أساطيل الظلام تنهض من جديد

نشر موقع "تانكر تركر"، في أوائل أكتوبر، تقريرًا يفيد بأن ناقلات النفط التابعة للنظام الإيراني ظهرت لأول مرة منذ عام 2018 في نظام تحديد المواقع العالمي (AIS) بمواقعها الحقيقية.
نشر موقع "تانكر تركر"، في أوائل أكتوبر، تقريرًا يفيد بأن ناقلات النفط التابعة للنظام الإيراني ظهرت لأول مرة منذ عام 2018 في نظام تحديد المواقع العالمي (AIS) بمواقعها الحقيقية.
يبدو هذا الحدث، على السطح، علامة على عودة الشفافية إلى أسطول النفط الإيراني؛ لكنه في العمق، يشير إلى تغيير استراتيجي في مواجهة الضغوط العقابية وتحولات سوق الطاقة العالمية.
عقد من الإخفاء والمبادرات الخاصة
بعد فرض العقوبات الثانوية الأميركية في عقد 2011، اضطرت إيران إلى إنشاء شبكة معقدة من طرق النقل السرية. كانت السفن الناقلة للنفط الخام أو المكثفات الغازية الإيرانية تخرج من نظام تحديد المواقع العالمي (AIS) أو ترسل مواقع مزيفة.
في هذه الفترة، تحوّلت تجارة النفط الإيرانية إلى لغز من "السفن الصامتة" أو ما يسمى "أساطيل الأرواح"، والتي كان يمكن رصدها فقط عبر الأقمار الصناعية أو البيانات غير الرسمية.
مع ذلك، أظهرت تجربة العقد الماضي أن إيقاف نظام تحديد المواقع، رغم أنه يلتف على العقوبات، له عواقب جدية: زيادة مخاطر الحوادث والاحتجاز، وصعوبة التأمين، والأهم من ذلك، زيادة حساسية الهيئات الرقابية الدولية.
في هذا السياق يجب تحليل التغيير الأخير: عودة الإشارات الحقيقية تدريجيًا.
الرواية الروسية والصينية للتغيير
في وسائل الإعلام الروسية مثل Oilcapital.ru و Topcor.ru، تم نشر تقارير تشير إلى أن جزءًا من أسطول ناقلات النفط الإيراني أعاد ضبط مساره ويتحرك في مناطق مزدحمة في المياه الخليجية وبحر عمان مع تفعيل الإشارات. وقد قيّم المحللون الروس هذا السلوك على أنه محاولة للحفاظ على الوصول إلى التأمين والخدمات المينائية.
كما تناولت المصادر الصينية في Sohu و Global Times هذا الموضوع ووصفت ذلك بـ"الشفافية التكتيكية"؛ أي سياسة مختلطة تستخدمها الحكومة الإيرانية لتخفيف الضغوط العقابية دون وقف شبكة الصادرات غير الرسمية.
وبحسب هذه المصادر، تتحرك إيران حاليًا بين ثنائية "الشفافية الانتقائية" و"الإخفاء الذكي".
أسباب محتملة لتغيير السلوك
1. المبادرة لمواجهة العقوبات الجديدة
في ظل العودة الحالية لعقوبات مجلس الأمن، قد تسعى إيران لضبط سلوك أسطولها بطريقة لا تُعد انتهاكًا صريحًا للقوانين البحرية.
2. تقليل المخاطر التشغيلية والتأمينية
السفن التي تغلق نظام تحديد المواقع (AIS) عادةً لا تكون مشمولة بالتأمين الدولي. إعادة تفعيل النظام، ولو بشكل انتقائي، يمكن أن يسمح بالعودة الجزئية إلى سلسلة الخدمات الرسمية من تأمين وصيانة ومرسى السفن.
3. الاستجابة للحرب الإلكترونية في المنطقة
تشير تقارير متعددة، بما في ذلك تحليلات "رويترز"، إلى زيادة الاضطرابات في نظام "GPS" في المياه الخليجية. تفعيل الإشارات الحقيقية قد يكون إجراءً فنيًا لمواجهة مخاطر تزوير المواقع والحوادث المحتملة.
الوضع الحالي لصادرات النفط
استنادًا إلى البيانات المنشورة في المصادر الصينية، بلغت صادرات النفط الإيرانية في النصف الأول من عام 2025 حوالي 1.1 مليون برميل يوميًا. الجزء الأكبر من هذه الصادرات متجه إلى الصين، وجزء آخر ينقل عبر شبكة "من سفينة إلى سفينة" في المياه القريبة من إندونيسيا وماليزيا.
رغم الضغوط العقابية، تمكنت إيران من الحفاظ على جزء من إيراداتها بالعملات الأجنبية من خلال تقديم خصومات كبيرة ومقايضة السلع.
مع ذلك، قد يؤدي إعادة تفعيل عقوبات مجلس الأمن عبر آلية الزناد إلى إغلاق طرق الصادرات الرسمية مرة أخرى ورفع تكاليف النقل بشكل كبير.
وهذا لن يؤثر فقط على سوق الطاقة الإيراني، بل سيغير أيضًا معادلات النفط الروسية والصينية.
تتوقع المصادر الروسية أنه في حال تصاعدت الضغوط، سيتوسع التعاون بين إيران وروسيا في إطار أسطول مشترك من "ناقلات الظل".
يجب اعتبار التغيير الأخير في نظام تحديد المواقع لناقلات النفط الإيرانية جزءًا من تكيف متعدد الطبقات: مزيج من الجهود لتقليل المخاطر التشغيلية، إدارة الضغط العقابي، وإعادة تعريف الاستراتيجية المتعلقة بالسوق العالمية للنفط.
تفعيل الإشارات لا يعني الشفافية الكاملة، بل يعكس نوعًا من التغيير التكتيكي الذي تستخدمه إيران لمواجهة تعقيدات العقوبات والرقابة العالمية، وما زالت نتائج هذا الإجراء ودرجة نجاحه غير واضحة.
مع إعادة تفعيل آلية الزناد، سيظل مستقبل صادرات النفط الإيراني مرتبطًا بالتوازن بين السياسة والتكنولوجيا؛ توازنٌ يُظهر أن كل إشارة ليست مجرد موقع سفينة، بل مؤشر على مسار جديد للاقتصاد الإيراني في بحر السياسة العالمية المتقلب.