وحملت الذكرى الثالثة لمقتل مهسا أميني موجة جديدة من الفعاليات والاحتجاجات الاجتماعية والسياسية ضد النظام الإيراني.
وقدمت الباحثة في الشأن الديني، صدیقة وسمقي، والقيادية في "الحركة الخضراء" الموضوعة رهن الإقامة الجبرية، زهرا رهنورد، وكذلك الممثلتان الممنوعتان من العمل، بانتا بهرام وكتايون رياحي، روايات لجزء من حقيقة هذه السنوات الثلاث.
وجدير بالذكر أن الشابة الإيرانية، مهسا أميني، اعتُقلت في 13 سبتمبر 2022 على يد قوات "دوريات شرطة الأخلاق"، التابعة للنظام الإيراني، وتعرضت لاعتداءات بالضرب، ثم توفيت بعد ثلاثة أيام في مستشفى كسری بطهران جراء التعذيب.
وفجّر هذا الحدث احتجاجات واسعة في طهران والعديد من المدن الإيرانية، لتتحول إلى حركة شعبية رفعت شعار "المرأة، الحياة، الحرية" في أنحاء البلاد.
وسمقي: مهسا كانت شرارة حركة تاريخية
قالت الباحثة في الشأن الديني، صدیقة وسمقي، يوم الأحد 14 سبتمبر (أيلول)، في مقطع فيديو نشرته على صفحتها في "إنستغرام"، إن مقتل مهسا لم يكن حادثًا تراجيديًا فحسب، بل كان "شرارة" أدت إلى انبثاق وتوهّج "حركة تاريخية".
وأضافت أن هذه الحركة أعادت النساء إلى صلب المجتمع، وأفهمت الجميع أنّهن لم يعدن على الهامش.
وبحسب قول وسمقي، فإن انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" تتجاوز قضية الحجاب، إذ إن أهم إنجاز لها أن النساء أظهرن قوتهن، وتمكنّ من تغيير فكر المجتمع.
ووصفت وسمقي هذه الانتفاضة بأنها تحوّل تاريخي مرتبط بوعي النساء ولا رجعة عنه، وأضافت: "اليوم كثير من الرجال أصبحوا مدافعين عن حقوق المرأة، ويؤمنون بأن الجنس لا يجب أن يكون أساسًا للتمييز، وأن المساواة تحولت إلى خطاب مهيمن في المجتمع".
كما رأت هذه الباحثة الدينية أن من إنجازات "انتفاضة مهسا" إحياء مفهوم "حقوق الإنسان وحقوق البشر"، وإعادتها إلى الواجهة.
وحذّرت في الوقت نفسه من أن استمرار هذا المسار لا يمكن أن يقوم على الشعارات وحدها، بل يحتاج المجتمع إلى "عمل فكري جاد، وإنتاج نظري وفني وفكري".
وكانت الناشطة الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، نرجس محمدي، قد صرّحت أمس، في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال"، بأن احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" ما زالت حيّة، وأن النساء اكتسبن فاعلية خلقت تحولات عميقة في صلب المجتمع.
بهرام: اسم مهسا يذكّر ببداية عهد جديد
أعادت الممثلة الإيرانية الممنوعة من العمل، بانتا بهرام، نشر كلمات والد مهسا، في ذكرى مقتلها، وكتبت على شبكات التواصل: "اسمك يذكّر ببداية عهد جديد. زمن صنعناه نحن بشجاعة وخوف وتمرد وغضب ودم وأحيانًا جنون. التحية للفتيات".
وكان أمجد أميني، والد مهسا، قد نشر سابقًا على "إنستغرام" أن يوم الثلاثاء 16 سبتمبر الجاري، سيصادف الذكرى الثالثة لمقتل ابنته على يد النظام.
وقد لقي هذا المنشور تفاعلاً واسعًا على شبكات التواصل، ورأى فيه كثيرون دلالة على إقامة مراسم تذكارية لمهسا في ذلك التاريخ.
كما خرج إيرانيون في عدد من الدول حول العالم، يوم أمس السبت 13 سبتمبر، في عشرات المدن لإحياء الذكرى الثالثة لمقتل مهسا، في احتجاجات واسعة.
رهنورد: موت مهسا كان سوطًا على ضمير الأمة
نشرت القيادية بحركة "الحركة الخضراء"، زهرا رهنورد، التي لا تزال رهن الإقامة الجبرية، رسالة في هذه الذكرى الثالثثة لمقتل مهسا أميني، أشارت فيها إلى موقع المرأة الإيرانية في ظل بنية النظام القائمة على التمييز.
وجاء في رسالتها: "نساء إيران، بكل إمكاناتهن ومواهبهن، من بين النساء الأكثر قمعًا في العالم، لأن النظام يضعهن في طريق مسدود عبر قوانينه التمييزية وثقافته الرجعية".
ووصفت رهنورد مقتل مهسا أميني بأنه "سوط على ضمير الأمة"، مضيفة: "لقد منحَت حركة مهسا الأمة يقظةً لا تنتهي، تبشّر بمستقبل خالٍ من الظلم والتمييز والتخلف".
وذكّرت بأن مقتل مئات الأشخاص، وامتلاء السجون، والعيون والأجساد الجريحة خلال هذه الاحتجاجات، كلها جراح لا يمكن أن تُنسى.
وبحسب تقرير "منظمة حقوق الإنسان في إيران"، فقد قُتل ما لا يقل عن 551 متظاهرًا خلال احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، بينهم 68 طفلاً.
كما جرى خلال هذه الاحتجاجات اعتقال آلاف الأشخاص، وحُكم على بعضهم بالإعدام، فيما صدرت بحق العشرات أحكام بالسجن لفترات طويلة.
کتایون ریاحی تنتقد نسيان الفنانين المعارضين
أشارت الممثلة الإيرانية الأخرى الممنوعة من العمل، کتایون ریاحی، إلى إقامة احتفال يوم السينما الوطني في إيران، وذكرت أنه تم تذكير الحضور فقط بعدد قليل من النساء الفنانات اللاتي مُنعن من ممارسة نشاطهن المهني.
وكتبت على حسابها في "إنستغرام": "الجميع يعرف قاعدة هذه اللعبة؛ إما أن تكونوا معنا، أو ضدنا.. وقواعد الإقصاء لها طريقان: تشويه السمعة أو النسيان".
وانتقدت ریاحی، الوضع السائد في إيران، وكتبت أن المستقبل سيكون لجيل الشباب الذي لا يقبل هذه القواعد، قائلة: "يكفي أن يتبعوا النور، مثل زهرة اللوتس الزرقاء".
وختمت ریاحی بالقول: "نحن ما زلنا هنا وننمو أكثر في العزلة، لأن أعيننا شاخصة نحو مستقبل مشرق".
ويُشار إلى أنه تم اعتقال هذه الممثلة السينمائية والتلفزيونية ومحاكمتها بسبب دعمها للاحتجاجات الشعبية.
وردًا على خبر منعها من الظهور على الشاشات، إلى جانب عدد آخر من الممثلات الإيرانيات، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كتبت رياحي على "إنستغرام": "شرفي لا يسمح لي بالعمل في سينما اليوم؛ وأنتم من تكونون؟".
وتُعد کتایون ریاحی واحدة من بين عشرات الممثلات الإيرانيات، اللاتي شاركن في الاحتجاجات الشعبية، بعد مقتل مهسا جینا أمینی، بعد احتجازها وتعذيبها في مركز لـ "شرطة الأخلاق"، التابعة للنظام الإيراني، وظهرت في هذا السياق في الأماكن العامة والفعاليات الفنية دون ارتداء الحجاب الإجباري، كرمز لمقاومتهن ومشاركتهن في التعبير عن رفض القمع المفروض على النساء.