وقامت غرفة التجارة، تحت ضغط من جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني، بنفي التقرير المنشور، كما قيّدت تصريحات أعضائها بشأن تبعات تفعيل "آلية الزناد".
كما انتشرت تقارير تفيد بأن وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران أصدرت تعميمًا سريًا موجهًا إلى مديري ورؤساء تحرير وسائل الإعلام، تطالب فيه بفرض قيود صارمة على طريقة تغطية موضوع تفعيل آلية الزناد وإعادة فرض العقوبات الأممية.
وقد جاء ذلك بعد إرسال دول "الترويكا" الأوروبية الثلاث رسالةً إلى مجلس الأمن بشأن بدء هذه العملية.
تشير هذه الأخبار إلى ما دأب عليه النظام الإيراني، منذ تأسيسه، من منع التداول الحر للمعلومات وقمع التعبير عن الرأي واعتقال الصحافيين والكُتّاب، والنشطاء المدنيين والسياسيين المعارضين، وما زال القمع مستمرًا بوتيرة متصاعدة.
وعلى الرغم من الادعاءات المتكررة للنظام الإيراني بشأن "حرية التعبير في إيران"، فإن المؤسسات الرسمية تسلب عمليًا استقلالية وسائل الإعلام من خلال أدوات مختلفة مثل التحذيرات، قرارات الإيقاف، والحجب، وفرض خطوط حمراء رسمية وغير رسمية.
وهذا التعميم الجديد لا يقتصر على تقييد حرية الإعلام في تغطية أحد أهم التطورات الدبلوماسية في السنوات الأخيرة، بل يكشف أيضًا عن عجز السلطة في التعامل مع الأزمات الدولية، مفضلةً قمع المعلومات بدلًا من الشفافية وإقناع الرأي العام.
وفي هذا السياق، كشف رئيس تحرير صحيفة "سازندكی"، رئيس نقابة الصحافيين في طهران، أكبر منتجبی، عن طرد 150 صحافيًا في إيران من عملهم بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، في ظل استمرار الضغوط الممارسة على الإعلاميين، دون أن تتخذ الحكومة أي إجراء لدعمهم.
ومن جهته، أشار الرسام الصحافي، هادي حیدري، الذي وُجهت إليه تهم قضائية، يوم 29 يوليو (تموز) بعد نشره كاريكاتيرًا يظهر فيه الرئيس الإيراني مسعود بزشكیان راكبًا على حمار كُتب عليه "وفاق"، أشار إلى حالات قطع الإنترنت واعتقال الصحافيين المتكررة في إيران.
أما الصحافية غزل حضرتی من صحيفة "اعتماد"، فقد وصفت النظرة الأمنية تجاه الإعلام بأنها "مضرة"، قائلة: "خلال أحداث الحرب، تم التأكيد مرارًا على أن الإذاعة والتلفزيون الرسمية تملك حق التغطية، وهذا الاحتكار عمليًا يمنع باقي وسائل الإعلام من العمل بحرية".
وفي تقرير نشرته صحيفة "سازندكی" بتاريخ 2 أغسطس الجاري تحت عنوان "وسائل الإعلام على وشك الإغلاق"، حذّرت الصحيفة من أن الضغوط الاقتصادية على وسائل الإعلام في فترة ما بعد الحرب بلغت مستويات غير مسبوقة، مشيرة إلى أن أزمة الورق دفعت الصحف المطبوعة إلى حافة الإغلاق، إذ تضاعف سعر الورق بعد الحرب، في حين لم تتخذ حكومة بزشكیان أي خطوة عملية في ما يخص استيراد الورق أو تخصيص الدعم المالي اللازم.
وأضاف التقرير أن "نادي الصحافيين الإيرانيين" ونقابة الصحافيين في طهران أكدا طرد ما لا يقل عن 150 صحافيًا خلال فترة قصيرة بعد الحرب، محذرَين من أن الرقم مرشّح للارتفاع إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
النظام الإيراني.. سجل حافل من القمع للصحافيين
يُذكر أن النظام الإيراني، منذ نشأته، دأب على قمع الصحافيين والكتّاب والنشطاء المدنيين والسياسيين المعارضين من خلال الاعتقال والتعذيب والسجن.
وأكّدت "إيران إنترناشيونال"، مؤخرًا أن الهجمات السيبرانية التي أدت إلى اختراق بعض حسابات "تلغرام" الخاصة بموظفي القناة تعود إلى هجمتين منفصلتين، الأولى في صيف 2024، والثانية في يناير (كانون الثاني) 2025.
وتُعتبر هذه الهجمات جزءًا من حملة أوسع من التهديدات، والترهيب، وعمليات الاغتيال التي تستهدف شبكة "إيران إنترناشيونال"، والتي تُعد وسيلة إعلامية مستقلة باتت في السنوات الأخيرة هدفًا متكررًا لتهديدات النظام الإيراني بسبب تغطيتها المهنية والمحايدة للأحداث.
وسبق أن أكدت "إيران إنترناشيونال"، في بيان صدر عام 2022، أن النظام الإيراني حاول تنفيذ عملية اغتيال ضد بعض صحافييها في لندن.
وفي 9 يوليو (تموز) الماضي، أعلنت منظمة "الدفاع عن حرية تداول المعلومات" في تقرير لها حول قمع حرية التعبير في إيران أن السلطات فتحت 46 قضية جديدة ضد صحافيين ووسائل إعلام خلال النصف الأول من عام 2025.
كما سبق وأعرب الاتحاد الدولي للصحافيين عن قلقه إزاء تزايد حالات الاستدعاء والاعتقال التي تطال الصحافيين في إيران منذ اندلاع الحرب بين النظام الإيراني وإسرائيل، وطالب بوقف الضغوط الممارسة عليهم.
وبحسب التقرير، فإن الشهور الستة الأولى من العام الجاري شهدت تصعيدًا في قمع حرية الإعلام، وهو قمع اتخذ أبعادًا جديدة ومعقّدة منذ انتخاب مسعود بزشكيان رئيسًا لإيران.
كما سجّلت مؤشرات حرية التعبير في البلاد تراجعًا غير مسبوق.
وخلال هذه الفترة، تعرض ما لا يقل عن 95 صحافيًا ومؤسسة إعلامية لـ 110 حالات من المضايقات القضائية والأمنية، فيما تم تسجيل صدور أحكام بالسجن أو فتح ملفات أو استدعاءات أمنية ضد 19 صحافية على الأقل.
وخلال الأشهر الستة الماضية، عُقدت محاكمات لـ 10 صحافيين، أُدينوا بإجمالي أحكام وصل إلى 22 عامًا و3 أشهر من السجن.
قضايا جديدة ضد الصحافيين
خلال النصف الأول من العام الجاري، قامت السلطة القضائية في النظام الإيراني بتحريك ما لا يقل عن 46 قضية جديدة ضد صحافيين ووسائل إعلام.
وكانت تهمة "نشر الأكاذيب بهدف تضليل الرأي العام" هي الأكثر تكرارًا؛ حيث وردت في 47 حالة.
ومن بين التهم الأخرى المسجّلة: التشهير والافتراء، والدعاية ضد النظام، والاجتماع والتآمر للإضرار بالأمن القومي، وخلع الحجاب، وإفشاء وثائق سرية.
ووفقًا لمنظمة الدفاع عن تدفق المعلومات، فقد انتهكت الأجهزة القضائية والأمنية حقوق الصحافيين والمؤسسات الإعلامية في 112 حالة على الأقل.
ومن بين الانتهاكات: الاعتقالات التعسفية، والحرمان من التمثيل القانوني بواسطة محامٍ مختار، ومنع الاتصال أو الزيارات العائلية، ومصادرة الممتلكات أو المعدات دون أوامر قضائية، واستخدام التعذيب النفسي، والضرب والإيذاء الجسدي من قِبل العناصر الأمنية.
وفي أعقاب التهديدات السابقة، دعت منظمة "مراسلون بلا حدود" (RSF) الحكومة البريطانية إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الصحافيين الإيرانيين.
وفي بيانها، حذّرت المنظمة من أن تهديدات النظام الإيراني ضد وسائل الإعلام تُشكّل ناقوس خطر حقيقي للديمقراطيات حول العالم.
إيران.. عدو الإنترنت
وفقًا لتقرير مراسلون بلا حدود لعام 2024، فإن إيران تحتل المرتبة 177 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة، ما يجعلها واحدة من أقل الدول احترامًا لحرية الإعلام على مستوى العالم. وتُصنَّف إيران ضمن الدول "العدوّ للإنترنت"، حيث تُفرض قيود صارمة على الوصول إلى المعلومات المستقلة.
ويعكس هذا الوضع صعوبة وصول الصحافيين والمواطنين إلى الأخبار والمصادر خارج نطاق الرقابة الرسمية، فيما يحد من إمكانية النقاش المنفتح حول القضايا الوطنية والدولية.
وتخضع الصحافة في إيران لرقابة مشددة من قبل وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، وتُعتبر بعض المواضيع “محظورة” بشكل كامل، مثل انتقاد المرشد علي خامنئي، أو تناول حقوق المرأة، أو كشف ملفات الفساد المتعلقة بالحرس الثوري. الصحافيون الذين يحاولون تغطية هذه المواضيع معرضون للاعتقال والمحاكمة، وغالبًا ما يُتهمون بـ "التعاون مع قوى معادية" فقط بسبب نقلهم للحقائق أو انتقادهم لسياسات الدولة.
وعلى الصعيد الرقمي، تُحجب معظم المواقع الإخبارية الأجنبية، ويضطر العديد من الإيرانيين لاستخدام شبكات VPN للوصول إلى مصادر الأخبار العالمية. وتعكس هذه القيود محدودية حرية الإعلام الرقمي، وتشير إلى مدى تحكم الدولة في المعلومات المتداولة داخل البلاد.
وفي 9 يوليو الماضي، نشرت منظمة "الدفاع عن حرية تداول المعلومات" تقريرًا صادمًا حول واقع حرية التعبير في إيران، مشيرة إلى أن حملة قمع الصحافة تسارعت بعد الحرب.
وعبّر الاتحاد الدولي للصحافيين عن قلقه من الاعتقالات المتزايدة والاستدعاءات المتكررة بحق الإعلاميين الإيرانيين، مطالبًا بوقف الضغوط فورًا.
لكن هذه النداءات لا تجد آذانًا مصغية، في حين يواجه الإعلاميون الإيرانيون واقعًا قاسيًا، بلا حماية قانونية، ولا ضمان اجتماعي، ولا حتى حقهم في التعبير بحرية.
إغلاق وتعليق صحف
وتطرّق تقرير للاتحاد الدولي للصحافيين إلى قرارات توقيف أو تعليق أو تعطيل عدد من الصحف والمواقع، منها: صحيفة اعتماد (حرمان من الإعلانات الحكومية)، صحيفة سازندكی (توقيف مؤقت)، صحيفة جهان صنعت (توقيف مرتين)، توقف صحيفتي شهروند امروز وصبح اقتصاد، توقيف موقع فرداي اقتصاد واعتقال عدد من صحافييه.
كما وثّق التقرير حالات طرد من العمل لعدد من الصحافيين بسبب آرائهم أو انتقاداتهم، مثل: مريم ورشويي (همشهري)، محسن آجرلو، آزاده بيراكوه، حامد طالبي (إيران)، آريا جعفري (إيسنا)، حنا خلج (إيرنا).
وأكد الاتحاد الدولي للصحافيين أن هذه الأرقام تمثل فقط الحالات التي نُشرت تفاصيلها في وسائل الإعلام، بينما قد يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك بكثير.
وأضاف أن إيران لا تزال من بين أكثر الدول قمعًا لحرية الصحافة إلى جانب الصين وروسيا وبيلاروسيا.
وكانت منظمة الدفاع عن حرية تداول المعلومات، قد أفادت في تقريرها الأخير، حول قمع وسائل الإعلام والصحافيين في إيران، بأن المائة يوم الأولى من رئاسة مسعود بزشکیان شهدت زيادة في قمع حرية التعبير؛ حيث تعرضت 78 وسيلة إعلامية وصحافيًا لإجراءات قضائية وأمنية من قِبل النظام الإيراني.
وأظهرت الملفات الموثقة لدى منظمة الدفاع عن حرية تداول المعلومات، أنه خلال المائة يوم الأولى من فترة رئاسة بزشکیان، أصدرت المحاكم السياسية والصحافية والقضاة قرارات في 32 قضية منفصلة بالإدانة أو أحكامًا بالسجن بحق الصحافيين ووسائل الإعلام.
وسجّلت السلطات الأمنية والقضائية في إيران، خلال هذه الفترة، ما لا يقل عن 74 حالة انتهاك للحقوق القانونية للصحافيين الذين تمت ملاحقتهم.
وقد وصفت المنظمة، في تقريرها، انعقاد المحاكمات الصحافية بشكل سري أو دون حضور هيئة محلفين في 46 قضية بأنها من أكثر الانتهاكات المتكررة ضد الصحافيين ووسائل الإعلام في هذه الفترة.
ووفقًا للتقرير، تضمنت الانتهاكات المتكررة ضد الصحافيين تقييد الأنشطة المهنية في 9 قضايا، واعتقالًا تعسفيـا لأربعة صحافيين، ومنع أربعة آخرين من الوصول إلى محامين بعد اعتقالهم، وأربع حالات مصادرة غير قانونية للمعدات الشخصية والمهنية للصحافيين دون إبراز أوامر قضائية، إضافة إلى حالتي اعتداء جسدي على صحافيين.