وفي رسالة رسمية وجّهها هؤلاء النواب، اعتبروا أن هذا المشروع يتعارض بشكل مباشر مع شعارات الحكومة الحالية، التي وصفت نفسها بـ "العدالة، الشعبية، ومناهضة الاحتكار". ورغم ذلك، أُقرّت صفة "العجلة المزدوجة" على المشروع في البرلمان بـ 205 أصوات مؤيدة مقابل 49 معارضًا.
وفي جزء من الرسالة، تساءل النواب مخاطبين بزشكيان: "هل يكون جزاء وقوف الناس مع النظام في حرب الأيام الـ 12 هو تقييد حريتهم في التعبير، وتقديم مشروع قانون لإسكات منتقدي الدولة؟"، مؤكدين أن المشروع يخالف المادة 24 من الدستور الإيراني التي تضمن حرية النشر ضمن حدود القانون.
وكانت الحكومة قد أقرت المشروع في 20 يوليو (تموز) الجاري بصفة عاجلة، وأحالته إلى البرلمان، الذي صوّت لصالح الإسراع في مناقشته يوم الأحد 27 من الشهر نفسه.
النواب: الحكومة تبني مشروعيتها على خطاب الحوار ثم تهاجم الإعلام الحر
ذكّر النواب، في رسالتهم للرئيس بزشكيان، أن حكومته نالت القبول الشعبي بناءً على خطاب كان جوهره "الحوار، وتقبّل النقد، وتعدد وجهات النظر"، في حين أن هذا المشروع يمثل تهديدًا مباشرًا للإعلام المستقل ومحاولة لتقويض الفضاء الرقمي.
ووصفت الرسالة المشروع بأنه "خطأ استراتيجي مكلف"، مشددة على أن اللحظة الحالية تتطلب "الإصغاء والترميم، لا تعميق الشروخ". وأضاف الموقعون: "إذا تم تمرير هذا المشروع، فإنه سيقوّض شرعية الإعلام الحكومي ويعمّق انعدام الثقة بين الشعب والسلطة."
ومن بين الموقعين على الرسالة: فريد موسوي، غلام رضا تاجكردون، فريدون همتي، محمد مهدي شهریاري، أحمد محمدي أنارکي، مریم عبداللهي، مصطفى بوردهقان، مهرداد لاهوتي، رضا سبهوند، محمد بهرامي، بيت الله عبداللهي، عالیه زماني كیاسري، زهرا خدادادي، محسن فتحي، أحمد فاطمي، سید محمد جمالیان، مسلم صالحي، فضلالله رنجبر، وأحمد بیكدلي.
نقابة الصحافيين الإيرانيين: المشروع يُشرعن الرقابة بشكل صريح
من جهتها، اعتبرت نقابة الصحافيين في محافظة طهران، في رسالة أرسلتها يوم الأحد 27 يوليو، إلى بزشكيان أن هذا المشروع "يتعارض مع المبادئ الدستورية والحقوق الأساسية للشعب الإيراني"، وطالبته بسحبه من البرلمان فورًا.
وأكدت النقابة أن المشروع "أُعدّ بشكل سري، دون المرور بالإجراءات والخبرات المتخصصة"، مبدية استعدادها للتعاون مع الحكومة في "صياغة سياسات عادلة، علمية، ومتخصصة لإدارة الفضاء الرقمي".
كما انتقدت النقابة تناقض الحكومة مع وعود بزشكيان في حملته الانتخابية، لا سيما تعهداته بـ "رفع الحجب، وتقوية البنية التحتية الرقمية"، معتبرة أن المشروع يمثل تراجعًا واضحًا عن هذه الالتزامات.
ويُشار إلى أن المشروع تم إعداده باقتراح من السلطة القضائية، ويتضمن عقوبات مشددة ضد المستخدمين في الفضاء الإلكتروني، وخاصة المؤثرين والناشطين المعروفين، تشمل السجن، والحرمان من الحقوق، والغرامات المالية.
وينص المشروع على أن وزارة الثقافة والإرشاد ملزمة بإنشاء نظام وطني لتلقي بلاغات حول الأنشطة الرقمية، وإرسال هذه التقارير إلى السلطة القضائية.
القانون يهدد الإيرانيين
وقد قوبل المشروع بانتقادات واسعة من القانونيين والمختصين؛ ففي مقال نُشر بصحيفة "شرق"، حذّر أستاذ القانون الإيراني، محسن برهاني، من أن "لا أمن مستدام دون حرية التعبير"، منتقدًا استخدام "مصطلحات مبهمة" يمكن أن تعرض المواطنين للعقاب حتى إن نشروا معلومات صحيحة، طالما لم "ينقلوا كل الحقيقة".
واعتبر أن المشروع يفتح الباب لتأويلات واسعة قد تُستخدم لمعاقبة الأصوات الناقدة على أساس النية أو التفسير السياسي.
وزارة العدل ترد: العقوبة فقط عامان ولا مساس بحرية التعبير
في المقابل، حاولت وزارة العدل في حكومة بزشكيان الدفاع عن المشروع، مؤكدة أن "حرية التعبير ليست مهددة"، وأن العقوبة القصوى لا تتجاوز السجن لمدة عامين، وهو ما لم يُقنع منتقدي المشروع.
"كيهان" تدافع عن المشروع وتهاجم المعارضين
في الاتجاه المعاكس، دافعت صحيفة "كيهان"، المحسوبة على التيار المتشدد والمقربة من المرشد الإيراني، علي خامنئي، عن مشروع القانون، مهاجمة منتقديه وواصفة فهمهم لحرية التعبير بأنه "فوضى وانفلات إعلامي".
واعتبرت الصحيفة أن المشروع يشبه "حماية الأعمال التجارية من اللصوص وقطاع الطرق"، مؤكدة أن "مكافحة الأكاذيب والشائعات لا تعني تقييد حرية التعبير، بل هي احترام للعقل والمنطق والمسؤولية في النشر".
قانون قمعي
عبّر محمد مهاجري، وهو من الشخصيات الإعلامية البارزة في التيار الأصولي وعضو هيئة تحرير موقع "خبر أونلاین"، في مقابلة مع صحيفة "شرق" عن رفضه للمشروع، مؤكدًا أن النظام يمتلك حاليًا ما يكفي من المؤسسات والقوانين لتنظيم الفضاء الرقمي.
واعتبر مهاجري أن مشروع القانون "لن يسفر إلا عن تشديد الخناق على العاملين في الإعلام"، وتوقّع أن "يتم تغليظ العقوبات بشكل أكبر خلال مناقشته في البرلمان، وربما تُضاف إليه أحكام بالجلد والسجن، وربما الشيء الوحيد الذي لن يفرضوه هو الإعدام"، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن السبب الحقيقي لانتشار الأخبار الزائفة على مواقع التواصل هو غياب حرية الإعلام المحلي وعدم قدرة الصحافة الرسمية على نقل الحقيقة.
وتوقع مهاجري أن القانون الناتج عن هذا المشروع "لن يُنفذ، تمامًا كما حدث مع قانون الحجاب والعفاف".