ففي أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2024 أعلنت الحكومة الإيرانية أيضًا "عودة عشرات الطلاب الممنوعين من الدراسة" وأرسلت تعميمًا إلى الجامعات، مكررة الادعاء نفسه.
غير أن هذا النهج يواجه تحديًا جادًا أمام الوثائق الكثيرة، التي تثبت استمرار المنع، والتعليق، ومنع الدخول إلى الجامعات، وحتى صدور أحكام قضائية قاسية بحق الطلاب خلال العقدين الماضيين، لا سيما بعد عام 2022.
من "الثورة الثقافية" إلى "النجوم العقابية"
بدأ الحرمان المنهجي للطلاب من الدراسة في إيران منذ السنوات الأولى بعد ثورة 1979. فخلال "الثورة الثقافية" بين 1980 و1983 أُغلقت الجامعات، وتم تنفيذ استبعاد واسع في صفوف الأساتذة والطلاب المنتقدين، لترتبط لاحقًا بقرارات "المجلس الأعلى للثورة الثقافية"، الذي أدخل نظام "الانتقاء الأيديولوجي" كإطار رسمي للقبول والمتابعة الأكاديمية.
وبيّن بحث موثّق بعنوان "النجوم العقابية" (Punishing Stars) أنه منذ أواخر الثمانينيات، تدخلت وزارة الاستخبارات والنيابة العامة وأجهزة أمنية أخرى بشكل مباشر في قبول واستمرار دراسة الطلاب في إيران، بينما حصلت اللجان الانضباطية على صلاحية تعليق وفصل الطلاب وحتى "حرمانهم من الدراسة في جميع الجامعات لمدة تصل إلى خمس سنوات".
وقد ظهرت الموجة الأولى من نظام "وضع النجوم" بجانب أسماء الطلاب مع حكومة الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، في العام الدراسي 2006-2007، ضمن نتائج امتحانات الدراسات العليا.
وكانت تلك النجوم عمليًا رموزًا إدارية لسلب الحق في التعليم، كما يلي:
* "نجمة واحدة" أو "نجمتان": قبول مشروط، يتطلب توقيع تعهد بعدم النشاط السياسي أو استكمال الملف لدى وزارة الاستخبارات.
* "ثلاث نجوم": الطالب رغم نجاحه "غير مؤهل للجامعة"، ويُمنع كليًا من التسجيل.
وفي 2007 أوقفت وزارة العلوم طباعة النجوم على الكشوف، لكنها أبقت على الأكواد (0-5) أو عبارات مثل "نقص في الملف"، لتستمر عملية الحرمان.
وأنكر المسؤولون بدايةً وجود "طلاب ثلاث نجوم"، لكن تقارير تلك السنوات أكدت منع تسجيل عشرات الطلاب بشكل نهائي.
وفي أواخر العقد الأول من الألفية، شكّل عدد من الطلاب الممنوعين من التعليم "مجلس الدفاع عن حق التعليم" لتوثيق الحالات ومتابعتها حقوقيًا وإعلاميًا.
ومن بين الأسماء البارزة:
* مجيد دري: عضو المجلس، اعتُقل في يوليو (تموز) 2009، وحُكم عليه بـ 11 سنة سجنًا ونفيًا، وخُفّضت لاحقًا إلى 6 سنوات. قضى أكثر من 5 سنوات في سجن بهبهان ونُفي داخليًا، ثم أُفرج عنه في يونيو (حزيران) 2014، لكن لم يُسمح له بالعودة للدراسة. وأُعيد اعتقاله في أكتوبر 2022، وما زالت قضيته مفتوحة.
* مهدية كلرو: ناشطة طلابية ونسائية، تعرضت للفصل المؤقت والاعتقال المتكرر.
* ضيا نبوي: عضو المجلس، حُكم عليه بعد احتجاجات 2009 بالسجن 10 سنوات في النفي (قضاها في بهبهان). وفي أغسطس 2023 أُدين مجددًا بسنة سجنًا بتهمة "الدعاية ضد النظام".
وفي 2024 واجه قضية جديدة بعد رسالة احتجاجية من سجن "إيفين"، ولا يزال معتقلاً.
وهذه مجرد أمثلة من مئات الحالات التي وثقتها منظمات حقوق الإنسان.
ومع تغيير الحكومة عام 2013، وُعِد بإنهاء قضية "طلاب النجوم"، لكن تقارير مستقلة أكدت استمرار الحرمان بوسائل أخرى، مثل الأكواد الإدارية، والتعهدات الأمنية، والأحكام الانضباطية.
احتجاجات 2022 وموجة اعتقالات
اندلعت حملة أمنية غير مسبوقة ضد الجامعات، منذ خريف 2022. فوفقًا لحملة "حقوق الإنسان في إيران"، اعتُقل في أقل من 3 أشهر ما لا يقل عن 574 طالبًا، وأشارت تقديرات أخرى إلى أن العدد تجاوز 800 بحلول شتاء 2024.
وانتشرت أيضًا ظاهرة "منع الدخول" إلى السكن الجامعي والقاعات، وصدرت أحكام تعليق وفصل، إضافة إلى فتح قضايا قضائية.
ومن الأمثلة على ذلك:
* حميد بيدار: خريج جامعة طهران، خضع لحكم منذ خريف 2022 وسُجن عام 2024.
* يكـتا ميرزايي: طالبة علم اجتماع، حُكم عليها بـ "تعليق دائم".
* مطهره غونهئي: طالبة سابقة، حُكم عليها بالسجن 5 سنوات هذا العام.
* إحسان فريدي: طالب من كرمان، واجه تهمة "الإفساد في الأرض" وحُكم عليه بالإعدام.
* علي يونسـي وأميرحسين مرادي: طالبان موهوبان في جامعة شريف التقنية، اعتُقلا منذ 2020 ولا يزالان مسجونين رغم الاعتراضات الدولية.
حرمان البهائيين
منذ تأسيس النظام الإيراني وحتى اليوم، يُحرم البهائيون بشكل ممنهج من التعليم العالي. ووصف تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، صدر عام 2024، ذلك بأنه "جريمة ضد الإنسانية عبر الاضطهاد"، مؤكدًا وجود منع من القبول، وطرد إداري، وتفرقة واضحة.
ومنذ عام 2006 واجه البهائيون خيار "نقص ملف" أو "عدم الكفاءة العامة" كذريعة لحرمانهم من التسجيل. ومن المدافعين البهائيين عن حق التعليم الذين سُجنوا مرارًا: نويد خانجاني، إيقان شهيدي، ووحد خلوصي.
ومع بداية العام الدراسي الجديد، تؤكد حكومة الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، عدم وجود "طلاب ممنوعين" أو "معتقلين"؛ حيث صرّح وزير العلوم، حسين سيميائي صرّاف، يوم الخميس 28 أغسطس، قائلاً: "ليس لدينا أي مانع أمام دراسة أي طالب؛ تمت معالجة جميع الملفات المرتبطة بأحداث 2022 وأعيد الطلاب جميعًا إلى الجامعات".
ولكن الواقع يؤكد أن هذه مجرد تغييرات لغوية وإدارية، بينما تستمر القضايا المفتوحة والطلاب المعتقلون أو الممنوعون من الدخول، مما يثبت أن الفجوة بين الادعاءات والواقع ما زالت قائمة.
إن أدوات سلب الحق في التعليم- من "النجوم" إلى "نقص الملف"، ومن الأحكام الانضباطية إلى القضايا الأمنية- لم تختفِ، بل غيّرت شكلها فقط.
ومِن ثمّ، يبقى "الحق في التعليم" في إيران رهينة البُنى الأمنية والسياسية، سواء للطلاب المنتقدين أو لأبناء الأقليات الدينية.