وبدأت فرنسا وبريطانيا وألمانيا منذ 28 أغسطس (آب) مساراً مدته 30 يوماً لتفعيل آلية " آلية الزناد"، التي ستؤدي إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
واتهمت هذه الدول طهران بخرق الاتفاق النووي الذي كان يهدف إلى منع إيران من الحصول على سلاح نووي.
وكتبت "رويترز" يوم الأربعاء 24 سبتمبر (أيلول) أن دبلوماسيين إيرانيين وأوروبيين التقوا الثلاثاء في نيويورك في مفاوضات "اللحظة الأخيرة"، لكن احتمال منع تنفيذ آلية الزناد وُصف بأنه "ضعيف".
العقوبات التي من المقرر تنفيذها نهاية الشهر الجاري تشمل حظر بيع الأسلحة، والقيود على تجارب وتكنولوجيا الصواريخ الباليستية، وتجميد الأصول، وحظر السفر، ومنع إنتاج التكنولوجيا النووية.
كما يوفر هذا الإجراء الأساس القانوني اللازم للاتحاد الأوروبي وبريطانيا لإعادة فرض القيود على قطاعات البنوك والشحن والطاقة في إيران.
عودة العقوبات قد تعني عملياً "موت الاتفاق النووي لعام 2015"؛ الاتفاق الذي تلقى ضربة قوية بعد انسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منه عام 2018، وإعادة فرض العقوبات الأميركية المشددة على النظام الإيراني.
وقد أعلنت الصين وروسيا أنهما لن تدعما تنفيذ العقوبات المعادة.
واستهدفت العقوبات الغربية منذ عام 2010 صناعة النفط الإيرانية، مما أدى إلى تراجع الإنتاج وانخفاض الصادرات.
وبحسب بيانات "بنك الاحتياط الفيدرالي في سانت لويس"، انخفضت صادرات النفط الخام الإيرانية من نحو 2.2 مليون برميل يومياً في عام 2011 إلى أقل من مليون برميل في 2014.
وبعد الاتفاق النووي، رُفعت معظم العقوبات، وارتفعت صادرات النفط الإيرانية عام 2017 إلى 1.85 مليون برميل يومياً، لكن انسحاب أميركا من الاتفاق وعودة العقوبات تسببا بانخفاض حاد في الصادرات لتصل عام 2020 إلى أدنى مستوى عند 444 ألف برميل يومياً.
كما أوقفت أوروبا شراء النفط الإيراني منذ عام 2019.
ومع ذلك، تراجع تأثير القيود الأميركية تدريجياً، إذ إن النظام الإيراني والمتعاملين والمشترين، وخصوصاً في الصين، أنشأوا شبكة معقدة للالتفاف على العقوبات.
وتضمنت هذه الشبكة شركات وهمية، وأساطيل ناقلات نفط قديمة وغالباً غير مؤمّنة، وعمليات نقل من سفينة إلى أخرى في عرض البحر، وإيقاف أنظمة التتبع، لتصعيب عملية رصد الناقلات.
ووسعّت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة نطاق العقوبات، فاستهدفت آلاف الأفراد والناقلات والتجار والمصافي والموانئ الصينية، لكن هذه الإجراءات كان لها أثر محدود وقصير الأمد على تدفق مبيعات النفط الإيراني.
وكتبت "رويترز" أن صادرات النفط الإيرانية تحسنت تدريجياً من المستوى المنخفض عام 2020، لتصل عام 2024 إلى 1.5 مليون برميل يومياً، نُقل نحو أربعة أخماسها إلى الصين.
وقد وفرت هذه الزيادة لإيران إيرادات حيوية، حتى وإن كان النفط يُباع بأسعار مخفضة.
وفي عام 2024، شكّل قطاع النفط والبتروكيماويات نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي الإيراني.
لا شك أن العقوبات المعادة ستجعل مسار التعاملات مع إيران أكثر تعقيداً، لكن كما أظهرت التجربة السابقة، فقد اكتسب الناشطون في الالتفاف على هذه القيود خبرة، ومن المرجح أن يجدوا طرقاً جديدة لتجاوز العقبات.
قد تثني هذه العقوبات بعض المشترين الآسيويين عن التعامل مع إيران، لكن لا يُتوقع أن توقف الصين وارداتها من النفط الإيراني. بل على العكس، قد تستغل المصافي الصينية هذه الفرصة لشراء الفائض من النفط الإيراني بخصومات أكبر، واكتساب نفوذ أقوى في المفاوضات.
إضعاف فعالية العقوبات الغربية
بكين، التي تعارض العقوبات على إيران، أوقفت منذ عام 2022 نشر البيانات الرسمية عن واردات النفط الإيراني، لتفادي الرقابة الغربية.
وأظهرت الصين في الأسابيع الأخيرة تجاهلها للعقوبات الغربية والأميركية، عبر استيراد شحنات من الغاز الطبيعي المسال من مشروع "أركتيك إل إن جي-2" الروسي الخاضع لعقوبات مشددة.
وكتبت "رويترز" على هذا الأساس: "لذلك فمن غير المرجح أن تقلل الصين وارداتها من النفط الإيراني مع عودة العقوبات".
وبحسب محللين، فإن التراجع التدريجي في فعالية العقوبات الغربية على إيران وروسيا بات اليوم أحد السمات الرئيسية لأسواق النفط والغاز الدولية، وخلق نظاماً ذا مستويين من التجارة: "قانونية" و"غير قانونية".
ونتيجة لذلك، من المحتمل أن لا يكون لعودة العقوبات وانهيار الاتفاق النووي بالكامل تأثير يُذكر على صادرات النفط الحيوية لإيران، وأن يتحول جزء أكبر من تجارتها النفطية إلى الظل في السوق العالمية.