رغم أن تقلبات الأمطار السنوية ومستويات السدود تُعد ظاهرة مألوفة في مناخ إيران، فإن هذه الصور، التي تُنشر لأول مرة ضمن هذا التقرير، تُظهر بوضوح أن انخفاض المخزون المائي لهذه السدود لم يكن في أي فترة بحدة ما وصل إليه في صيف عام 2025.
وصرّح رئيس معهد المياه والبيئة والصحة التابع للأمم المتحدة، كاوه مدني، الذي اطلع على هذه الصور، لـ "إيران إنترناشيونال"، بأن الرسالة الوحيدة، التي تنقلها هذه الصور هي "الإفلاس المائي"، الذي طالما حذر هو وغيره من الخبراء منه.
وأكد مدني أن الوضع الراهن لا يمكن اعتباره مجرد أزمة، بل هو حالة انهيار، لأن بعض الأضرار، التي لحقت بالموارد المائية باتت غير قابلة للإصلاح.
وأضاف كاوه مدني لـ "إيران إنترناشيونال": "رغم أن السدود لعبت دورًا مهمًا في التنمية، ولا يمكننا إنكار فائدتها بالكامل، فإن الاعتماد المفرط على هذه المنشآت وغياب السياسات الصحيحة كان خطأً كبيرًا".
وأردف: "لا يمكننا توسيع مدينة مثل طهران إلى ما لا نهاية، ثم نتوقع أن تستمر السماء في المطر، أو أن تظل المياه الجوفية تتدفق من طبقات الأرض تحت المدينة".
ووفقًا للدراسات المنشورة، فإن سد أمير كبير، الذي تبلغ سعته التخزينية أكثر من 200 مليون متر مكعب، ويُعد أحد المصادر الأساسية لمياه الشرب في طهران وللاستخدام الزراعي في محافظة البرز، يحتوي حاليًا على ما لا يتجاوز 6 في المائة فقط من سعته المفيدة.
ونُشرت هذه الصور في وقت بدأت فيه السلطات الإيرانية كذلك تُطلق تحذيرات من تفاقم أزمة المياه في البلاد.
وتشهد إيران في الأسابيع الأخيرة موجة حر شديدة وغير مسبوقة، وقد جفت العديد من الخزانات الطبيعية والاصطناعية في مختلف أنحاء البلاد، خصوصًا في محافظات: طهران، والبرز، وفارس.
وفي العاصمة طهران، تحاول السلطات تقليل الاستهلاك من خلال تدابير طارئة تشمل قطع المياه والكهرباء بشكل متكرر، وإغلاق المؤسسات الحكومية في بعض الأيام.
ويُعد سد لار، الذي تبلغ سعته التخزينية نحو 960 مليون متر مكعب، المزود الأساسي لمياه الشرب في شرق وشمال طهران. وقد انخفضت مخزوناته حاليًا، إلى أقل من 10 في المائة.
أما سد لتيان، الذي يُعتبر أحد المصادر الرئيسة لمياه الشرب في شرق طهران، فلم يبقَ فيه سوى نحو 10 في المائة فقط من سعته البالغة 95 مليون متر مكعب.
ولا تقتصر خطورة الوضع على تراجع المياه، بل تمتد أيضًا إلى دوره البيئي وقدرته على التحكم في السيول الموسمية، مما يزيد من تعقيد الأزمة.
وتكشف هذه الصور شيئًا يتجاوز التغيرات الموسمية؛ فقد كانت طهران تاريخيًا تعتمد على سدود: لار ولتيان وأمير كبير؛ لتأمين 60 إلى 70 في المائة من مياه الشرب. ومع انهيار مخزون هذه السدود، بالتزامن مع بلوغ استنزاف المياه الجوفية مستويات حرجة، أصبحت العاصمة على شفا انقطاع مائي منهجي.
وقال الباحث في مجال البيئة، روزبه إسكندي، لـ "إيران إنترناشيونال": "إن الانخفاض الحاد في حجم المياه بالسدود المحيطة بطهران ليس مجرد إنذار عابر، بل يعكس أزمة هيكلية في إدارة الموارد المائية. واستمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى: تقنين شامل لمياه الشرب وخسارة الأراضي الزراعية وتفاقم تدهور المياه الجوفية وتصاعد التوترات الاجتماعية".
وأكد أن الأزمة الحالية نتيجة معقدة للتغير المناخي، والنمو غير المنضبط في الاستهلاك، والإدارة عديمة الكفاءة.
وبحسب الخبراء، فإن انخفاض سعة السدود وتراجع قدرة محطات الطاقة الكهرومائية التابعة لها، قد يُفضي إلى آثار تتجاوز أشهر الصيف، منها:
* احتمال تقنين مياه الشرب في الخريف.
* تعطل إنتاج الطاقة الكهرومائية (خصوصًا في سد لار وأمير كبير).
* ارتفاع خطر هبوط الأرض في ضواحي طهران.
* استياء شعبي بسبب الانقطاعات المتكررة في المياه والكهرباء، خاصة في المناطق الأفقر.
وحذّر إسكندي من أن حلقة الانخفاض المستمر في الواردات وزيادة السحب، إذا استمرت، فلن يكون لها رجوع.
واقترح عدة حلول، منها: إعادة تدوير المياه الرمادية، وتقليل الفاقد في شبكات التوزيع، وإصلاح أنماط الاستهلاك الزراعي، والاستثمار في أنظمة المراقبة الذكية. لكنه شدد على أن هذه الحلول ستبقى غير فعالة دون إرادة سياسية حقيقية وشفافية إدارية.
وفي الوقت الذي تظل فيه الأرقام عرضة للجدل، وتستمر السلطات في الحديث عن "نسب الأمطار" أو "خفض الاستهلاك"، تكشف صور الأقمار الصناعية حقيقة لا يمكن إنكارها.
وتظهر المقارنة بين صور السنوات الماضية والصورة الحالية بوضوح أن سدود العاصمة الإيرانية، رغم تأثرها بالجفاف الموسمي، فإنها ضحايا لأزمة إدارية وهيكلية متراكمة.
وقد أظهرت تجارب دول مثل سوريا، أن تجاهل الأزمات البيئية، خاصة تلك المتعلقة بالمياه، يمكن أن يُفضي- في غياب إصلاحات حقيقية في السياسات والإدارة- إلى عدم استقرار اجتماعي وسياسي، وهجرة جماعية، وانهيار شامل لبنية الدولة.
وهو انهيارٌ ستكون تبعاته كارثية، ليس فقط على الحاضر، بل على أجيال المستقبل أيضًا.