"المواطن-المخبر".. العقيدة الأمنية للنظام الإيراني من الحلم إلى الواقع

واحدة من السمات الرئيسية للأنظمة الشمولية والديكتاتورية في نقاط مختلفة من العالم هي الجهد والتركيز على السيطرة ليس فقط على السلوك والأفعال، بل على أفكار ومشاعر المواطنين أيضاً.
واحدة من السمات الرئيسية للأنظمة الشمولية والديكتاتورية في نقاط مختلفة من العالم هي الجهد والتركيز على السيطرة ليس فقط على السلوك والأفعال، بل على أفكار ومشاعر المواطنين أيضاً.
في الديكتاتوريات، يتم تحقيق هذا الهدف من خلال طرق مختلفة بما في ذلك الدعاية، والتلاعب الذهني، والسيطرة على الإعلام، والتجسس، وحتى محاولة إثارة الناس ضد بعضهم البعض؛ بحيث في الحالة المثالية للديكتاتور، لا يثق حتى الابن بأمه والجار بجاره ليتم توفير غرضه في السيطرة الشاملة والدائمة.
النظام الإيراني خلال السنوات الماضية روج بطرق مختلفة فكرة التجسس والإخبار عن المواطنين لبعضهم البعض، ومسؤولوه يصرحون أحياناً ببيانات وأرقام غير قابلة للإثبات حول نجاح جهودهم في هذا المجال.
في أحدث نوع من هذه التصريحات، كتبت وسائل الإعلام في إيران نقلاً عن سعيد منتظر المهدي، المتحدث باسم قيادة الشرطة الإيرانية، أنه خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً مع إسرائيل، تم اعتقال 21 ألف شخص مشتبه في التجسس من خلال ما وصفه بـ"التقارير الشعبية".
النظام الإيراني بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، التي تعتبر من قبل العديد من الخبراء فشلاً استخباراتياً كبيراً للنظام، شدد القمع على المواطنين خاصة الأقليات الدينية والأجانب.
في 14 يونيو (حزيران)، ويوماً بعد بدء الهجوم الإسرائيلي، طلبت وزارة الاستخبارات من المواطنين "في حال رؤية أي سلوك مشبوه أو مرور مركبات خاصة بما في ذلك الفان والشاحنات الصغيرة والشاحنات المشبوهة" الاتصال بهذه الوزارة.
بناءً على التقديرات المنشورة، يبلغ عدد موظفي منظمة الاستخبارات والعمليات الخاصة الإسرائيلية (الموساد) في جميع الأقسام حوالي سبعة آلاف شخص. وفقاً لذلك، نجحت قوات الشرطة في اعتقال ثلاثة أضعاف موظفي الموساد، ويبدو أن مثل هذه العملية غير مسبوقة في تاريخ التجسس المعاصر.
اللجوء إلى خطاب "الوحدة" بين طبقات المجتمع المختلفة من المتطوعين الموالين للنظام إلى الذين يسعون للإطاحة بالنظام، والتمسك بخيط القومية وقراءة نشيد "يا إيران"، والجهد لإظهار إقبال الناس على النظام من الحيل الأخرى للنظام الإيراني لجعل ضرورة وجوده واحداً مع مفهوم الحفاظ على الوطن.
يبدو الآن أن ادعاء تحديد المشتبه بهم بالتجسس عبر التقارير الشعبية هو محاولة من النظام لاستغلال المواطنين وإظهارهم كشركاء في عمليات القمع.
الجهود الدورية لتشجيع الناس على التجسس
واحدة من أوضح الأمثلة لإظهار جهود النظام في مجال استخدام المواطنين كأداة للتجسس هي الدعاية للحجاب الإجباري، وقمع العصيان المدني للنساء من خلال تحريض الناس على الإبلاغ عن صور وأماكن تردد هؤلاء النساء.
في أواخر صيف عام 2023، قدمت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطبيقاً للهواتف المحمولة يُدعى "ناظر" لتسريع عملية الإبلاغ عن عصيان النساء للحجاب الإجباري في الأماكن الحضرية.
في ذلك الوقت، تم الإبلاغ عن أن هذا البرنامج للهواتف المحمولة يُوضع في تصرف الأفراد الذين يقدمون أنفسهم إلى هذه الهيئة كمبلغين حكوميين ويتعاونون مع هذه المؤسسة.
في مثال آخر، طلبت وزارة الاستخبارات في مارس (آذار) عام 2023 في رسالة نصية من الناس المساعدة في تحديد "عملاء الموساد" مع هذه الوزارة.
الدليل الوحيد الذي قدم لتحديد وإبلاغ عن هؤلاء العملاء المزعومين كان كالتالي: "إذا اقترب منك شخص بقبعة، قناع، قفازات، مكياج ... وطلب بطاقة SIM بدون اسم أو إيجار سكن قصير الأجل، فاشتبه به كعامل في عمليات إرهابية للموساد واتصل فوراً بـ113".
يُلقي النظام الإيراني بتهم التجسس على أفراد من مختلف الفئات، من موظفين وبائعين بسطاء إلى أعضاء في حرس النظام، ويحتجزهم في السجون، وأحياناً يُعدم بعضهم دون محاكمة عادلة.
ووفقاً لبعض السجناء السياسيين السابقين، سجون إيران مليئة بأفراد من مهن وخلفيات وتعليم مختلف من الموظفين والباعة البسطاء إلى أعضاء حرس النظام الإيراني الذين في السجن بتهمة التجسس، والنظام يرسل أحياناً أفراداً بهذه التهمة إلى حبل المشنقة دون محاكمة عادلة.
قبل ذلك وفي أعقاب عدة دورات من الاحتجاجات الوطنية للمواطنين ضد النظام بما في ذلك في يناير (كانون الثاني) عام 2018، رأينا أن وزارة الاستخبارات وبعد أيام قليلة من تصاعد الاحتجاجات، طلبت من المواطنين تحديد "الذين يلحقون الضرر بالممتلكات العامة".
من مراقبة النظام إلى تفكك الثقة الاجتماعية
في التاريخ المعاصر، كانت هناك حكومات اعتقدت خطأً أن الاعتماد على التجسس الداخلي والإخبار عن الناس لبعضهم البعض يؤدي إلى استقرارها.
كما أن بحثاً نشر في ألمانيا عام 2008، في وقت انهيار جدار برلين عام 1989، كان هناك حوالي 189 ألف شخص مخبرين لشرطة الاستخبارات السرية في ألمانيا الشرقية (اشتازي).
اعتمد اشتازي على الناس العاديين للإبلاغ عن الأنشطة التي لا تتوافق مع الأيديولوجيا الرسمية في ألمانيا الشرقية التي يبلغ عدد سكانها 16 مليوناً.
إن تعميق انعدام الثقة بين أفراد المجتمع لا يُعد أمراً مريراً بالنسبة للنظام الإيراني، الذي اعتاد على نهج "فرّق تسد"، باستثناء أوقات الانتخابات والتجمعات الحكومية التي يسعى خلالها إلى إظهار دعم جميع فئات الشعب.
لقد أظهر النظام الإيراني باستخدام أدوات مثل تطبيقات الإبلاغ، والرسائل النصية الأمنية، والدعوات العامة لتحديد "العناصر المشبوهة"، أنه يريد عملياً تحويل جزء على الأقل من الناس إلى ذراع قمع له.