وقالت الصحيفة، إلى جانب وسائل إعلام أخرى مثل "صوت بيروت" اللبنانية، إن الأزمة الحالية قد تقود إلى انهيار كامل في الشبكتين العسكرية والمالية للحزب. وبدأت مؤشرات هذه الأزمة بالظهور بعد مقتل فؤاد شكر، أحد أبرز القادة العسكريين المقربين من حسن نصر الله، في هجوم غير مسبوق استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت. جاء ذلك ردًا على قصف صاروخي نفّذه حزب الله على منطقة مجدل شمس، حيث قُتل 12 طفلاً من الطائفة الدرزية.
وفي تلك الفترة، حذّر محللون من أن أي استهداف لعمق مناطق سيطرة الحزب قد يؤدي إلى ردّ صاروخي عنيف على تل أبيب. ورغم أن حزب الله أطلق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، فإنه فشل في تحقيق إنجاز ميداني أو نفسي يُحسب له. ومع تصاعد العمليات الاستباقية والهجمات الإسرائيلية المُعطِّلة، بدأ نصر الله يخسر توازنه الاستراتيجي تدريجيًا.
لكن الضربة الأهم لم تكن عسكرية، بل استخباراتية. فقد بدأت شبكة تجسسية، اخترقت بنية قيادة الحزب على مدى عقدين، في كشف مواقع المخابئ، ومستودعات الأسلحة، وغرف القيادة، ومنظومات الاتصال. هذه التسريبات شكّلت صدمة قوية لنصر الله، وبدأت معها "هالة الخوف" التي أحاطت بالحزب في لبنان وإسرائيل تتآكل شيئًا فشيئًا.
وبعد نحو شهر ونصف من مقتل فؤاد شكر، شهد الحزب حادثة صادمة، حين انفجرت آلاف أجهزة النداء (البيجر) المثبّتة على أجساد مقاتليه بشكل متزامن، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى. ووفقًا لوفيق صفا، رئيس وحدة الارتباط في حزب الله، كانت تلك العملية بمثابة "نهاية العالم" بالنسبة لنصر الله. ولم تمضِ فترة طويلة حتى تمّت تصفية نصر الله نفسه، الوجه الأبرز لمحور إيران، من الساحة السياسية والعسكرية
الانهيار المالي وتحذيرات المستشارين
بعد مرور عام تقريبًا على تلك الأحداث، يواجه حزب الله أزمة تهدد بتفكيك بنيته المالية من الداخل. فقد أبلغ صندوق "شهداء المقاومة" عائلات القتلى بوقف دفع الرسوم الدراسية لأبنائهم، في خطوة تمسّ ميزانية تُقدّر بعشرات ملايين الدولارات سنويًا.
ويأتي هذا وسط موجة عقوبات أمريكية مشددة، وهجمات سيبرانية واستخباراتية استهدفت مؤسسات مالية تابعة للحزب، مثل "قرض الحسن"، ما أدى إلى انهيار أركانه الاقتصادية واحدًا تلو الآخر. حتى في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تُعدّ قلب سلطة الحزب، لم يعد قادرًا على دفع أجور المقاولين المكلّفين بإعادة إعمار المباني المتضررة.
وذكرت صحيفة "صوت بيروت"، أن حزب الله يمرّ حاليًا بـ"أقسى أزمة اقتصادية في تاريخه"، قد لا تغيّر فقط مستقبل الحزب، بل أيضًا مسار لبنان برمّته.
وتفيد المصادر اللبنانية بأن رواتب المقاتلين لم تعد تُدفع بشكل كامل، وأن التعويضات تُصرف بتأخير وبمبالغ أقل، فيما حُرمت عائلات القتلى من خدمات طبية، ومساعدات تعليمية، ودعم اجتماعي معتاد.
حتى بدل الإيجار الممنوح للعائلات الشيعية النازحة من منازلها جرّاء المعارك يوشك أن يتوقف، إذ لم يُخصَّص له سوى عام واحد، بينما تعاني أعمال إعادة الإعمار من بطء شديد.
وحذّر مستشارو حزب الله الاقتصاديون من "كارثة لا مفرّ منها" إذا لم يُؤمَّن تمويل فوري. وأشاروا إلى أن تحويل الأموال من إيران بات في غاية الصعوبة، وأن الميزانيات المخصصة انخفضت بشكل حاد.
وترجع هذه الأزمة إلى عاملين رئيسيين: أولًا، سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وصعود حكومة إسلامية معادية لحزب الله، جعل من محاربة تهريب السلاح والمخدرات- أحد أبرز مصادر تمويل الحزب- أولوية. وثانيًا، الضغوط الأمريكية المتزايدة على الدولة اللبنانية، والتي أدت إلى تشديد الرقابة على مسارات التمويل القادمة من إيران، خصوصًا عبر مطار بيروت.
الضغوط لنزع السلاح والانقسامات الداخلية
بالتزامن مع الأزمة المالية، يواجه حزب الله ضغوطًا متصاعدة من الولايات المتحدة ودول الخليج لنزع سلاحه. وقد طرحت هذه الدول على الحكومة اللبنانية معادلة واضحة: حصر السلاح بيد الدولة مقابل الحصول على دعم اقتصادي، وإلا فستزداد الأزمة الاقتصادية سوءًا.
وفي هذا السياق، عبّر نعيم قاسم، الذي خلف نصر الله رغم افتقاده للكاريزما، عن رفضه التام لتسليم السلاح، في وقت لا تزال فيه الحكومة اللبنانية تتجنب المواجهة المباشرة مع الحزب. غير أن بوادر انقسام بدأت تظهر داخل صفوف الحزب، إذ طالبت الدائرة المقرّبة من قاسم بتقديم حلّ سريع للأزمتين العسكرية والاقتصادية.
من جهة أخرى، تستغل إسرائيل هذا الوضع. فعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار، تواصل تنفيذ عمليات شبه يومية تستهدف قادة بارزين في الحزب.
ورغم أن حزب الله لا يزال موجودًا شكليًا، فإن غياب نصر الله وقطع الجزء الأكبر من التمويل الإيراني أظهرا مؤشرات واضحة على انهيار بنيوي.
إن إمبراطورية الحزب، التي كانت تُعدّ واحدة من أقوى أدوات النفوذ الإيراني في المنطقة، تُظهر اليوم تصدّعات عميقة قد تؤدي إلى انهيارها الكامل في أي لحظة.