية بين إيران والعالم"، مشيرًا إلى أنه "بمجرد أن بدأت إيران المفاوضات الشاملة، بدأ الروس أيضًا لعبتهم الخاصة".
وجاءت تصريحات محمد جواد ظريف ردًا على أقوال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي أشار إلى إن إدراج "آلية الزناد" في نص الاتفاق كان اقتراحًا قدّمه ظريف خلال مفاوضاته مع وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري.
ووصف لافروف هذه الآلية بأنها "فخ قانوني"، لكن ظريف رفض هذا الادعاء بشدة، مؤكدًا أن الروس والفرنسيين هم من قدّموا مقترحًا "سيئًا للغاية" وكان "أخطر بكثير" من "آلية الزناد" نفسها.
وأضاف وزير الخارجية الإيراني الأسبق أن "الروس كانوا منذ البداية يعارضون الاتفاق النووي، لأن خطهم الأحمر هو إقامة علاقات طبيعية بين إيران والعالم"، مشيرًا إلى أنه "فور بدء المفاوضات الشاملة بدأت لعبتهم".
وتأتي هذه الانتقادات في وقت أدى فيه تفعيل "آلية الزناد" ضد إيران إلى إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن على طهران، ما أنهى عمليًا مفعول القرار 2231 الذي كان قد ألغى تلك العقوبات.
ومن جانبه، كان الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، قد تحدث عن تطورات الملف النووي، الأسبوع الماضي، بعد انسحاب أميركا من الاتفاق، قائلاً إنه أجرى لاحقاً مباحثات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي أخبره يأن موسكو كانت قد أبلغت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأن إيران ستنسحب بدورها من الاتفاق بعد انسحاب واشنطن، "وبذلك ستعود جميع قرارات مجلس الأمن وجميع العقوبات ضد إيران إلى التنفيذ".
لكن روحاني قال إن طهران تصرفت "بحكمة" ولم تقدم على ذلك، مؤكدًا أن أولئك (من المتشددين الأصوليين) الذين أحرقوا وثيقة الاتفاق النووي في البرلمان الإيراني آنذاك "عليهم الآن أن يلتزموا الصمت تمامًا".
وشهد الأسبوع الماضي تصعيدًا جديدًا في السجال بين حسن روحاني وحلفائه من جهة، وبين مسؤولين روس من جهة أخرى، إضافة إلى شخصيات نافذة في التيار الأصولي الحاكم، مثل رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، وممثل المرشد الإيراني في مجلس الدفاع الوطني، علي شمخاني.
وقد فسّرت بعض وسائل الإعلام داخل إيران نشر فيديو حفل زفاف ابنة شمخاني في هذا السياق باعتباره جزءًا من احتدام المنافسة داخل أروقة النظام.
وفي مقابلة حديثة مع برنامج "قصة الحرب"، قال شمخاني إنه حين كان أمينًا للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني تلقى في يناير (كانون الثاني) 2020 اتصالاً من رئيس الأركان آنذاك، محمد باقري، أبلغه فيه بأن صواريخ الحرس الثوري كانت وراء إسقاط الطائرة الأوكرانية المدنية فوق سماء إيران، وإنه "بادر فورًا إلى الاتصال بحسن روحاني لإبلاغه بالأمر”.
لكن روحاني أكد في أكثر من مناسبة أنه لم يتلقَّ تأكيدًا حول إصابة الطائرة بصواريخ الحرس الثوري إلا في اليوم الثالث للحادثة، بعد مكالمة هاتفية مع باقري.
وفي حديثه الأخير، تطرّق شمخاني أيضًا إلى تفاصيل نجاته من الهجوم الإسرائيلي، الذي استهدف منزله في شمال طهران فجر 13 يونيو (حزيران) الماضي، وهو الهجوم الذي شكّك حسام الدين آشنا، المستشار المقرّب من روحاني، في رواية شمخاني بشأنه، معتبراً أنها تفتقر إلى المصداقية.