الأولى: "الثورة لا يمكن أن تنبع من الخارج"، وأن الإيرانيين المقيمين خارج البلاد ليس لهم حق في الإدلاء برأي أو المشاركة الفاعلة في مسألة إسقاط النظام الإيراني.
الثانية: "الديمقراطية لا تتحقق عبر التدخل الأجنبي"، والجملة الشهيرة التي تقول: "الديمقراطية لا تأتي على ظهر جندي أجنبي".
سأسعى بالاعتماد على التجارب التاريخية لإظهار خطأ هاتين الحُجتين، لكن قبل ذلك، أود توضيح موقفي الشخصي.
أؤمن أن إسقاط النظام الإيراني هو واجب وطني يمكن لجميع الإيرانيين المشاركة فيه، سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها. لا يحق لأحد أن ينكر أو يقيّد المشاركة السياسية لأي إيراني لمجرد مكان إقامته.
لا يهم من يكون له الدور الأكبر، الداخل أم الخارج، المهم هو أن يزول النظام الإيراني كطاعون من حياة الناس وينهار.
وأكثر من ذلك، التجربة التاريخية في إيران تثبت أن الادعاء القائل: "الثورة لا تكون إلا من الداخل" هو ادعاء خاطئ.
الثورة يمكن أن تنبع من الخارج
الثورة الدستورية في إيران، أول ثورة كبرى في البلاد، انطلقت في الغالب من الخارج. كان من أبرز المثقفين الذين ساهموا من الخارج في نشر الأفكار الثورية في الداخل الإيراني، ميرزا ملكم خان وجمال الدين أسد آبادي وطالبوف، حيث أصدروا صحفًا مثل "قانون"، و"العروة الوثقى"، و"حبل المتين"، ونقلوا رسالة الثورة رغم صعوبة وسائل الاتصال في ذلك العصر.
كذلك، مرت ثورة 1979 بجزء مهم من مراحلها خارج البلاد، إذ كان قائدها روح الله الخميني في العراق ثم في باريس، حيث بثت إذاعة الثورة الإسلامية خطابات الخميني عبر إمكانيات نظام البعث العراقي تحت حكم صدام حسين وأحمد حسن البكر. كما أن كثيرًا من القوى المؤثرة في الثورة، مثل حزب توده، واتحاد الطلاب، والتيارات اليسارية، كانت نشطة خارج البلاد أو تأسست فيها أساسًا.
بل وحتى الثورة الروسية عام 1917 تعد مثالًا آخر، حيث كان لينين والكثير من قادة الثورة خارج روسيا حتى أيام قليلة قبل سقوط النظام القيصري.
لذا، الادعاء بأن الثورة يجب أن تكون حتمًا من الداخل ليس فقط خاطئًا، بل يتجاهل تاريخ إيران ذاته.
إن كان ملكم خان وجمال الدين، قبل أكثر من 130 عامًا، استطاعا أن يكونا فاعلين بإمكانات محدودة من الخارج، فلماذا لا يستطيع اليوم ملايين الإيرانيين في عصر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أن يلعبوا دورًا؟
تجربة فرنسا وألمانيا
المغالطة الثانية التي تقول: "الديمقراطية لا تأتي عبر فرص التدخل الأجنبي" يمكن أيضًا دحضها.
فرنسا وألمانيا، اللتان تعدان اليوم من أقوى الديمقراطيات وأرقى الدول، لم تتحقق ديمقراطيتهما ونموهما إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وبمساعدة التدخل الأميركي وحلفائه.
تحررت فرنسا بفضل دعم مباشر من القوات الأميركية والبريطانية والكندية، كما سقط نظام النازية في ألمانيا فقط عبر الغزو الخارجي.
هل كان يجب على الألمان المؤيدين للحرية أن يقفوا إلى جانب هتلر ضد القوات الأميركية؟ بالطبع لا.
استفادة الشعب الفرنسي من الفرص الدولية لتحرير بلادهم لا يعني إنكار نضالهم ومقاومتهم، لكنهم وحدهم لم يستطيعوا هزيمة النظام الفاشي هتلر، فاستخدموا المساعدة الخارجية، ولا يستحقون اللوم على ذلك.
للشعب الإيراني الحق في طلب المساعدة الأجنبية والاستفادة من الفرص الدولية. أنا ضد الحرب، لكن حين تكون سياسات النظام الإيراني حربية ويكون هو نفسه مصدر العنف- من القمع في الشوارع إلى التعذيب والسجون والإعدامات- فلا يمكن إلقاء اللوم على وسائل المقاومة التي يتبعها الناس.
خلال العقدين الماضيين، شهدت إيران انتفاضات متكررة: 1999، 2009، 2017، 2019، و2022. هذا الشعب لم يقف مكتوف الأيدي، بل كان نشطًا ودفع ثمناً باهظًا.
والآن، إذا اقتضى الوصول إلى الحرية والديمقراطية الاستفادة من فرص الدعم الدولي والمساعدات الخارجية، فهذا حق مشروع للشعب الإيراني.
إسقاط ديكتاتورية النظام الإيراني يصبح أكثر احتمالًا بفضل جهود الإيرانيين وضغوط المجتمع الدولي معًا.
النظام الإيراني نفسه يعرف جيدًا أن الادعاء القائل: "الثورة لا تحدث من الخارج" غير صحيح، لكنه يروّج له عمدًا، ويُضلل به البعض الذين يكررون كلام النظام.
خميني نفسه قاد ثورة 1979 من الخارج. لكن النظام يكرر هذا الكلام الخاطئ ليقلل من تأثير ونفوذ النشاط السياسي للإيرانيين في الخارج، ويصوّره على أنه غير شرعي.
يسعى النظام الإيراني إلى إضعاف المعارضين في الخارج عبر أدوات مثل التسلل بينهم، والضغط، والترغيب، والتهديد، سواء عبر الاغتيالات أو تشويه السمعة أو خلق الفُرقة في صفوف المعارضة. هدفه قطع الصلة بين الداخل والخارج ومنع تشكّل قيادة بديلة قوية تُطيح بالنظام.
في النهاية، الثورة الوطنية القادمة في إيران هي ملك لجميع الإيرانيين، داخل البلاد وخارجها؛ والديمقراطية، في ظل ديكتاتورية مقاومة بشدة، وحيث تكون الفرص السياسية محدودة في الداخل كما هو الحال اليوم، يمكن تحقيقها بمشاركة أوسع لنشطاء الخارج، بل وبمساعدة دولية. تجربة الثورة الدستورية في إيران، وثورة 1979، والثورة الروسية، والديمقراطيات التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، كلها تؤكد هذه الحقيقة.
لشعب إيران الحق في استخدام كل الوسائل المشروعة، بما في ذلك الفرص الدولية، من أجل التحرر من النظام الإيراني. فالأهم هو إسقاط النظام.