أميركا تُخلي موظفي سفارتها غير الضروريين في العراق وتسمح لعائلات العسكريين بمغادرة المنطقة

في الوقت الذي أعلنت فيه السلطات الأميركية عن استعدادها لإجلاء الموظفين غير الأساسيين من العراق، أصدر وزير الدفاع الأميركي تصريحًا يسمح لعائلات العسكريين الأميركيين بمغادرة المنطقة بشكل طوعي. وقد أدّى نشر هذه التقارير إلى ارتفاع سعر النفط بأكثر من 4 في المائة.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء الأربعاء 11 يونيو (حزيران) ردًا على سؤال صحفي حول السماح لأسر أفراد الجيش الأميركي بمغادرة الشرق الأوسط: "سترون، شكرًا".

وأضاف: "هم في طور المغادرة لأن الوضع هناك خطير. سنرى ما سيحدث".

كما أشار ترامب، ردًا على سؤال حول كيفية تخفيف التوترات في المنطقة، إلى أن "النظام الإيراني لا يمكنه امتلاك سلاح نووي".

تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد الإحباط من احتمال فشل المفاوضات بين طهران وواشنطن، وفي وقت تستعد فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإصدار قرار جديد ضد برنامج إيران النووي.

وقد أفادت وكالة "رويترز"، يوم الأربعاء 11 يونيو، نقلًا عن أربعة مصادر أميركية ومصدرين عراقيين لم تُكشف هويتهم، بأن جزءًا من سفارة الولايات المتحدة في بغداد قد تم إخلاؤه، وأن موظفين بدأوا بمغادرة العراق.

ورداً على سؤال من وكالة "رويترز" حول هذه "الإخلاءات الجزئية"، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، دون التطرق إلى التفاصيل: "وزارة الخارجية تراجع بانتظام أوضاع موظفيها في الخارج، وهذا القرار جاء نتيجة للمراجعة الأخيرة".

وصرّح مسؤول أميركي بأن "وزارة الخارجية مستعدة لإصدار أمر بالإجلاء المنظم لموظفي سفارتها في بغداد. نخطط لاستخدام الرحلات التجارية، ولكن إذا لزم الأمر، فإن الجيش الأميركي مستعد لتقديم الدعم".

وأكد مسؤول آخر في البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب على علم بهذه القرارات والإجراءات الجارية.

ولم تقدم السلطات الأميركية أي تفسير لأسباب اتخاذ هذه الخطوات.

من جانبه، كتب دان شابيرو، نائب وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط وسفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل، في منشور على منصة "إكس": "من الواضح أن إدارة ترامب تقوم بتحضيرات واسعة لاحتمال تنفيذ عمل عسكري ضد إيران، سواء من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل".

وأضاف: "إصدار أمر الإخلاء من السفارة الأميركية في بغداد، والسماح بالمغادرة من البحرين والكويت، إشارات مهمة قبل الجولة السادسة من المفاوضات النووية. من الضروري أن تكون هناك استعدادات لدعم تلك المحادثات".

وتابع شابيرو: "هذه الإجراءات لا تعني بالضرورة أن هجومًا عسكريًا وشيك. لا تزال هناك فرصة للدبلوماسية، وتحريك القوات يستغرق وقتًا. لكن مثل هذه الخطوات تُعد جزءًا طبيعيًا من عملية الاستعداد، وتُظهر للطرف المقابل جدية الولايات المتحدة، مما يعزز موقفها التفاوضي".

سفارة أميركا في بغداد

وتُعدّ سفارة الولايات المتحدة في بغداد أكبر سفارة في العالم، وتبلغ مساحتها ما يعادل مساحة مدينة الفاتيكان في روما، عاصمة إيطاليا.

وقد تم بناء هذه السفارة على أرض تبلغ مساحتها أكثر من 90 ألف متر مربع في المنطقة الخضراء من العاصمة العراقية، وهي أكبر من مجمع الأمم المتحدة في نيويورك.

وافتُتحت السفارة في يناير (كانون الثاني) 2009 بتكلفة تجاوزت 750 مليون دولار، لتضم نحو 16 ألف موظف ومقاول.

وتقع مباني السفارة غرب الجسر المعلق في بغداد، وتشرف على نهر دجلة، وتضم 21 مبنى ضخمًا.

ويتكوّن مجمّع السفارة من خمسة أقسام رئيسية، تشمل ستة مجمعات سكنية، مرافق للمياه والنفايات، محطة طاقة، مبنيين دبلوماسيين، ومرافق ترفيهية. وتضم أيضًا مسرحًا، مطعمًا، مركز تسوق، مسبحًا، صالة رياضية، وملاعب لكرة السلة وكرة القدم.

التهديد بقصف القواعد الأميركية

وحذّر عزيز نصير زاده، وزير الدفاع الإيراني، يوم الأربعاء 11 يونيو، من أنه في حال تعرضت إيران لهجوم، فإن طهران ستستهدف القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة.

وتنتشر القواعد الأميركية في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط، بما في ذلك العراق، الكويت، قطر، البحرين، والإمارات العربية المتحدة.

وقد تصاعد التوتر في المنطقة بشكل ملحوظ، خاصة بعد 18 شهرًا من الحرب في غزة، وفشل جهود التوصل إلى حل دبلوماسي للملف النووي الإيراني، ما يثير المخاوف من تحول الأزمة إلى مواجهة واسعة النطاق بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، والنظام الإيراني وحلفائه من جهة أخرى.

وقد هدّد ترامب مرارًا بأنه سيأمر بشن هجوم على إيران في حال فشلت المفاوضات الهشة بشأن برنامجها النووي.

وأكد يوم الأربعاء، 11 يونيو، أنه يفقد ثقته يومًا بعد يوم في أن طهران ستوافق على وقف تخصيب اليورانيوم، وهو مطلب أساسي لواشنطن، فيما يعتبره النظام الإيراني "خطًا أحمر" مؤكدًا تمسكه بحقه في التخصيب.

في الوقت ذاته، تشير التقارير إلى أن الجيش الإسرائيلي قد أكمل مراحل الاستعداد النهائية لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

وقد أعلنت السلطات الإسرائيلية أن الجيش في حالة تأهّب قصوى خلال الأيام الأخيرة، وسط توقعات بتصاعد المواجهة مع النظام الإيراني.

وجاء إعلان الإجلاء من السفارات الأميركية ومنح الإذن لعائلات العسكريين بالمغادرة بعد ثلاثة أيام فقط من اجتماع عقده ترامب في كامب ديفيد مع كبار أعضاء فريقه للأمن القومي لمناقشة الملف الإيراني.

وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إن الوزير بيت هيغست أصدر تصريحًا يسمح بمغادرة طوعية لعائلات العسكريين من عدة قواعد في الشرق الأوسط، بسبب التهديدات الأمنية.

وأضاف هذا المسؤول في البنتاغون: "سلامة وأمن قواتنا المسلحة وعائلاتهم تمثل أولويتنا القصوى، والقيادة المركزية الأميركية (سنتكام) تراقب باستمرار تصاعد التوترات في المنطقة".

في المقابل، نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن مسؤول حكومي قوله إن بغداد لم ترصد حتى الآن أي تهديدات أمنية تستوجب إخلاء السفارة الأميركية.

كما أعلنت السفارة الأميركية في الكويت أنه لم يطرأ أي تغيير على مستوى العاملين فيها، وأنها تواصل عملها بشكل طبيعي.

وقال مسؤول أميركي آخر إنه لم تُصدر أي أوامر بإجلاء في قاعدة "العديد" الجوية في قطر، وهي أكبر قاعدة أميركية في المنطقة، كما أن السفارة الأميركية في الدوحة تعمل كالمعتاد.

تصاعد التوترات

وتسبّب الحديث عن احتمال الإخلاء في بغداد في رفع أسعار النفط بمقدار ثلاثة دولارات، ليصل سعر برميل خام برنت إلى 69.18 دولارًا.

كانت الوكالة البحرية البريطانية قد أصدرت في وقت سابق من يوم الأربعاء تحذيرًا بأن تصاعد التوتر في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى زيادة الأنشطة العسكرية في الممرات المائية الحيوية.

وجاء في هذا التحذير: "على السفن اتخاذ الحيطة عند المرور في المياه الخليجية، وخليج عمان، ومضيق هرمز، والإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة".

وبعد ساعات قليلة من هذا التحذير، بدأت السفارة الأميركية في بغداد الاستعدادات لإجلاء موظفيها غير الأساسيين.

ويُعتبر العراق شريكًا إقليميًا رئيسيًا للولايات المتحدة، لكنه في الوقت نفسه خصم تقليدي لإيران، ويستضيف نحو 2500 جندي أميركي، في حين تنشط جماعات مسلحة موالية لطهران ضمن هياكل الأمن العراقي.

ومنذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ازدادت حدة التوتر داخل العراق، حيث استهدفت الفصائل المسلحة المرتبطة بالنظام الإيراني القوات الأميركية عدة مرات، رغم تراجع هذه الهجمات في الأشهر الأخيرة.

وقد شهد العام الماضي مرتين اشتباكًا مباشرًا بين إسرائيل والنظام الإيراني، وهو ما اعتُبر أول مواجهة علنية بين هذين الخصمين الإقليميين، واستخدمت خلالها الصواريخ والطائرات المسيّرة التي عبرت الأجواء العراقية.

كما نفذت إسرائيل، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، عدة ضربات ضد أهداف مرتبطة بالنظام الإيراني داخل العراق وسوريا.

من المتوقع أن تُستأنف قريبًا جولة جديدة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة. ومن المقرر أن تُقدّم طهران ردًا على مقترح واشنطن بعد رفضه، عبر عرض بديل.

وقد كتبت بعثة النظام الإيراني لدى الأمم المتحدة يوم الأربعاء على منصة "إكس": "التهديد باستخدام القوة لا يُغيّر الحقائق: إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، والنزعة العسكرية الأميركية لا تجلب إلا المزيد من عدم الاستقرار إلى المنطقة".

جاء هذا التصريح ردًا على تصريحات أدلى بها الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، أمام الكونغرس.

وقد قال خلال جلسة استماع إنه قدّم للرئيس الأميركي قائمة واسعة من "الخيارات" لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.